تنطوي مبادرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بدعوة وفد حماس الذي سيصل موسكو الجمعة لاجراء المباحثات حول اقاق التسوية الفلسطينية الاسرائيلية دون شك على ابعاد استراتيجية متعددة تقف في مقدمتها خلق الاجواء الملائمة للمباحثات السلمية بين الفلسطينيين واسرائيل.كما انها تاتي في اطار السياسة الخارجية للرئيس بوتين القائمة على القيام بادوار مستقلة وفق المصالح والرؤية الروسية، ورفض تهميشها والقبول بمكانة الشقيق الاصغر، كما ارادته لها واشنطن.وارتسمت في الاونة الاخيرة ملامح خاصة للسياسة الروسية ازاء قضايا دولية حادة، تختلف عن الرؤية الغربية لها.

وقوبلت المبادرة التي اطلقها الرئيس بوتين في مدريد بمواقف دولية متباينة،واثارت الغضب في اسرائيل لدرجة ان الحكومة الاسرائيلية اجتمعت لتدرس العلاقات مع روسيا في ضوء مبادرة بوتين لدعوة حماس. واختلفت دول الاتحاد الاوروبي ايضا في تقدير المبادرة. الا ان ترحيب زيارة رئيس الحكومة الفرنسية دومنيك دو فليبان خلال زيارته لموسكو منحها المزيد من التبرير.

ودون شك فان الرئيس بوتين عبر في مبادرته في مدريد عن قرار كان قد اتخذه الرباعي الدولة للوسطاء الدوليين للتسوية في الشرق الاوسط للشروع بمد قتوات الحوار مع حماس. فلم يعد لدى رعاة عملية السلام اية امكانية اخرى بعد ان اضفت نتائج الانتخابات التشريعية في فلسطين عليها كوتها ممثل شرعي للشعب الفلسطيني.ولذلك فقد تنامي دور روسيا بشكل ملحوظ في عملية السلام وسيكون تاثيرها الايجابي لفترة طويلة قادمة لاسيما وان كل المؤشرات تدلل على ان الدبلوماسية الروسية تبذل كل ما في وسعها من اجل عدم افشال المبادر الجرئية. فموسكو رغم حرصها على استقلالية موقفها تتحاشى اللعب بمفردها في الشرق الاسط، وتضع كافة المقدمات المطلوبة لخروج المباحثات مع حماس بنتائج مثمرة. وبفضل الجهود الروسية فقد بقيت ابواب الاتصالات الفلسطينية ـ الاسرائيلية مفتوحة.وان الساسة الواقعيون يقيمون ويتفهمون اهمية ذلك.
ان كل من الطرفين الروسي والحماسي يضع في المباحثات اهدافه ومصالحه الخاصة فحماس تراهن بالحصول من خلال المباحثات في موسكو على الاعتراف الدولي كونها طرف لايستهان في قضية التسوية في المنطقة، وانها قد تحصل بروسيا كوسيط يمكن عن طريقها ايصال مطالبها للمجتمع الدولي، وفضح السياسة الاسرائيلية العدوانية، التي يلوذ العالم الغربي بالصمت عليها، وربما قد تجر موسكو لبعض مواقفها. .وكما يقول رئيس الوفد الفلسطيني لروسيا خالد مشعل فان هدف الزيارة يكمن في عرض الوضع المترتب في فلسطين بعد فوز حماس على القيادة الروسية، ومسار تشكيل الحكومة وتبادل وجهات النظر.

وبدورها فان موسكو بدعوتها لحماس اعلنت نهاية ومن تهميشها في قضايا الشرق الاوسط، ورفض المحاولات الامريكية لها بلعب دور الشقيق الاصغر في الشئون الدولية.علما ان روسيا تروم تادية ادوارا مستقلة كذلك، في االقضايا الدولية المتازمة الاخرى، بما في ذلك في البلقان، لاسيما ما يتعلق بمشكلة كوسوفو وفي الملفات النووية الايرانية والكورية الشمالية. وبالتاكيد على الساحة السوفياتية السابقة. وحذرت في هذا السياق الغرب من التدخل في الحملة الانتخابية في بيلارسيا ضد حليفها الرئيس الكسندر لوكاشينكو، وابدت الدعم لاوزبكستان التي فرض الغرب عليها عقوبات بعد الاضطرابات في انديحان الصيف الماضي، ولوحت بالاعتراف بالجمهوريات الانفصالية ابخازيا واسيتيا الجنوبية.

ان دعوة موسكو لحماس للمباحثات يشير الى النزعة الجديدة في السياسية الخارجية الروسية الرامية لاستعادة مواقعها المفقودة، وتاكيد حضورها على الساحة الدولية، ووضع الممهدات لبناء نظام دولي متعدد الاقطاب وصيانة مصالحها.