انقضت ثلاث سنوات على حرب quot;التحريرquot; في العراق، لكن البلاد تسير في اتجاه أشبه ما يكون بالوضع في لبنان، وفي المقابل، فإن مشروع الدمقرطة الذي يدعيه الغزو الأميركي قد أرسل إشارات تبعث على الأمل، رغم أنه وهو في مراحله الأولى، لايزال غير قادر على تجاوز التوترات القبلية التي تزداد تشنجا يوما بعد يوم.
لقد تبين أن تخمينات المحافظين الجدد في واشنطن قد خطأت الهدف المنشود، إذ أنهم توقعوا أن لا يختلف مصير الطغاة في المنطقة عن ما آل إليه حال صدام حسين، إلا أن سوء التخطيط لفترة ما بعد الحرب بالإضافة إلى السياسة الاستعمارية الفاشلة كانا سببين مباشرين لضياع العديد من أرواح المدنيين العراقيين.
لقد شنت الحرب على العراق بداعي ضرورة مواجهة quot;تهديد خطير ووشيكquot;، وهو ادعاء خاطىء بطبيعة الحال، حيث لم يكن هناك وجود لأي تهديد على الإطلاق
أما الآن، فلاشك في أن العراق يشكل مسرحا لعدم الاستقرار، وهو وضع يهدد البلاد بأكملها ويمثل خطرا على الجيران في المنطقة، والأدهى من ذلك أن العراق أضحى معقلا لنشطاء القاعدة.
ففي السنة الماضية، وعلى بعد أيام قليلة من الذكرى الثانية للحرب أشار بورتر غروس، مدير وكالة الاستخبارات الأميركية، أمام لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ أن quot;الإسلاميين المتطرفين يستغلون الوضع في العراق لاستقطاب أعداد أخرى من المجاهدين المعادين للولايات المتحدةquot;لم يتغير شيء منذ ذلك الوقت.
ففي واقع الأمر، شكلت هجمات الشهر الماضي على المسجد الشيعي بسامراء عاملا أساسيا أدخل البلاد في حالة اضطراب مدني خطير، إن لم نقل حربا أهلية، وجاء رد الولايات المتحدة يوم الخميس حينما أطلقت غارة جوية خارج سامراء استهدفت خلايا المتمردين ومخازن الأسلحة، وقد بلغ عدد الجنود المشاركين في العملية 1500 ، في حين وصل العدد إلى 3500 في عملية الأنبار قبل سنة.
فعلى غرار عملية الأنبار، أشركت عملية الشهر المنصرم الجيش الأميركي والعراقي، لكن العمليتين تختلفان في كون بوش هذه المرة لم يتوان عن إظهار الجنود العراقيين على قلتهم ورغم نقص تجربتهم.
لماذا؟لأن الجيش الأميركي يجهز نفسه للعودة إلى دياره ابتداء من الصيف المقبل، حيث سيواجه بوش أصعب امتحان في شهر نونبر، موعد الانتخابات البرلمانية
يتفادى البيت الأبيض الإفصاح عن أي تاريخ محدد أو برنامج معين، لكن من المؤكد أن ما لا يقل عن مائة ألف جندي سيبقون في الميدان أثناء فترة الانتخابات، وهو ما يشكل استقرارا سيكولوجيا مهما بالنسبة لبوش، الذيم من المتوقع أن يحصل على المزيد من الدعم .
وفي الوقت الذي تنوي فيه وزارة الدفاع، البانتاغون، خفض عدد الجنود في العراق، يبدو أن البيت الأبيض يفضل دعمه الغامض لأهداف الحرب.
في الأسبوع الماضي، قال الرئيس بوش، أمام الحشد المجتمع بمناسبة خطاب الوقف القومي للديموقراطية، إن الديموقراطية العراقية ستنجح وأن خبر النجاح هذا ستتناقله العواصم في المنطقة، من دمشق إلى طهران، وأنه بإمكان الحرية أن تكون هي المستقبل في كل البقاعquot; .
