أعتقد أن تنفيذ حكم الإعدام شنقاً حتى الموت صباح يوم السبت، 30 كانون الأول/ديسمبر 2006، بحق صدام حسين لجرائم ارتكبها ضد الإنسانية، هو أخف عقوبة يستحقها، لأن عملية الإعدام لا تأخذ إلا دقائق معدودة، بعدها يتحول المعدوم إلى لا شيء كما لو لم يولد من قبل. فصدام حسين ارتكب جرائم بشعة لا تعد ولا تحصى ضد الشعب العراقي بجميع مكوناته، وشعوب المنطقة، إيران والكويت، وآلاف الأفراد من شعوب أخرى في العالم. لذا فتنفيذ حكم الإعدام بحقه لا يعادل الجرائم البشعة التي ارتكبها خلال حكمه الجائر. ولكن من جهة أخرى فإعدام صدام هو عقاب موجه لأتباعه من الإرهابيين لتحطيم معنوياتهم أكثر مما هو موجه له. وعليه أعتقد أنه لو كان وضع العراق الحالي اعتيادياً لكان من الأفضل ترك صدام حياً إلى أن يموت موتاً طبيعياً متعفناً في سجنه. فصدام الذي بنى له عشرات القصور الفخمة وبمبالغ خيالية معظمها في عهد الحصار الاقتصادي، وانتهى بحفرة، كانت عقوبة بقائه حياً في السجن ذليلاً ويموت يومياً ما بقي حياً، أشد عليه من تنفيذ حكم الإعدام في لحظات وينتهي شعوره بالذل والهوان.

الجدال حول الإعدام
لقد أثار إعدام صدام جدلاً محتدماً كما كان في حياته. إذ اختلف الكتاب والمعلقون السياسيون وحتى الشارع العراقي والعربي والعالمي حول تنفيذ حكم الإعدام بحقه، كما اختلفوا في التوقيت حيث صادف يوم عيد الأضحى الذي يعتبر المسلمون القتل فيه حرام حتى بحق من يستحقه من المجرمين. ونحن لا نريد هنا أن ندافع عن قرار الحكومة العراقية في هذا الخصوص، ولكن فقط نريد أن نذكر القراء الكرام أن حزب البعث وحلفاءهم الإرهابيين الإسلاميين من القاعدة وغيرها، لم يولوا يوماً أية حرمة لأشهر الحرم طيلة تاريخهم. فحزب البعث قام بانقلابه العسكري في العراق عام 1963 في شهر رمضان الذي هو من أشهر الحرم، وقتل ما لا يقل عن عشرين ألف من خيرة أبناء الشعب العراقي وبمباركة الإسلاميين آنذاك. كذلك عمليات قتل العراقيين من قبل الإرهابيين بعد سقوط نظام البعث بقيت مستمرة في العراق وحتى في الأعياد والمناسبات الدينية. ولكن مع ذلك نعتقد أنه كان على الحكومة العراقية أن تكون أكثر حكمة فتقوم بتنفيذ حكم الإعدام في يوم آخر، لكي لا تعطي حجة لأحد في الطعن بالقرار، ولا للبعثيين وأنصارهم فرصة استغلال التوقيت لصالحهم. فصدام في جميع الأحوال كان في السجن وفي حالة الضعف.
وهناك من يرى أنه كان من الأفضل عدم إعدامه لقضية واحدة وهي مجزرة الدجيل ضد الشيعة حيث يعطي انطباعاً أن العملية كانت بدوافع الطائفية والانتقام، وكان من الأفضل الانتظار إلى أن يتم النظر في جميع الدعاوى الأخرى مثل الأنفال وحلبجة والحروب العبثية التي شنها على دول الجوار وغيرها، لأن محاكمة صدام هي محاكمة مرحلة تاريخية مظلمة، وآيديولوجية سياسية شمولية فاشستية ضد الإنسانية. كما إن ظلم صدام لم يتوقف على الشيعة وحدهم بل شمل جميع مكونات الشعب العراقي بمن فيهم السنة العرب، حيث قام بمجزرة ضد أهل الرمادي أيضاً، بل وحتى ضد أفراد من أبناء عمومته. ولذلك يرى هؤلاء أن بموت صدام فقد أسدل الستار على الجرائم الأخرى وأسرارها..
والجواب على ذلك هو، نعم كان من الأفضل تركه حياً طيلة المحاكمات ولكن من المعروف أن صدام ليس الوحيد المسئول عن الجرائم الأخرى، إذ هناك شركاء آخرون له في هذه الجرائم، والمحاكمة ستستمر في محاكمة المرحلة مع من تبقى من المتهمين من أعوان صدام.
كذلك يرى آخرون أنه كان من الأفضل قتله بسرعة منذ اليوم الذي ألقي القبض عليه وهو في حفرة حقيرة قبل ثلاث سنوات مثلما تم إعدام موسليني من قبل مجموعة من ضباطه دون محاكمة في ليلة ظلماء في الحرب العالمية الثانية. كما ولم يكن صدام شجاعاً فيقاتل الأمريكان إثناء القبض عليه ليموت شهيداً، أو حتى ينتحر كما فعل هتلر. ومع ذلك، يرى البعثيون العراقيون ومعهم بعض العرب، صداماً كبطل قومي وأنه كان يجب إطلاق سراحه وإعادته للحكم.....الخ.

