أتذكرون العسة في دوره القديم عندما كان يجول الازقة ويصيح : من هناك؟
وهو يعرف أن صوته لن يمنع اللصوص من سرقة البيوت النائم أهلها ؟
لقد استيقظ الناس على سرقة جيوبهم.
الناس في حالة يرثى لها،والحالة التي هم فيها تثير الفزع لكون الحياة غدت مكلفة للغاية،ولكي يتناغم الفرد مع هذا الغلاء المعيشي الحاد فهو يطرق كل الطرق بحثا عن منفذ لضائقته المالية،ومع انفتاح سوق الأسهم ظن الجميع أن هذا الطريق هو المنفذ الذي سيخلق التوازنات الاقتصادية في حياته،وتحول الجميع الى مساهمين،وغدت حياته (طالعة نازلة) مع مؤشر السوق،ودفن حياته بين اللونين (الأخضر والأحمر) كيافطتين اختصر حياته فيهما،ولم يعد يدرك أو يميز سوى مفردتين (طالع ونازل)، وفي هذا السياق استقبل أحد المساهمين ( الغلابا ) تخفيض الوقود بقوله: لا حول ولا قوة الا بالله حتى البنزين نزل.!!
لم نعد ندرك في حياتنا سوى (الطالع والنازل كما قلت)،وتحولت مفردات من أمثال : هبوط،نزول،سقوط ) إلى إشارات محذرة تذهب بطمأنينتنا،ويقال أن الدعوات انحرفت في هذه الأيام وغدت على شاكلة : الله يجعل لوحتك خضراء وإذ غضب أحدنا من الأخر صاح به: الله يحمر حياتك.!
هذا الوضع أخطر بكثير من المقولات التي كانت ترى في ارتفاع السوق خسارة وطنية،فإذا كان المواطن توجه للسوق عازفا عن بقية مناشط الحياة،فالآن انكسر المواطن انكسارا يفوق خشية المنظرين بأهمية الاقتصاد الوطني..الكل الآن يجلس على حافة الفقر وخاصة الطبقة الوسطى التي ألقت بثقلها المالي في هذا السوق وتعرت تماما من خلال الخسائر الفادحة والمتتابعة لرؤوس أموالهم.
وأثر هذا الانكسار أن الجميع دخل خانة المديونية (المديونية العالية )،ولم يعد أمامنا سوى البحث عن ما يعوضنا خسائرنا المالية التي تآكلت في هذا السوق من غير أن تجدي كل التدخلات،وبات المواطن أكثر عوزا مما مضى..وأخذ البعض يتساءل : إذ كنا نعيش في وضع اقتصادي مرتفع ويتردد أننا نعيش في طفرة اقتصادية تفوق الطفرة السابقة،إذ كان هذا هو الوضع فكيف للمواطن أن يستفيد من هذه الطفرة.؟
أعود وأقول ان السوق كان فخا لتنظيف جيوب العباد وادخالهم في العوز طويل المدى،خاصة من قبل البنوك التي فتحت خزائنها للديون الطويلة والتي تستمر لعشر سنوات،ومضغت هذه الديون وتركتنا مسجلين لديها كدائنين تلتهمنا على مهل من خلال اجتزاء دخولنا على مدار العشر سنوات..والدليل على ذلك ما اعلنته هذه البنوك عن ارباحها في ربع العام الحالي وهي ارباح فاقت ارباح عام 2003 كاملا..لم تسرقنا البنوك منفردة بل تجمعت كل الغيلان والسعالي وانفردت بنا داخل أزقة السوق الملتوية (وهات يضرب..وفين يوجعك )..ألا تسمعوا كل هذا الصراخ.؟
ولازال رجال العسة يصيحون : من هناك.؟
[email protected]
التعليقات