في المقال السابق علقت على بعض الاحداث التي وقعت في الفترة السابقة والتي كنت فبها في اجازة وصوم كامل عن الكتابة وشبه كامل عن القراءة. كان ضمن ماتحدثت عنه احداث الكويت من وفاة المغفور له اميرها السابق وما تم من اجراءات وخطوات راقية ومتحضرة في نقل السلطة وتعيين الامير الجديد. اليوم اعود لمتابعة تلك الاحداث ومن ضمنها حادثة نشر الكاريكتورات المسيئة للاسلام والمسلمين التي نشرتها احدى الصحف الدنماركية. لا شك في ان من قام بنشر تلك الرسوم قد اخطأ خطأً كبيرا في عدم تقديرة لما يمكن ان يحدث من انعكاسات لهذا الفعل الغير هادف ولا مُبرر ولا يخدم أي قضية، ولكن بالمقابل فقد كانت ردة الفعل التي عمت العالم العربي والاسلامي ايضا، غير مبررة في تشنجها ورعونتها. فما نشرته تلك الصحيفة، التي لا اعرف اسمها، لم يكن يستحق تلك الثورة العارمة الهادمة الحارقة التي عمت ديارنا، لو كانت القيادة والتوجيه بايدي العقلاء منا. ولكن لسؤ الحظ فإن قيادة شوارعنا، او على الاقل المتشنج منها والهائج، قد اصبح في يد المتطرفين الذين لا يالون جهدا في اشعال الحرائق لكل سبب يرونه هم ويلا سبب في كثير من الاحيان. كما قلت انني لم احفظ اسم تلك الصحيفة حتي الان ومتاكد من ان الكثيرين مثلي لم يحفظوه بعد، وأيضاً متأكد من ان ان معظم ـ ان لم يكن كل ـ الذين صرخوا في المظاهرات لا يعرفون ذلك الاسم بل ومعظمهم ـ خاصة اصحاب الصوت العالي والتدمير ـ قد لا يعرفون ما هي الدنمارك ولا يعرفون موقعها على الخريطة. كان ضمن ما قرأته عن هذه الصحيفة هو انها صحيفة مغمورة ومجهولة وليس لها مكان على خريطة الاعلام. طبعاً بعد هذه الحادثة سترتفع اسهمها ويلعلع اسمها في الفضاء وسوف تكسب الملايين، وسيشتهر ذلك الذي نشر تلك الرسومات ويتحول الى شخصية عالمية، كل ذلك بفضل جهلنا وعنجهيتنا وغوغائيتنا التي جعلتنا نركب موجة المتطرفين، كما فعلنا قبل ذلك وانتجنا من كاتب لم يسمع به احد، انتجنا منه علامة بارزة في عالم الكتب واكسبناه الملايين بفضل هياجنا تجاه اياته الشيطانية التي لم يكن احد قد سمع بها وكان يمكن ان تمر وتموت من دون ان يسمع بها او بكاتيها احد لو لا هياجنا الذي رفعها الى عنان السماء، كما ان هذه الرسومات كان يمكن ان تمر كعمل هايف وبائخ لا يلتفت اليه احد لو لا صراخنا وعويلنا. وناشر تلك الرسومات، إما انه من السذج الجهلاء الذين لا يعرفون مغبة ما يفعلون، وتكون هذه مصيبته، او انه من المتعصبين الخبثاء الذين يريدون اظهار رعونتنا وغوغائيتنا، نحن كمسلمين، وفي هذه الحالة تكون مصيبتنا نحن اكبر، فقد تمكن الرجل من اثبات هذه الحقيقة للداني والبعيد، ولا فرق اذا كان يقصد او لا يقصد، فقد تعودنا تشويه انفسنا بايدينا ورعونة سلوكنا.

كاتب سوداني