في بطن الرّمة / روايات مشكوكة
واصل الحسين مسيره حتى حطّ (بطن العقية) فنزل بها، ويروي الطبري (قال أبو مخنف: فحدّثني لودان أحد بني عكرمة، إن أحد عمومته سأل الحسين عليه السلام أين تريد؟ فحدّثه فقال له: أنّي أنشدك الله لما انصرفت، فوالله لا تقدم إلاّ على الأسنّة وحدّ السيوف، فإن هؤلاء الذين بعثوا إليك لو كانوا كفوك مؤنة القتال، ووطّدوا لك الأشياء، فقدمت عليهم كان ذلك رأيا، فأمّا على هذه الحال التي تذكرها، فإنّي لا أرى لك إن تفعل، قال، فقال له: يا عبد الله أنّه ليس بخفي عليّ، الرأي ما رأيت، ولكن الله لا يُغلَب على أمره...) 88 ــ المصدر 6 / 323 ــ
وفيي هذا لموضع بالذات يُروى أكثر من خبر، نحاول استعراضها ودراسة مدى انسجامها مع قيم النقد الروائي.
في طبقات ابن سعد والبداية والنهاية والكلام للأخير (... حدّثنا موسى بن إسماعيل، حدّثنا جعفر بن سليمان، عن يزيد الرشك قال: حدّثني من شافه الحسين قا ل: رأيت أخبية مضروبة بفلاة من الأرض، فقلت: لمن هذه؟ قالوا: الحسين، قال: فأتيته فإذا شيخ يقرأ القرآن، والدموع تسيل على خديه ولحيته، قال: فقلتُ: بأبي وأمي يا ابن رسول الله ما أنزلك في هذه الفلاة التي ليس بها أحد؟ فقال: هذه كتب أهل الكوفة اليَّ، ولا أراهم إلا قاتلي، فإن فعلوا ذلك لم يدعوا الله حرمة إلا انتهكوها...) 89 ــ البداية والنهاية 8 / 171 ــ
ونحن لا نعرف هذا الذي شافه الحسين، وبالتالي فالرواية ضعيفة، ولا يمكن أن نعتمدها في استخلاص نتائج تاريخية تخص عمل الحسين عليه السلام.
لا أستبعد إن مثل هذه الروايات سيقت بقصد الإساءة لأهل الكوفة، وتحميلهم مسؤولية المجزرة التي حصدت أهل بيته والصحابة البررة، ومن ثمّ لتبرير ما حصل لاه الكوفة من اضطهاد وبطش على يد الأمويين و غيرهم، فان الخطاب يجيش بإسرار خفية تشكل سلطة قاهرة، وبالتالي تنزيه وتبرئة السلطان الحاكم آنذاك بدرجة وأخرى.
في البداية والنهاية أيضا نقرأ (... والله لا يدعوني حتى يخرجوا هذه العلقة من جوفي...) 90 ــ 8 / 171 ـ وفي السند جعفر بن سليمان الضبي، وثقه بعض الرجال وطعن به آخرون، ولكن الرجل توفي سنة 178 فحديثه مرسل لأنه يروي مباشرة عن الحسين 91 ــ تهذيب التهذيب 3 / 95 ـ
وفي بصائر الدرجات (... لمّا صعد الحسين عليه السلام عقبة البطن قال لأصحابه: ما أراني إلا مقتولا... رأيت كلاباً تنهشني أشدّها عليّ كلب ابقع) 92 ــ كامل الزيارات ـ وفي السند المفضل بن صالح أبو جميلة ضعّفه النجاشي وابن الغضائري، وكتاب بصائر الدرجات مشكوك الوصول بطريق معتبر إلى المجلسي الذي أودعه في بحاره.
يتبع بإذن الله تعالى
التعليقات