... اخيرا، دخلت ايران نادى الدول النووية، وأصبحت ndash; على حد قولها ndash; الدولة الثامنة التى تملك التقنية النووية بعد أميركا وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين والهند وباكستان، بل التاسعة بعد أسرائيل. وبدخول ايران النادى النووى، تصبح تقنيط القنبلة النووية، ويا للمقارنة، مقسمة طائفيا على النحو الاتى : ثلاث قنابل مسيحية علمانية فى يد : أميركا وبريطانيا وفرنسا. وقنبلتان أسلاميتان واحدة سنية فى يد باكستان وواحدة شيعية فى يد ايران. وقنبلة شيوعيه فى يد : الصين، وقنبله من أصل شيوعى : فى روسيا . وقنبلة هندوسيه ndash; بوزيه ndash; براحمانيه فى يد الهند، وقنبله يهوديه فى يد أسرائيل.
لكن الامر النووى لا يسير كما تشتهى الدول والطوائف.
وايران النووية، موضوع شائك ومعقد، وفى غاية الخطورة.
. فهو لدى بعض العرب، سلاح اسلامى ndash; عربى فعّال، من شانه أذا أستخدمته ايران، أن يعيد للعرب حقوقا كثيرة حرمهم منها الغرب واسرائيل والقوة العسكرية خصوصا.
. وهو لدى بعض العرب الاخرين، سلاح فتاك لن يأتى للعرب بالخير، بل بما هو أبشع من الشر نفسه، لانه سلاح فارسى وله اطماع فارسيه، ولهذين الموقفين، وبسببهما، تبدو معالجة الشأن النووى الايرانى أمرا فى غاية الخطورة، على أننى أبادر الى القول بأن أحدا يؤكد بعد أن أيران ملكت، أو ستملك قريبا، القنبلة النووية.
واذا اعتمدنا المصدر الايرانى نفسه، فان ايران تصرّ على أنها لن تدخل الساحة النووية كى تصنع القنبلة، بل كى تصنع الكهرباء والخدمات التى يحتاج اليها الايرانيون، وهى مكلفه أذا توفرت خارج الطاقة النووية ورخيصة اذا وفرتها الطاقة النووية.
اما اذا اعتمدنا المصادر الغربية والاسرائيلية فانها جميعا تلمح الى ان ايران قد قطعت شوطا متقدما فى بناء القنبلة النووية. فاذا تم لها ذلك يصبح الامن والسلام الدوليان فى خطر كبير جدا. ولذلك يجب أن تتضافر الجهود الدولية السياسية والدبلوماسية لردع ايران فى صنع القنبلة، فاذا فشلت هذه الجهود تصبح العقوبات الدولية خيارا واردا .. فاذا فشل هذا ايضا تصبح الحرب على ايران أمرا لا مفر منه تماما كما حدث مع العراق عندما أتهمته أميركا بحيازة أسلحة فتاكة.
وأما أسرائيل فهى ndash; رغم علمها بالحقيقة ndash; لا تترك يوما الاّ وتحاول فيه أن تهدد وتتوعد ايران بضربة عسكرية كاسحة تزيل المفاعل النووى الايرانى عن الوجود، سواء كان سلميا أو عسكريا.
ومن الواضح أن هذا التحدى الاسرائيلى السافر، والترهيب الدولى المتواصل يؤديان ndash; حتما ومنطقيا ndash; الى ردة فعل ايرانيه عصبية، فتزيد ايران من تصريحاتها وتحدياتها، وتكرر نيتها فى بناء مفاعلها النووى واحيانا تلمح الى مفاجأة!! وهذا الاسلوب الغربى والاسرائيلى فى جرّ الطرف الاخر الى العصبية والخروج عن دائرة العقل والتعقل الى دائرة التحدى وفقدان الاعصاب، رايناه فى حرب العراق ndash; ايران فى مطلع الثمانينات. ورأيناه فى غزو الكويت فى مطلع التسعينات، ورأيناه فى غزو العراق سنة 2..3 . فقد كان الغرب حاذقا فى جر بعض الزعماء، وبعض الدول، وخصوصا فى عالمنا العربى الى ما يريده الغرب لا الى ما يريده الطرف العربى ولذلك سقط العرب فى فى فخ 1948 وفخ 1967 وفخ 1981 ( العراق ndash; ايران ) و 1991 ( غزو الكويت ) و 2..3 ( غزو العراق) وها هى طهران تتصرف مع الغرب وكانها ستخرج من اعصابها كما خرج العراق، والعرب فى جميع ما أصيبوا به من خسائر وحروب وكوارث .