لكن هذا المستقبل سيأتي على حساب الدماء العراقية وليس دماء الأميركيين
يبدو أن بوش لا يهتم لارتداد بعض المحافظين الجدد، أمثال ويليام باكلي وفرانسيسي فوكوياما، الذين كانوا من دعاة الحرب ذات مرة.
إن مشكلته الحقيقية تكمن في كون الملايين الأميركيين خاب أملهم في قيادته
فحسب استقراء الرأي أنجزته مجلة وال ستريت دجورنال وشبكة إن بي سي للأخبار، تبين، أن شعبيته قد بلغت 37٪ .
قبل سنة، كانت الأرقام تدل على تراجع شعبيته، رغم أن ذلك لم يكن يبعث على القلق
لكن اليوم، ليس ثمة مجال للخطإ بالنسبة لبوش، خاصة وأنه يصعب التنبؤ بمصير الانتخابات البرلمانية.
لقد أظهرت أزمة الموانىء التي اثارها الجمهوريون داخل مجلس النواب الأميركي، أن قيادة بوش أصبحت على كف عفريت.
وفي محاولة لإعادة فرض سيطرته، قام البيت الأبيض بإطلاق استراتيجية الأمن القومي، وهي صورة طبق الأصل لوثيقة أصدرت سنة 2002 حينما جاب بوش بقاع العالم ليدعو الدول إلى الانخراط في الحرب على العراق، لكن استراتيجية الأمن القومي لهذه السنة صيغت في قالب جديد مع بعض التركيز على إيران.
وخلاصة القول، فإن بوش يعلم جيدا ما يتعين عليه فعله، إذ لن ينال تضامن الناخبين إلا إذا عاد الجنود الأميركيون أدراجهم.
ولضمان تلك العملية دون إعادة صور الانسحاب من الفيتنام إلى أذهان الأميركيين، تجد واشنطن نفسا أمام خيارات صعبة ويبقى الهاجس الأكبر هو إقحام إيران في العراق دون إقحامها في برنامجها النووي.
قد يحاول ستيفن هادلي، مستشار بوش بشأن الأمن القومي، التقليل من أهمية المفاوضات بين واشنطن وطهران، إلا أن الكلل من أعباء الحرب ينعش الآمال في قدرة الديبلوماسية على تحقيق أهداف بوش خلال فترته الرئاسية الثانية فتواجد كوندوليزا رايس على رأس الخارجية ليس من باب الصدفة.
وتحافظ استراتيجية الأمن القومي على مبدإ الاستباقية، الذي كان ذريعة لتبرير الحرب على العراق.
لكنها في الوقت نفسه تركز على الديبلوماسية كفاعل أساسي في الصراع المستمر بشأن الطموحات النووية لطهران من الممكن أن يؤدي إصرار بوش على التركيز على الملف الإيراني إلى إثارة حفيظة الناخبين الأميركيين الذين سئموا من مغامراته العسكرية في الحروب، خاصة وان انشغالات الشعب الأميركي ترتكز على قضايا أقرب إلى الشأن المحلي، من قبيل التغطية الصحية والتعليم والشغل.
في هذه الحالة، يجد بوش نفسه أمام وضع حرج خلال الفترة الممتدة بين الآن وشهر نونبر المقبل، إذ عليه أن يخرج quot;فائزاquot; من الحرب في العراق هذا أمر مضحك بطبيعة الحال، لكن فريقا من الخبراء في العلاقات العامة بإمكانه أن يتكفل بستر عيوبه حتى شهر دجنبر، ومما لاشك فيه أن هناك فريق يعتكف في مكان ما في شارع بينسلفانيا قصد وضع اللبنات الأساسية لاستراتيجية الأمن القومي quot;مهمة ناجحة مرة أخرىquot;.
*خبيرة في العلاقات العربية الاميركية - ترجمة: فهد شفيق
نص المقال بالانكليزية موجود على الموقع: www.moroccotimes.com
التعليقات