المأزق الذي وجدت نفسها فيه حماس، بعد فوزها الغير متوقع في الانتخابات التشريعية، يمكنها الخروج منه، صحيح أن حماس ليس لها برنامجاً سياسياً تقدمه لا للفلسطينيين ولا للعالم. وليس أمام حماس سوى حلان لا ثالث لهما، الحل الأول هو أن تتمسك بميثاقها الخاص بها [ لا اعتراف بإسرائيل،لا اعتراف بأوسلو، لا سلام مع إسرائيل بل هدنة مفتوحة، هذه اللاءات الثلاثة تذكرني بلاءات الخرطوم الكارثية أيضاً] وهذا يعني موتها دولياً وإقليمياً، إذاً لم يبق أمامها إلا حل واحد وحيد وهو أن تتسم بالمرونة الفكرية والسياسية، بحساب مبدأ المكسب والخسارة، وأن تنفتح على العالم وتحقق حلم الفلسطينيين بإقامة الدولة الفلسطينية، باتخاذ القرارات المؤلمة التي جبن عرفات عن اتخاذها. تمسك حماس بثوابتها معناه خسرانها للرأي العام العالمي الذي يمثل القوة الضاربة بعد الولايات المتحدة الأمريكية، فعلى حماس أن تعي أن ndash; خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر ndash; أي استخدام للعنف والتفجيرات تحت أي مسمي مدان دولياً، وأن فترة الكفاح المسلح قد انتهت إلى غير رجعة. ولو ناقشت حماس ثوابتها بالعقل لا بالعاطفة لوجدت أن ثوابتها لا تتناسب مع الواقع جملة وتفصيلاً، فثوابتها كعملة أهل الكهف التي أضحت غير قابلة للصرف في وقتنا الحاضر، حماس لا تعترف بإسرائيل وتريد عقد هدنة طويلة المدى على وهم أن يشتد عودها لتمحو إسرائيل من الوجود وتحرر فلسطين حتى آخر ذرة تراب، وهذا لعمري لهو الهذيان بعينه، كيف تنكر حماس وجود دولة عضو في الأمم المتحدة، دولة اعترف بها العالم ولها سفارات في بلدان العالم، دولة اعترف بها الرئيس السادات والملك حسين وعقدا معها معاهدتان سلام، بعد أن تخليا عن التفكير بالوهم والعيش في الخيال، وعن الشعارات الشعائرية التي تهز وجدان الشعوب لكن لم تحرر ذرة تراب، على حماس أن تفكر بدماغها المعرفي لا بدماغها الغريزي أو الإنفعالي، وتري الواقع المرير كما هو، لا كما تود أن تراه. حماس لا تعترف أيضاً باتفاقية أوسلو، وهم يعرفون أنهم ما وصلوا إلى المجلس التشريعي إلا من خلال اتفاقية أوسلو، فمن ينكر وجود إسرائيل ولا يعترف باتفاق أوسلو كمن يري الشمس ساطعة وينكر وجودها.
ما هو المطلوب من حماس؟
كل الأنظار ترصد ما ستفعله حماس، ولو أحسنت حماس صنعاً لاستغلت فرصتها السانحة لحل القضية الفلسطينية التي طال عذاب أهلها، عليها أن تشكل حكومة وحدة مع فتح وباقي التيارات الأخرى، على حماس أن تحسن قراءة الواقع وأن تتسم بالمرونة الفكرية والسياسية التي عجز عرفات عن التحلي بها فمات وهو لم يحقق الحلم الذي عاش من أجله: إقامة الدولة الفلسطينية، هذه المرونة تتطلب منها ممارسة نقدها الذاتي وأن تنقلب على نفسها بـ 180 درجة، وأول ما يجب فعلة هو إعلانها عن تخليها عن الأحزمة الناسفة. عليها أن توحد الفصائل الفلسطينية في جيش موحد بعد أن تجمع سلاح جميع الفصائل، أن تتخذ القرارات المؤلمة الواقعية بقبول الحل الأوربي لحل مشكلة اللاجئين بتوطينهم في أماكنهم مع دفع التعويضات المالية لهم ، وكذلك القبول بالقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية . إن وصول حماس للسلطة يمكن أن يكون فرصة لإقامة الدولة الفلسطينية إذا ما أحسنت حماس استغلالها لترحم الشعب الفلسطيني المعذب .
نصيحة أخيرة أهمس بها في أذن الحماسيين: لا تنسوا المبدأ البورقيبي القائلquot;خذ وطالبquot; لأن ما لا يأخذ جله لا يترك كله، دعوا مبدأ اللذة الصبياني الذي يطلب من الواقع إعطاءه نتائج مخالفة لقوانينه، تحلوا بمبدأ الواقع المؤلم والصادم، ولكنه الوحيد القادر على حل القضية التي أتعبت ليس فقط الشعب الفلسطيني بل كل الشعوب العربية، فلقد أرجأ كل القادة العرب أي إصلاحات سياسية أو تنموية أو ديمقراطية أو إنسانية متعللين بتحرير فلسطين، لقد جعلوا من قضية فلسطين quot;قميص عثمانquot; حتى إن بن لادن أيضاً قد وظفها هو وإيران لتأليب الشعوب العربية ضد أوربا وأميركا، وتاجر المتأسلمون بقضية فلسطين وأصبح الشرق الأوسط بؤرة للإرهاب.
أخيراً أقول لحماس التمسك بميثاقكم معناه الهلاك والعزلة الدولية والإقليمية، فالجمود الفكري معناه الإنكسار، والمرونة الفكرية والسياسية معناها الانتصار، إذا ما انفتحتم على العالم فسينفتح لكم العالم وسيعترف بكم، وسيساعدكم على إقامة دولتكم المنشودة. وفقكم الله لما يحبه ويرضاه.
[email protected]
التعليقات