على أن المشروع النووى الايرانى يثير فينا ndash; نحن العرب ndash; عددا من التساؤلات ويبعث فينا مخاوف لا يمكن تجاهلها خصوصا أذا تحركت الماكينه الايرانيه النوويه الى صنع القنبلة. وهذه المخاوف التى تساور العرب مبنيه على الحقائق الثابته الاتيه :

اولا : ليس خافيا على أحد فى الشرق والغرب، ان ايران دولة مهمة لدى العالم الغربى، وخصوصا لدى الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا والمانيا. فهى مهمة بالنسبة لموسكو لان الشعب الروسى ينحدر من قبائل ايرانية غزت روسيا كغيرها من القبائل، وهى مهمة لالمانيا لانها تنتمى الى العرق الارى، والالمان اريون. والاريون جزء من الشعوب الهندية ndash; الاوربية التى أستوطنت قبائلها قديما اّسيا الوسطى ثم انتشرت فى الهند واوربا. وكان هتلر ينادى بنقاء العرق الارى وتفوقه على العروق الاخرى، وقبل الثورة الاسلامية فى ايران، كان الشاه ايران يدعى أّر يامهر نسبة الى عرقه الارى.
وأما أهمية ايران لاميركا وبريطانيا فلاسباب نفطيه واستراتيجية. واما النفطيه فمعروفه. وأما الاستراتيجيه فهى ndash; بالنسبة لواشنطن خاصة ndash; أن ايران تشكل قوميه مذهبيه وأمه محصورة فى بقعة معروفه من الارض، وهذه الصفة لا توجد فى العالم العربى الذى ليس متفقا على انه أمة واحدة، او عرق واحد، او مذهب واحد كما هى الحال فى ايران. ومن هنا تبدو أيران ( فى نظر أميركا ) شوكة قاسيه فى خاطر الامه العربية.
ثانيا : فى الانتماء الى الدين الاسلامى، تشكل ايران ndash; بالنسبة لاميركا ndash; الفريق الشيعى غير المتجانس، بل المتصارع مع الفريق العربى السَنى لاسباب مذهبية ودينيه لا حصر لها. وبما أن السَنة العرب أصبحوا محصورين فى دول ومناطق خارج الصراع العسكرى مع أسرائيل، فان الشيعة أصبحوا يشكلون الاكثرية فى الدول المحيطة باسرائيل، ولان الحرب هى اّخر ما يمكن أن ينشأ بين أيران وأسرائيل، فان واشنطن تبدو مطمئنه الى هذا الامر، وكذلك اسرائيل لان الصراع العربى ndash; الاسرائيلى قائم على حق عربى أغتصبته اسرائيل فى حين ان ليس هناك أى صراع بين ايران واسرائيل سوى الصراع على السيطره على العالم العربى. فثملما تحتل اسرائيل فلسطين وجزءا من سوريا وجزءا من لبنان، كذلك تحتل ايران جزءا من أراضى دولة الامارات العربية المتحدة، ( الجزر الثلاث ) وتسيطر الان على جزء كبير من العراق عسكريا وديموغرافيا.
ثالثا : تشكل ايران وحلفاؤوها العرب فى الوقت الراهن، كتلة شيعية حاكمة فى أيران، وجنوب العراق ( على الاقل ) ومعظم أركان وقيادات العراق اليوم وفى سوريا ولبنان.
وليس خافيا على أحد أن بعض المرجعيات الشيعية فى العراق اليوم ( الحوزة ) ليست شيعية وحسب، بل هى من أصول ايرانيه وبعضها لا يزال يحمل الجنسيه الايرانيه اليوم.
وليس سرا أيضا أن معظم رجال الحكم السياسى فى العراق اليوم بمن فيهم رئيس الوزراء السابق هم من أصول شيعيه ايرانيه.
كما لم يعد سرّا أن اخراج الاكراد السنة من اللحمة العراقية الوطنية، ومطالبتهم بالفدرالية جعل الشيعة العراقيين أكثرية تميل الى ايران أكثر مما تميل الى العراق العربى المعرف.
رابعا : تبدو واشنطن غير مستاءة من سيطرة الشيعة العراقيين ndash; ومن ورائهم ايران على :
. الحكم والحكومة والجيش والامن
. والسوق المالى والتجارى، بعد هروب رأس المال العراقى ndash; ورجال الاعمال العراقيين من أصل عراقى.
خامسا : جرى فى العراق تقسيم جغرافى واثنى وعرقى لدى العراقيين السنه فقط وليس لدى الشيعه. وقد كانت واشنطن راضية عن هذا التقسيم، بل مشجعة له. فهناك اليوم :
. سلطة ذاتيه كرديه سنيه منفصلة تماما عن السنة العراقيين العرب.
