لا يمكن التشفي بإعدام أي مجرم مهما بلغت جرائمه من الوحشية أقصاها، كصدام حسين. كلا، ولا يجوز أيضا تناسي مئات آلاف الضحايا الأبرياء، من نساء وأطفال ورجال، من مختلف القوميات والانتماء الديني والمذهبي.
كلا، ليس إعدامه quot;عملا همجياquot; كما يقول بعض المثاليين الغربيين المناوئين في المبدأ لعقوبة الإعدام فمحاكمة صدام كانت قانونية، والحكم وتنفيذه قد لبيا مستحقات العدالة والقانون.
كان صدام رمزا للطغيان، ولاحتكار السلطة، واحتقار كرامة البشر وحياتهم. كان النموذج العربي الأكثر دموية خلال انفراده بالسلطة. كان نظامه ينفذ حملات إعدام جماعية وبلا محاكمة ما. كان يرمي بمئات الآلاف في المقابر جماعية، أو يرش عليهم الغاز السام. ومن هنا، فلا عجب أن يكون القذافي أول الحكام العرب في رعبه من حدث اليوم التاريخي على نطاق المنطقة كله ، وأن يعلن الحداد ثلاثة أيام، وهو الذي لم يذرف دمعة واحدة على ضحايا الأنفال، والدجيل، وحلبجة، وضحايا المعتقلات السرية، والتعذيب الهمجي، والتهجير الجماعي؛ وكما قال طارق الحميد في مقالة له بتاريخ 7 نوفمبر الماضي:
quot; في إعدام صدام رسالة، ووعيد شديد، لطغاة ما يزال بعضهم يرفل بسلام على الرغم من أن أيديهم ملطخة بدماء الأبرياء، وشعوبهم ما تزال تئن تحت وطأة الظلم والقمع. إعدامه رسالة لكل هؤلاء مفادها [بشر القاتل بالقتل ولو بعد حين].quot;
أجل، كان رمزا لعبادة الدم، والنهب، واستباحة الأعراض، هو وابنيه عدي وقصي. كان يمارس تهجير مئات الآلاف من العراقيين الشيعة، ولاسيما الأكراد الفيلية، وحجز شبابهم في معتقلات سرية، وتجربة السلاح الجرثومي على فريق منهم.
إذا كان تنفيذ الإعدام هدية مستحقة لأرواح الضحايا وعائلاتهم، فيجب أن تكون في سيرته ومصيره دروس وعظات لجميع العراقيين وخصوصا لمن يحكمون اليوم.
إن إعدام الطاغية برغم أهميته التاريخية على نطاق العراق والمنطقة، فإن مغزاه ودلائله سوف تتلاشى إذا واصلت المليشيات وبعض القوات الحكومية ممارسات مماثلة، وإذا استمر النهب العام، كما هو الحال اليوم، وإذا ردت المليشيات ترد على التهجير الطائفي الذي تمارسه قوى الإرهاب الصدامي والتكفيري، بعمليات تهجير مماثل، إذا احتُقرت حقوق الإنسان، وأهينت المرأة، واستمر اضطهاد المسيحيين، ولم يسترد المهجرون الفيليون زمن صدام هويتهم القانونية وممتلكاتهم المستباحة، والتحقيق في مصير أبنائهم وهم حوالي ما بين 7000 و8000.
إن على الحكام الجدد اليوم التركيز على تصفية قوى الإرهاب أو حصارها، وفرض سيادة القانون على الجميع، وحل المليشيات المنفلتة التي يمارس بعضها ممارسات صدام ونظامه البائد، ووقف الفساد المالي، ومعالجة مشاكل الخدمات والكهرباء والماء خاصة.
فليكن في هذا اليوم التاريخي حافز للجميع لتصحيح المسار والسير الحثيث نحو الإصلاح وتعزيز الولاء الوطني والعمل لعودة الثقة بين المواطنين العراقيين والاحترام المتبادل من سنة وشيعة، ومن عرب وأكراد وتركمان وكلدوndash; آشوريين، ومن مسلمين ومسيحيين وصابئة مندائيين ومعتنقي الأديان الأخرى القائمة في العراق.
ونقول بقوة، حذار، وحذار، من اعتبار الإعدام سيقضي فورا على قوى الإرهاب وتصميمها على تدمير العراق؛ بل لعل جرائمها سوف تزداد شراسة واستماتة برغم أن هذا الحدث الكبير قد وجه ضربة في الصميم لمعنويات عصاباتها؛ ومعنى ذلك أنه ما لم تعدل الحكومة سياساتها، وما لم يشعر الجميع بكونهم ينتمون أولا للخيمة العراقية قبل أي ولاء آخر، فسوف تستمر الدوامة العراقية الدموية، ويتعذر تحقيق هدف بناء العراق الديمقراطي، الفيدرالي، وضمان الأمن، والحرية، والعيش الرغيد للمواطنات والمواطنين.
لقد كان عام 2006 عام الموت والخطف الجماعيين، والتهجير الطائفي، وازدياد تدهور الوضع الأمني والخدمات. فهل ستكون خاتمة العام ومفتتح 2007 بداية نحو عهد جديد؟؟! إن المستقبل لكشاف!
أخيرا، تهانينا لشعبنا بكل قومياته وأديانه ومذاهبه، وأحر التعازي لبعض حكام المنطقة ولكل المتباكين على مصير الطاغية.