في عز موسم تألق شعارات الثورة الإيرانية أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، وخلال المراحل الحاسمة من الحرب العراقية/ الإيرانية وبالتحديد عام 1982 الذي شهد نصفه الأول تقدما عسكريا إيرانيا سريعا وإنتصارات ستراتيجية في جبهات الحرب وإنكفاء الجيش العراقي صوب الحدود الدولية، برزت في الشارع الإيراني الساخن وقتها شعارات حماسية تعبر عن حالات الصراع الداخلي والخارجي المحتدمة في إيران وبشدة وقتئذ، وكان من أهمها وأبرزها شعار يقول :
laquo;خدايا.. تا إنقلاب مهدي.. خميني را نكهدارraquo;! أي
laquo;حتى ظهور المهدي... إحفظ لنا الخمينيquot;!!
أي أن الجناح الذي إنتصر في الصراع الداخلي والذي كان يقوده آية الله الراحل الخميني كان يحاول فرض أبعاد أبدية لذلك النصر من خلال التعلق بالموروث المذهبي من الروايات وتطويعها لصالح الصراعات السياسية والهيمنة على مراكز القرار، وليس هنالك ما هو أفضل لجلب إنتباه الطبقات الشعبية الفقيرة وهي الأغلبية الساحقة من حكاية الغيبة و (المهدي المنتظر) والتي ظلت الشغل الشاغل لفقهاء الفكر الشيعي الإمامي منذ القرن الرابع الهجري بعد وفاة الإمام (الحسن العسكري) وعدم وجود الوريث الواضح لأتباعه وفتح بوابة الخلاف حول الإمامة وهي قضية لا تعنينا في هذه المقالة، فكل حزب بما لديه فرح، وكل جماعة لها مواقفها ورأيها وحججها في مواقف الخلاف الفقهية، وهي خلافات لها بداية وليس لها نهاية، فالمهم في الموضوع في تطبيق ما تقدم على الحالة السياسية المستعصية في العراق هو الإصرار العجيب لرئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته السيد إبراهيم الأشيقر الجعفري على تحدي كل الأصوات والظروف المحلية والإقليمية والتمسك المرير بترشيح نفسه لولاية ثانية رغم عدم الرغبة الأميركية الواضحة لذلك الخيار والذي تفاوتت طريقة التعبير عنه حتى وصلت المعارضة الصريحة لأطراف الإئتلاف الشيعي ذاته!! ويبدو أن السيد الجعفري مصر على عدم (نزع القميص الذي ألبسته إياه العملية السياسية في دورها الأول)!! رغم فشل حكومته الواضح والمريع في إدارة العراق، وحيث سيسجل التاريخ العراقي المضطرب والمريض من أن تلك الحكومة هي أسوأ الحكومات في تاريخ العراق الحديث مع مراعاة الظروف العامة التي يمر بها العراق، خصوصا وأن تلك الحكومة قد وضعت البلد على طريق (الصوملة) والحرب الأهلية والطائفية، فما حصل ويحصل في العراق من إرخاء العنان للجماعات الطائفية وللجيوش التكفيرية لتمارس دورها الإرهابي في ترويع العراقيين وتقسيمهم على أسس طائفية هو أمر غير مسبوق، كما أن تحالف الجعفري مع غوغائيي التيار الصدري بكل ما يمثلوه من جهل وتخلف وروح عدوانية هو قضية لا تخدم على الإطلاق عملية المصالحة الوطنية أو البناء الدستوري وتكوين الدولة العراقية المتهدمة، والغريب أن الجعفري وهو يعاند العالم بأسره من أجل كرسي الرئاسة الأولى كان وحزبه من المعارضين المعلنين لعملية (حرية العراق)!! اللهم إلا إذا كانت المعارضة تلك نوع من أنواع (التقية)؟ وهي معادلة جديدة في العمل السياسي العراقي وترسخ لنوع جديد من التكتيك السياسي الخطر.؟
تصرفات السيد الجعفري وتجاهله للأصوات الأخرى، وعدم إستيعابه للموقف بشكل شامل إنما هو أمر يرسخ حالة الصراع بل ويساهم في تصعيدها نحو نهايات خطرة وغير مطلوبة إضافة لمخالفتها لمبدأ التضحية الوطنية، فخليفة الجعفري لن يكون من الخصوم بطبيعة الحال بل من نفس الإتجاه الفكري والسياسي وحتى المذهبي ؟ ولا معنى للتمسك بالكرسي الزائل وعرقلة وتعطيل العملية السياسية بأسرها من أجل مصالح إنتخابية أو أية قناعات أخرى، فأمام الكارثة المهولة والمتربصة بالعراق تهون كل التضحيات، ولا أعتقد أن الجعفري يملك وكالة عامة من (المهدي المنتظر) ليكون الرئيس الذي سيملأ العراق عدلا بعد أن ملئت ظلما وجورا؟ إنه في النهاية وحزبه وكافة الأحزاب العاملة في العراق اليوم يمثلون مرحلة رمادية ستنتهي لا محالة وسيدخل العراق في عهد وعقد جديد، فالتغيير الشامل الذي تم في العراق ليس للجعفري ولا لمجموعة الأحزاب الأخرى أدنى فضل في تحققه، بل إن الإرادة والفعل الأميركية وحدها هي من حسمت وخططت و نفذت كل شيء، ولا داعي لخداع النفس أو الإبحار في زوارق الأحلام الرومانسية... إبراهيم الجعفري في النهاية ليس المهدي المنتظر ولن يكون ؟ وهو يمثل مرحلة عابرة إلتهمت العديد من الرجال والكفاءات وستلتهم الكثير أيضا، فاللمستقبل رجاله القادمين بكل تأكيد؟، وعليه أن يعترف بأهمية الوطن العراقي وديمومة الحياة العراقية قبل أي ولاءات حزبية أو طائفية، والتاريخ لن يرحم المتخاذلين ولا المتسببين في ضياع شعوبهم وأوطانهم، والعراق سيبقى العراق بالجعفري أو بدونه... ولكم في مصير صدام البائد عبرة يا أولي الألباب ؟.. ولكن كما قال إمام المتقين الإمام علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه)..raquo;ما أكثر العبر وما أقل الإعتبار}... أو كما قال رضوان الله عليه : laquo;إن دنياكم عندي كعفطة عنز)!!... أما لسان حال إبراهيم الجعفري فهو يقول وبالعراقية الدارجة:
laquo;لو ألعب.. لو أخرب الملعبraquo;!!.
التعليقات