مبررات الإعدام
السؤال المطروح الآن هو لماذا تم تنفيذ حكم الإعدام بحق صدام حسين في هذا الوقت بالذات وقبل إكمال محاكمته وأعوانه على جرائمهم الأخرى. طبعاً مهما قلنا بهذا الصدد، لا يمكن تغيير قناعات المعارضين للإعدام، ولكن لا أرى ضيراً من طرح التفسير التالي:
1-محاولة السلطات العراقية تحطيم الأسطورة التي أحاط صدام نفسه بها بأنه الرجل الذي لا يقهر. لقد عمل نظام البعث خلال حكمه الطويل على تدمير الثقافة ونشر التجهيل المتعمد في صفوف قطاعات واسعة من الشعب العراقي، وتأليه شخصية صدام حسين وزرع في روع العراقيين وخاصة أتباع صدام من البعثيين، أنه سيبقى في الحكم إلى أن يموت موتاً طبيعياً وأن حزب البعث، كما أكد لهم صدام، quot;باق في الحكم ليس لثلاثين عاماً بل 300 عام.quot;
2-الإشاعات التي تغذيها نظريات المؤامرة من أن الأمريكان على اتفاق مع صدام وسوف يرتبون معه لإعادته إلى السلطة لمساعدتهم في السيطرة على الوضع الأمني، أو تهريبه من السجن إلى أمريكا. لذلك فبإعدامه وضعت السلطات العراقية نهاية لجميع هذه التخرصات وتحطيم أسطورة صدام وخرافات quot;حزب العودةquot;.. الخ. فصدام انتهى وإلى الأبد.
3-كعلاج نفسي psychotherapy لجماهير واسعة من عائلات ضحايا صدام وخاصة من الشيعة والأكراد الذين عانوا أكثر من غيرهم، فبشنقه تكون العدالة قد تحققت لأرواح الضحايا والملايين من العائلات المنكوبة والأرامل والأيتام والمعوَّقين.
4-أن صدام محكوم عليه بالإعدام عن جريمة الدجيل، والانتظار لنتائج محاكماته في القضايا الأخرى سوف لا يغير شيئاً فيما يخص عقوبة الإعدام في جميع الأحوال.. كما والاستمرار في هذه المحاكمات يمكن أن يستغرق وقتاً طويلاً إلى ما لا نهاية أو على الأقل عشرين عاماً.. وهذا غير عملي، لذا فتمديد الوقت وإطالة المحاكمات هو فخ نصبه محامو الدفاع والبعثيون لصالح صدام وتمييع هذه المحاكمات وقضاياها الأساسية وبالتالي ضياع حقوق الضحايا وعائلاتهم. لذلك عملوا بالحكمة quot;خير الأمور عاجلهاquot;.

