نظمت مؤسسة المدى التي يرأسها الأستاذ والمناضل التقدمي فخري كريم مهرجان الربيع بمدينة اربيل، خلال الفترة 22 ndash; 28 ابريل الماضي، تحت شعار quot;ثقافة ديمقراطية... لعراق حرquot; بحضور مكثف من داخل العراق وعراقيي المهجر، إضافة لحضور هام من مختلف الدول العربية الأخرى (**). ووفر المهرجان فرصةً للمشاركين للتعرف على إقليم كردستان الآمن و المزدهر، الذي يعرف حركة تنموية ملحوظة في جميع المجلات .
إمتاز المهرجان بتنوع الأنشطة من ندوات ثقافية وعلمية ( تبحث في مسائل الديمقراطية، المرأة ، الأقليات ، الاقتصاد... ) وعروض سينمائية ومسرحية، ومعارض للكتاب والكاريكاتير والمأثورات الشعبية، بالإضافة للموسيقى والفلكلور. كما كان هناك تنوع في خلفية المشاركين وتكوينهم، بالإضافة إلى تجاربهم بحكم تواجدهم في دول مختلفة، مما أثرى الحوار، وهو ما يعكس التعددية الفكرية والسياسة في كردستان وعراق ما بعد صدام.
حظي المهرجان منذ البداية بدعم كبير من طرف السلطات الكردية، وبدا هذا واضحا من الحضور الشخصي لرئيس إقليم كردستان العراق مسعود برزاني لحفل الافتتاح وتنظيم لقاء خاص مع نخبة من المثقفين والإعلاميين العرب، ونفس الشيء مع الرئيس جلال طالباني الذي استقبلنا بدوره في منتجع دوكان على طريق السليمانية .
أكد الزعيمان على أهمية الحضور العربي في هذا المهرجان الذي كسر العزلة التي عاشها أكراد العراق بعيدا عن المحيط العربي نتيجة القمع والتهميش الذي تعرضوا له من طرف الحكومات القومية المتعصبة التي تداولت السلطة في بغداد خلال العقود الماضية وخاصة في عهد صدام البائد.
طالب الرئيس مسعود برزاني من الضيوف العرب العمل عند عودتهم كسفراء للإقليم بهدف quot; تصحيح الصورة المشوهة quot; التي عمل الإعلام العربي على تكريسها خلال العقود الماضية. واعتبر الرئيس جلال طلباني أهمية تواصل الإقليم مع المحيط العربي كأحد أهم العوامل التي تدعوا الأكراد لخيار الفيدرالية عوضا عن الانفصال وكل ما نرجوه هو أن يعيد الإعلام العربي النظر في الصورة المغلوطة عن الأكراد ومطالبهم القومية والثقافية التي تكامل مع مطالب التقدميين الديمقراطيين في العالم العربي في الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والأقليات والتنمية الشاملة التي هي بالنسبة للجميع قضية حياة أو موت.
أكدت فعاليات المهرجان العلاقات الطيبة بين المثقفين والفنانين العرب والأكراد في جميع المجالات، كما أكدت متابعة الكفاءات المهاجرة لما يحدث في أرض الوطن بدليل عديد الأفلام والكتب والأعمال الأخرى التي تم إنتاجها في الخارج والتي لاقت إقبالا كبيرا. كما مكن اللقاء مع الإخوة العراقيين القادمين من بغداد وباقي الأقاليم من التعرف على آرائهم في شتى المواضيع.
بالرغم من اختلاف الآراء بخصوص الوضع الأمني، يوجد إجماع على مناخ الحرية المتوفر حاليا حيث توجد أكثر من 80 صحيفة تمثل مختلف الاتجاهات. كما يوجد نفس الإجماع بخصوص اعتبار التمرد المسلح quot;إرهاباquot; والتنديد بفشل الحكومة السابقة في بغداد على هذا المستوى. كما يوجد تفاؤل حذر حول قدرة الحكومة الجديدة على تحقيق تقدم نحو الوحدة الوطنية وإشراك كل مكونات الطيف السياسي في حكومة وحدة وطنية حقيقية.
تمخض المهرجان على ولادة quot; المجلس الأعلى للثقافة quot; بهدف سد الفراغ المؤسساتي الحاصل حاليا، كما تم اعتماد مشروع quot;صندوق التنمية الثقافيةquot; لتقديم الدعم المادي للمثقفين والكتاب وإنشاء بيت الشعر.
بطبيعة الحال لا تخلو تظاهرة بهذا الحجم من السلبيات. هناك ضعف كبير في مشاركة المرأة بصفة عامة. حتى في الندوة التي خصصت لهذا الموضوع، كان حضورهن لا يتجاوز عدد أصابع اليد. وفي الطاولة الاقتصادية، كان هناك غياب كامل للخبرات العربية المتواجدة بالخارج، كما غاب عرض أهم قصص النجاح في تجارب الإصلاح الاقتصادي العالمية التي بإمكانها أن تعطي النموذج لما يمكن أن يقوم به العراق اليوم. مثل هذه السلبيات قد تكون طبيعية في بلد انغلق على نفسه منذ عقود ويكابد يوميا الإرهاب الأعمى المتدفق عليه كالجراد من دول الجوار -خاصة إيران و سوريا- التي تحولت إلى قاعدة خلفية لأفظع أنواع الإرهاب وحشية ضد المدنيين العراقيين الأبرياء. مثل هذه السلبيات يتوجب التنبه لها وتفاديها في المستقبل. و أملنا أن تتضافر المؤشرات على أن يكون عراق الغد دولة دولة حرة و نموذجية في الشرق الأوسط، وان يكون إقليم كردستان الغد منارة لتحرير الأقليات المظلومة و المقموعة في العالم العربي.
- المقال القادم : نهضة تنموية في كردستان العراق.
(*) بريد الكتروني : [email protected]
(**) لمزيد المعلومات يمكن الرجوع لموقع صحيفة المدى على الانترنت (www.Almadapaper.com ).
التعليقات