كنا نتوقع من طرفي السلطة الوطنية الفلسطينية بعد فوز منظمة حماس بالانتخابات التشريعية في منتصف يناير الماضي وقيامها بتشكيل حكومة حظيت بموافقة المجلس النيابي، وأعني بذلك رئيس السلطة ورئيس الوزراء، أن يعملا على معا إظهار وحدة القرار السيادي الفلسطيني الذي يجب أن يكون فوق كل خلاف بينهما من منطلق أنهما يعملان معا في تناغم quot; نضالي تحريري سياسي quot; كخادمين لشعبيهما قبل أن يكونا منتميين إلى منظمتين تحريريتين بينهما خلاف او عدم توافق..
كنا نتوقع أن يقرءا الأجندة الإسرائيلية بتعمق من يدرك مسئولية المنصب الذي يتولاه في منظومة خدمة أهداف الشعب الفلسطيني قبل أن يختلفا حول من منهما بيده السلطة الدستورية التي تمنحه وحده حق تشكيل قوات أمنية تابعة لوزارة الداخلية وتعيين جمال أبو سمهدانة مراقبا عاما للوزارة.. كان يجب التنسيق بين مؤسسة الرئاسة ورئاسة الوزراء في ضوء القوانين التي ادعى الطرفان، الذي اتخذ قرار التعيين والذي استخدم حقه في إلغائه، انه استند إليه عندما اتخذ قراره..
من بين هذه القراءات القرار الذي اتخذته الحكومة الإسرائيلية يوم 9 ابريل الحالي بقطع كافة اتصالاتها المباشرة مع ما تعتبره quot;كيانا معاديا يستلزم عدم التمييز بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس والحكومة الفلسطينية برئاسة إسماعيل هنيةquot; بإعتبارهما سلطة واحدة ذات رأسين.. كما قررت الحكومة أيضا quot;رفض استقبال مسئولين أجانب عقدوا مقابلات مع مسئولين في الحكومة الفلسطينيةquot;..
من بين هذه القراءات ما كتبه سيفر بلوتسكر فى نفس اليوم فى صحيفة يديعوت احرونوت قائلا quot;كلما سارعت إسرائيل والمجموعة الدولية في العمل وبجدية وإصرار كبيرين بهدف تقويض حكومة حماس وعدم تمكينها من رفع رأسها للعمل، فسيكون خيرا للجميع، لأن ذلك لا يمثل مصلحة فقط لإسرائيل وإنما هي مصلحة شرق أوسطية شاملة وعالمية quot;.. هكذا وبدون مواربة أصبح تركيع الحكومة الفلسطينية المنتخبة ديموقراطيا هدفا عالميا، وبالرغم من وضوح المعنى والمبنى يقتتل الرأسان الفلسطينيان ويرفع أخوة التحرير السلاح لقتل بعضهم البعض.. وهل تريد إسرائيل أكثر من ذلك ؟؟..
ومن بين هذه القراءات أيضا الأقوال التي نقلها عاموس هرئيل على لسان الجنرال جادى ايزنكوت قائد قسم العمليات في هيئة الأركان الإسرائيلية ونشرها يوم 14 من نفس الشهر بصحيفة هآرتس مطلبا حكومة حماس بالعمل على استقرار الأمور وهدوئها في القطاع والضفة quot; قبل أن تحث العالم على مطالبة إسرائيل بالكف عن قذف الأماكن التي تطلق صواريخها تجاه المستوطنات quot; مهددا بالقيام بمواجهة شاملة معها قد تعيد احتلال القطاع مرة أخرى، دون أن يثير ذلك حساسية ما لدى أى طرف من الأطراف ذات الاهتمام بالملف الفلسطيني quot;..
الملاسنات وتبادل التهديدات تفتح الباب لمصادمات مسلحة وقع بعضها دون أن ينجم عنه قتلى، ولكن هذه الاحتمالات واردة.. العمل على مستوى السلطة من خلال حكومتين متوازيتين تلغى كل منهما قرارات الأخرى ليس في مصلحة قضية الشعب الفلسطيني التحريرية، ولكنه يصب في مصلحة العدو المشترك للرأسين.. رفض الرئيس محمود عباس لحق حكومة إسماعيل هنية ممارسة سلطاتها التنفيذية بدلا عن التنسيق معها، أمر غير مفهوم وهو الذي عانى اشد المعاناة عندما حرمه الرئيس ياسر عرفات من سلطاته الأمنية عندما تولى منصب أول رئيس للوزارة الفلسطينية..
