ماحدث في معرض الرياض الدولي للكتاب يستحق منا وقفة متأملة، عميقة صارمة، حاسمة. فأن quot;يحتلquot; مجموعة من أتباع مدرسة فكرية معينة هم وأساتذتهم الصفوف الأولى لقاعة ندوة فكرية مبيتين النية (كما أتضح لاحقا) على التوبيخ والتجريح والتهجم الذي كاد يصل إلى الذراع على شخصيات المحاضرين لأمر لا يمكن السكوت عليه.
وأن يتطاول أعضاء الهيئة من المتفرغين والمتطوعين على الضيوف ويفرضوا عليهم حكما لم تتفق عليه المذاهب والمدارس الفقهية في مسألة غطاء الوجه أو لبس العباءة فوق الرأس أو أن تكون سوداء ومن طراز معين، وان يمنع رجل من الإمساك بيد زوجته خوفا عليها من الضياع وسط الجموع بعذر أن في ذلك استعراض لمشاعر عاطفية، أو أن يمنع بائع من التبسم في وجه زبائنه من النساء، فهذا تجاوز لا يمكن أن تقبل به رئاسة الهيئة أو نقبله.وأن يكون للبعض رأي في فسح كتاب أو في محتويات هذا الكتاب، فهذا حقه. أم أن يفرض هذا الرأي على غيره، ويعترض على فسح رسمي، ويضايق البائع والمشتري بارائه وقناعاته فهذا تعد على حقوق الغير وحرياته وإنسانيته.
والنصح مقبول طالما بلّغ بأسلوب حسن وخلق كريم ليس فيه رفع صوت أو عصا، أو كما أمر أحكم الحاكمين الذي يحكم بين الناس فيما كانوا فيه يختلفون (وجادلهم بالتي هي أحسن). وبشرط أن يكون الناصح منفتح على الرأي الآخر متقبل لإمكانية أن يكون مخطأ والآخر مصيب، أو كم قال الإمام الشافعي (رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب). أما منطق (ما أريكم إلا ما أرى) وأسلوب (خذوهم بالصوت لا يغلبوكم) فليس من الإسلام ولا من خلق النبي صلوات الله وسلامه عليه في شيء. والنصح في هذه الحالة يتحول إلى استفزاز قد يقود الطرف الآخر إلى الرفض لاستنكار الأسلوب لا التوجيه أو كما قال جل وعلا (ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك).
أنا مع الذين قالوا بأن مظهرنا أمام الآخرين كان قبيحا في هذه المظاهرة الدولية، ولكنني أتفق أكثر مع من يرى بأن مظهرنا أمام أنفسنا كان أقبح. فقد أعزنا الله بالإسلام (وخلق الإسلام) فإن نحن أبتغينا العزة بغيره أذلنا الله. والاعتزاز بالقوة والسلطة والاغترار بالنفس والعلم والجاه لن يقربنا إلى الله ولن يرفعنا أمام خلقه. لا بد من وقفة مع النفس فيما جرى، ودراسة في أسبابه، وتشاور فيما يجب أن نفعل لنمنع تكراره. (بالتزامن مع جريدة المدينة السعودية)
[email protected]
التعليقات