أخطاء سير المحاكات
لا شك أن هناك أخطاء رافقت سير المحاكمات منذ البداية. بدءً أود التأكيد على أنه ليس هناك خطأ في عدالة المحاكمات، إذ أنها جرت من قبل قضاة عراقيين وفق القانون وبنزاهة وأمام الرأي العام العالمي. أما الطعن بعدالة المحاكمات لكون العراق محتل من قبل أمريكا، فالاحتلال يجعل من هذه المحاكمات أكثر عدالة من دونه. والدليل على ذلك أن معظم المتهمين يتمنون لو يحاكمون في أي دولة غربية بما فيها أمريكا بدلاً من العراق أو أي بلد إسلامي. كما ويجب أن لا ننسى أن أحد محامي الدفاع عن صدام هو رمزي كلارك الأمريكي. كذلك أُعطِيَ المتهمون ومحاموهم حرية الكلام والدفاع إلى حد أنهم حوَّلوا بعض الجلسات إلى مهاترات والتهكم على القضاة وإلقاء القصائد ...الخ، ومع ذلك أبدى القضاة صبراً جميلاً وليناً وتساهلاً مع المتهمين ومحاميهم إلى حد أن عرضوا أنفسهم للنقد الشديد من قبل الرأي العام العراقي في الداخل والخارج وخاصة من قبل ذوي الضحايا.
بينما كانت المحاكم في عهد صدام تجرى بشكل صوري أقرب إلى المهازل، فكان يتم إعدام المتهمين بدون أية محاكمة عادلة كما هو معروف لدى القاصي والداني. وهذه المنظمات العالمية (حقوق الإنسان والعفو الدولية والصليب الأحمر..الخ) التي تحاول الآن التشكيك في عدالة سير المحاكمات في العهد الجديد وتدافع عن صدام، لم نسمع لها صوتاً إزاء الجرائم البشعة التي ارتكبها نظام البعث ضد الإنسانية خلال 35 عاماً من حكمه الجائر.
وأبشع محاكمات البعث هي تلك المحاكمة التي جرت عام 1969 لأكثر من مائة متهم، معظمهم من الضباط العسكريين وبعض المدنيين الذين كانوا يشكون بولائهم، فاختلق البعثيون مؤامرة كاذبة كذريعة للخلاص منهم، فجرت محاكمتهم وإعدام الكثيرين منهم خلال ساعات من قبل (محكمة الثورة الخاصة) التي تألفت من ثلاث أشخاص في قيادة البعث لا علاقة لهم بالقضاء، برئاسة طه يسين رمضان الجزراوي، وعضوية كل من علي رضا باوي وناظم كزار، وبصلاحيات مطلقة في إصدار الأحكام وتنفيذها فوراً حتى دون الحاجة إلى مصادقة رئيس الجمهورية أو الطعن بالأحكام أو تمييزها. كذلك محاكمة وإعدام 29 قيادياً بعثياً عام 1979 عندما دشَّن صدام رئاسته للجمهورية بعد أن كان quot;السيد النائبquot; للتخلص من معارضيه في الحزب. لذلك فأي طعن بعدالة المحاكمات هو نوع من الهراء، وفي جميع الأحوال لا يمكن إسكات هؤلاء ومهما عمل القضاة وكانت النتائج.

إذنّ، ما هي الأخطاء؟
أعتقد أنه كان من الأفضل للسلطات العراقية، لو بدأت بمحاكمة صدام وأعوانه على الجرائم التي ارتكبها بحق الأبرياء عام 1969 ، وأثارت قضية إعدام القياديين البعثيين عام 1979، وما قام به من إبادة ضد انتفاضة الرمادي عام 1998... ومن ثم الجرائم الأخرى، مثل جرائم الحرب ضد إيران وغزو الكويت ومجزرة الدجيل والأنفال وحلبجة والأهوار والمقابر الجماعية ضد انتفاضة آذار 1991 وما تلاها من انتفاضات أخرى وحسب تسلسلها الزمني. فلو عمل المسؤولون العراقيون بهذا الترتيب في محاكمة صدام وأعوانه لكسبوا دعم عائلات وعشائر آلاف الضحايا من العرب السنة والمدن السنية بل وحتى دعم مجموعات واسعة من البعثيين. فكما ذكرنا آنفاً، أن جرائم صدام لم تكن محصورة على الشيعة والكرد فقط، بل تعدت وشملت حتى أقرب الناس إليه مثل صهريه، حسين كامل وصدام كامل، حيث تم قطع رأسيهما بطريقة وحشية وفق الأعراف العشائرية الهمجية ونقل الرأسان بكيس بلاستيكي إلى صدام ليؤكدوا له تنفيذ أوامره في غسل العار!!! ولكن لسوء الطالع بدأ المسئولون العراقيون بقضية الدجيل ومن ثم الأنفال مما أعطوا ذريعة لأيتام صدام وأتباعه من الإعلاميين المرتزقة اتهام المحاكمات وتنفيذ قراراتها بنزعة الطائفية والرغبة في الانتقام!!

ما هي العبرة؟
العبرة أن الظالم مهما تجبر وتكبر، ومهما بنى ترسانة هائلة من الأسلحة وعسكرة المجتمع، فلا بد وأن ينال جزاءه العادل، وهذا هو حكم التاريخ الذي لا يرحم. فكما قال باتريك كوكبرن في الإنديبنت اللندنية يوم إعدام صدام: quot;كان العراق يملك النفط والمال والإدارة الجيدة وشعبا متعلما لدى وصوله الى الحكم، لكنه ترك العراق مدمرا بعد حربين مدمرتين ولا يبدو أن ويلات العراق ستنتهي قريبا.quot; فعلى الطغاة من أمثال محمود أحمدي نجاد وبشار الأسد ومعمر القذافي الذي أعلن الحداد الرسمي ثلاثة أيام على مجرم العصر، أن يأخذوا العبرة مما حصل لصدام حسين الذي انتهى ذليلاً بحبل المشنقة وإلى مزبلة التاريخ وبئس المصير.