قال الرئيس الإيراني نجاد مخاطباً أمير قطر في طهران بعد أن وصف سموه الخليج (بالعربي): (الخليج هو الخليج الفارسي وليس العربي وإن حضرة الأمير سيعرف ذلك إذا ذهب إلى المدرسة (!) حيث سيجد في خرائط المدارس أن الخليج هو الفارسي وليس العربي).
كانت هذه مداخلة (انتفاضية) من الرئيس الإيراني موجّهة إلى أمير قطر حمد بن ثاني، والذي زار إيران منتدباً نفسه (كوسيط) بينها وبين الدول الغربية حول أزمة تخصيب اليورانيوم.
نجاد بهذه الانتفاضة كان يريد أن يضع أمير قطر في حجمه الطبيعي في المنظور الإيراني. وله ndash; بصراحة ndash; الحق في ذلك، فالذي يضع نفسه في مقام غير مقامه، ويقوم بدور أكبر من حجمه، لا بد وأن يجد من التقريع و(التلفيخ) ما وجده أمير قطر.
الأمير القطري عندما قاطعه نجاد ارتجّ عليه القول، وتلعثم، و لم تسعفه بديهته التي ظهرت بمنتهى البطء والعجز، ولم يجد ما يقول تعليقاً على (الانتفاضة) النجادية العصماء.. ركب طائرته، وانقلب على عقبيه عائداً إلى الدوحة، وكلف ndash; كما يقولون ndash; وزير خارجيته، الأكثر دهاء وفطنه وسرعة بديهة من سموه، بالتعامل مع الإهانة النجادية للذات الأميرية القطرية بالشكل الذي يراه مناسباً.
المهم في الموضوع، وكنتيجة لإصرار نجاد على أن الخليج فارسي، وليس عربياً، وضع (العروبيين) وثقافتهم في مأزق.
فالأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى ndash; مثلاً - سبق و أن اعترض على نقد (إخوانه الخلايجه) كما وصفهم، لتخصيب اليورانيوم في إيران، وقال: كان أن يجب يوجه النقد الخليجي إلى إسرائيل وليس لإيران!. ونسي الدبلوماسي العروبي العريق أن أرضاَ (عربية) تحتلها إيران هي الجزر الأمارتية الثلاث، وأن الاحتلال هو الاحتلال، سواء أتى من إسرائيل أو من إيران. غير أن العروبيين لا يهمهم إلا دول (المركز)، وليس دول (الأطراف)، كما يصفون الدول الخليجية. ولأن إيران حليفة استراتيجية لدول المركز، سوريا الأسد الصغير، ولبنان حزب الله، وحماس (فلسطين)، كان لا بد للأمين العام (الداهية)، أن يضع الأمور في نصابها (العروبي) الصحيح، وأن يتعامل بذكاء، مُقدماً الحلف العروبي الإيراني، على الاحتلال الإيراني لأراض إماراتية!.. ويُعلق أحد الخبثاء بلسان عمرو موسى قائلاً: (ما هي كم جزيره، لا بتودّي ولا بتجيب)!.
كما ورط نفس الورطة (الديناصورات) العروبية التي هي الآن على وشك الانقراض، والتي مازالت تجد في أضغاث الحلم (العروبي) متنفساً لها، ولإفلاسها، ومهرباً من مواجهة واقعها المخزي. العروبيون المفلسون كانوا قد وجدوا في عنتريات نجاد، وتصريحاته، وعدائه لأمريكا وإسرائيل، إحياءً (لعنتريات) العروبيين، ابتداء من عبدالناصر، الذي كان سيلقي بإسرائيل في البحر، فأضاع سيناء، وكادت أن تلحقها القاهرة، وربما السودان.. وانتهاء بالرئيس (المخلوع) صدام حسين، الذي هو رهن المحاكمة الآن، والذي هدد إسرائيل بالكيماوي الانشطاري كما سماه، وانتهى به الأمر إلى (جحر) في الصحراء العراقية، ثم في سجن ينتظر مصيره المحتوم كأي مجرم!
نجاد ndash; بطل العروبيين والإسلامويين المستعار ndash; عندما أتى الجد، لم يُفكر في صورته (الوردية) عند عروبيي الأردن، ولم يأبه بشعارات الحليف (السوري) العروبية، ولم تهمه مشاعر (خادمه) المطيع حسن نصر الله في لبنان، ولم يتذكر أن سياسيي (حماس) الفلسطينية بدؤوا جولاتهم بزيارة ضريح الخميني قبل أن يزوروا بيت الله العتيق.. انقلب نجاد إلى (القومية) الإيرانية، ورفع شعار (فارس والفرس أولاً)، وتحولت الجمهورية الإيرانية إلى الفارسية بدلاً من الإسلامية. واتضح أن كل الشعارات التي رفعتها ثورة الخميني في إيران تخفي وراءها وجهاً (شعوبياً) مُغرقاً في العنصرية، ومُلغياً لأممية الإسلام التي كانوا عليها يزايدون.
غير أن من الظلم حقيقة، أن (يتلقى) هذه الصفعة الفارسية الموجعة (شيخ) أصغر دولة (عروبية).. حرام !