التخوين والتهديد بنشر الفضائح لا يخدم القضية الفلسطينية في الوقت الراهن.. التذكير بصغر سن بعض القادة وقلة خبرتهم ليس معيارا للحكم على صوابية تكتيكاتهم أو أهدافهم الاستراتيجية.. تحميل كل طرف للآخر مسئولية الانفلات الأمني والتقصير في العمل على حل المعضلات الحياتية التي يعانى منها الشعب الفلسطيني وتوقف الإمدادات والمعونات الدولية لا يخطو بمشاكل العمل النضالي التحريري إلى الأمام..
إسرائيل لن تستثنى احد من مخطط الاغتيالات الذي تقوم بتنفيذه منذ سنوات، وقد أعاد تأكيد هذه الحقيقة التي لا خلاف عليها مسئولون ووزراء إسرائيليون بدءوا يروجون لاعتبار جمال أبو سمهدانة إرهابيا إما تمهيدا لتصفيته جسديا أو للقبض عليه حيا ومحاكمته كما حوكم مروان البرغوثي من قبل.. بل إن دانى ياتوم عضو الكنيست الحالي والذي كان رئيسا لجهاز الشباك أوضح في لقاء مع الإذاعة الإسرائيلية أن كل وزراء حماس غير محصنين ضد الاغتيال quot;..
يقول بن كاسبيت في مقال له بصحيفة معاريف يوم 22 ابريل الجاري quot; لقد وصل التوتر بين الطرفين ( عباس وهنية ) إلى أعلى مستوى فكلاهما يقف بالمرصاد فى مواجهة الآخر ومؤشر العداء بينهما يتصاعد بما يهدد باندلاع الحرب الأهلية في أية لحظة quot;.. ويشرح موقف الحكومة الإسرائيلية من هذه المسألة قائلا quot; هناك من يرى ndash; مثل الجنرال دان حلوتس رئيس هيئة الأركان - أن الوقت مناسب الآن لإسقاط حكومة حماس بدلا من انتظار الظرف الداخلي الذي يؤدى إلى هذه الخطوة، وقبل أن تتكون لها مزيد من الأنياب والأظافر.. وهناك من يرى ndash; مثل ايهود اولمرت ومعه الوزيرة تسيبى ndash; أن التركيز على المصالح الأوربية واتفاقات التعاون الدولي والشرعية الدولية لخدمة المصالح الإسرائيلية كفيل بان يقوم بهذه المهمة بحد أدنى من التكلفة على تل أبيب quot;..
ومن أجل مراعاة المصالح الإسرائيلية هذه بدأ منسقوا العلاقات بين المناطق في تنفيذ خطة جهنمية تبعد شبح المجاعة عن الشعب الفلسطيني ولكنها تبقيه جائعا ومحتاجا على الدوام، وذلك من خلال تمرير الحد الأدنى من احتياجاته المعيشية من الطحين والحليب والزيت والسكر والوقود والكهرباء والمياه، وذلك عن طريق بمراجعتهم اليومية لمقدار مخزونها وحجم استهلاك أفراده منها.. تلافيا وليس حرصا لتفاقم الأوضاع الإنسانية إلى المستوى الذي يقلب الموقف الغربي من مؤيد لسياساتها ضد حكومة حماس إلى مطالب بالتنازل عن بعض متطلباتها لصالح حل بعضا من هذه التفاقمات..
فى مواجهة هذه التكتيكات الإسرائيلية لا ينفع أن يقود العمل النضالي التحريري الفلسطيني رأسان مختلفان ومتصارعان، لكن ينفع معه التنسيق والتخطيط وتوزيع الأدوار.. لأن البديل هو المزيد من تدهور الأوضاع التي لم يبق معها شئ قابل للضياع!!..

استشارى اعلامى مقيم فى بريطانيا