. فى حين أن هناك سلطة شيعيه واحده سواء كانت عربيه أو ايرانيه، والحوزة نموزج واضح على هذا التفوق الشيعى فى الحكم.
وهذا التقسيم المدروس والمرتب، يضرّ بالفريق السنى ويدعم الفريق الشيعى لانه يحقق السيطرة الشعبية الكاملة على العراق.
سادسا : العراقيون العرب السنة وبعض الشيعة العرب كانوا وما زالوا ضد التدخل الاميركى فى العراق. وقد حمل بعضهم السلاح لمقاتلة المحتل الاميركى، فى حين أن العراقيين الشيعة أعتبروا الاحتلال الاميركى حبل نجاة من ظلم وتسلط صدام حسين. وهذا الموقف يرضى الاميركيين ويجعلهم حلفاء للاغلبية الشيعية وبالتالى يقّرب بينهم وبين طهران.
سابعا : يبدو للمراقبين العرب والاجانب أن ايران واسرائيل تتقاسمان معا هدفا واحدا هو السيطرة على ما بين النيل والفرات.
فمن الجانب الايرانى مثلا، لم يسمع العرب، وخصوصا عرب الخليج، ان النظام الايرانى يريد أن يسحب قواته التى تحتل الجزر الارمانيه والتى جرى الاستيلاء عليها بالقوة فى أيام الشاه الذى كنا نظن أن الثورة الاسلاميه جاءت لكى تصحح أخطاء حكمه أو لتتقارب مع جيرانه الخليجيين. بها
يضاف الى ذلك الى أن ايران التى تشجع شيعة العراق على أعلان الفدراليه والتجمع فى كانتونات مذهبيه، أنما تساهم مساهمة فعالة فى تشجيع الافراد العراقيين على وضع يشبه الانفصال التام عن الوطن الام وهو تشجيع يثير شكوك العرب عامه لانه يساهم فى تمزيق العراق من جهة وفى دفع أكراد العراق الى اقامة دولة سترى نفسها حتما فى مواجهة عسكرية مع تركيا.
وهذا يعنى أن ايران لا تمانع فى منح تركيا الاسباب الموجبة لضرب أكراد العراق الذين سيكون بين ضحلياهم أكراد ايران نفسها فتكون طهران قد ضربت أكرادها بالعصا التركيه من جهة .. وخفضت نسبة السنة العراقيين ndash; بع أخراج الاكراد ndash; فى داخل العراق لمصلحة الاكثرية الشيعية الحليفة لها.
ثامنا : أذا سلمنا جدلا بان ايران سوف تضرب أسرائيل بالقنبلة النووية بعد أن تصنعها، فالكارثة ستقع على العرب المحيطين باسرائيل كما على أسرائيل وأكثر.
أما اذا تمكنت اسرائيل من الرد النووى على ايران فسوف تذهب هذه القنابل بايران وبمن تبقى من العرب.
وينبغى ألا ننسى أن ايران نفسها واقعة تحت زناد خطير من الزلازل كثيرا ما زلزل الارض واسقط عشرات ألاف الضحايا. فاذا ndash; بسبب من الاسباب ndash; وقع زلزال ما بالقرب أو تحت مناطق المصانع النووية الايرانيه، فان الله وحده يعلم بما قد يحدث لايران وجيران ايران شمالا وجنوبا وشرقا وغربا.
ومن هنا، تبدو الحرب النووية، بل حتى الحرب التقليدية، شبه مستحيله بين أسرائيل وايران، ذلك أن ايران جاءت الى نصرة العرب والفلسطينيين بعد فوات الاوان . فالفلسطينيون اليوم يعقدون مع اسرائيل جملة أتفاقات سلميه أنهت حالة الحرب بينهما ولم يبقى سوى الاتفاقات السلمية. والعرب من جهتم، وافقوا فى معظمهم على ما وافق عليه الفلسطينيون لانهم لا يستطيعون أن يكونوا أشد رحمة بالبيت من أصحابه. ولذلك يبدو الكلام الايرانى الموجه ضد أسرائيل كلاما فى غير محله. تماما كما هى الحرب بينهما فى غير محلها وفى غير أوانها.
ومن هنا، يمكننا أن نفهم هذا الحوار الفاتر والغزل المبطن بين طهران وواشنطن الذى يبلغ مرحلة السخونة. فالهدف الاميركى ليس تطويع ايران بل تطويع العالم العربى المزود بحصانة قومية لا مثيل لها على سطح الارض، فاذا جرى تطويع العرب، فسوف تكون ايران أول المستفيدين واسرائيل أول المستفيدين أيضا.