تقول الأخبار أن بوش صالح ليبيا، وأعاد العلاقات الدبلوماسية مع جماهيرية القذافي، وشطب اسمها من قائمة الدول الداعمة للإرهاب، وكأن شيء لم يكن، وتنكر للشعب الليبي المغلوب على أمره، مفضلاً التعامل مع النظام القائم على أن يتعامل مع حكام جُدد مجهولين، فيكون ndash; ربما - كالذي يهرب من الرمضاء فيقع في الجحيم، كما هي تجربتهم في العراق.
ليبيا - على ما يبدو - تستعد للقيام بمهمة (أمريكية) جديدة، مؤداها أن تضطلع بدور (الشرطي) الأمريكي في أفريقيا. فلديها من المال، ولديها من العلاقات، ولديها من النفوذ و المعلومات الاستخباراتية في أفريقيا السوداء، ما يجعلها بالفعل مؤهلة تماماً للقيام بهذا الدور، وخدمة الولايات المتحدة، مقابل (فقط) أن يكف الأمريكيون عن زعزعة النظام الليبي الحاكم.
سيف الدين القذافي، ابن العقيد، وخليفته المنتظر، هو الذي عمل بكل قوة ومهارة لتنفيذ هذه الصفقة مع الأمريكيين، وإنقاذ نظام والده من مصير مشابه لمصير صدام.
ويبدو أن القذافي الإبن تعلم من تجربة والده جيداً، ومن توجهه العروبي الثوري، وقرأ أخطاءه بتمعن، فقلبَ ظهر المجن للإيديولوجيات، والثورية، والقومية، وكل (خراط) والده، واتجه إلى الغرب (رأساً) وبدون توقف رافعاً راية الاستسلام، ومبدياً استعداده لأن يقوم بالمهمة التي يريدون، وكيفما يريدون، مقابل (فقط) أن يبقى نظام والده قائماً. أما بقية (التكاليف)، وبالذات المالية منها، فستتحملها ليبيا بكل كرم وسرور!
طلبوا منه أن يدفع لتصفية قضية ضحايا لوكربي - أولاً - فأذعن، ودفع كل المستحقات كما طلبوا عداً ونقداً وفي الحال.. طلبوا منه أن يتخلى عن كل طموحات والده (المجنونة) في تملك أسلحة الدمار الشامل، ففتح لهم ليبيا على مصراعيها، وصاح بهم : (هيتَ لكم)، فتشوا كما يحلوا لكم، وسلمهم كل وثائق هذه الصناعة، و وفّـر لهم معلومات عن الذين عملوا مع والده في مشروعه، والذين أمدوا ليبيا بأي جهود علمية وخبرات في هذا المضمار.. طلبوا منه أن يكف والده عن دعم الحركات الثورية في العالم، فوافق، وسلمهم الملفات، وفوق الملفات أبدا لهم استعداده أن يقلب التوجه 100% ويعمل معهم ضد كل الحركات الثورية التحررية التي كان يدعمها (الوالد العود).
أما إسرائيل، وتوجه السياسة الأمريكية في المنطقة، فوعدهم أنه سيعمل بالتناغم مع الأمريكيين والإسرائيليين معاً، وسيكون مع الإسرائيليين بالذات (سمن على عسل)، داعماً عملية السلام بكل ما أوتي من قوة.
وذراً للرماد في العيون، سيقوم القذافي (الإبن) بإجراء بعض الديكورات الديمقراطية على النظام الداخلي في ليبيا، كي لا يُحرج الحلفاء الجدد!
سال لعاب بوش، واعتبر أن هذا العرض فرصة تاريخية لا تتكرر، فلماذا لا يقطف ثمارها؟.
الأمريكيون تعلموا كثيراً من غلطتهم في العراق، فليس بالضرورة أن إسقاط الأنظمة القمعية، ذات التاريخ الدموي، كنظام القذافي وصدام، ستكون نتيجته في مصلحة الولايات المتحدة. فالمنطقة، وثقافة المنطقة، موبوءة حتى النخاع بالأيديولوجيات المناهضة لأمريكا، وإسقاط هذه النظم الشمولية يعني أن القادم أو النظام البديل سيكون - ربما - أسوء كما حصل في العراق. فلماذا إذاً يخاطرون بالتغيير؟
أما الأجندة الشخصية لسيف الدين القذافي فقد كانت، إضافة إلى بقاء الأسرة القذافية في السلطة، تكمن في (ضمانه) بهذا التحالف لمباركة البيت الأبيض ودعمه له في خلافة والده.
ويقول المطلعون أن الوالد (العود) القابع في (خيمته)، يتأمل، ويفكر، لديهِ مشروع فكري جديد، بديلاً لمشروع (الكتاب الأخضر)، الذي انتهت صلاحيته بدخول ليبيا الحقبة الأمريكية، وأنه مازال محتاراً ماذا يسميه، وإن كانت كل الاقتراحات ترشح عنوان : (الكتاب البرتقالي) اقتداء بالأوكرانيين، كي يثبت للأمريكان أنه يتطور ويتابع، وأنه الآن نصير (لثورية اقتصاد السوق)!.. غير أن القذافي بعد نفوذ ابنه، وتمكنه، ودعم أمريكا غير المحدود له، وقدرته على إنقاذ نظام والده من الغول الأمريكي المتوثب، تساوره بعض المخاوف من أن يفعل به الإبن المنقذ ما فعله أمير قطر الحالي في والده وينقلب عليه. سيما وأن الساسة عند بني يعرب (بنت كلب)، خاصة عندما قرأ الأبناء مؤخراً كتاب ميكافيلي : (الأمير). كما أن طموح الأبناء، والرغبة الجارفة في الحكم متشابهتان بين الابنين، و(عشق إسرائيل) الذي يشتركان فيه، سيكون بمثابة (القوة السحرية) الدافعة التي ربما تمرر (انقلاب) الابن المتعطش للسلطة، مثلما كانت السبب الدافع الذي جعل الأمريكيين (يمررون) الانقلاب القطري الذي حصل داخل القصر في الدوحة، ويفوزون بقاعدة (العديد) كثمن. والسؤال: هل يعيد التاريخ نفسه؟
هذه هي (الحدوته) باختصار.
الجدير بالذكر أن جمال مبارك، ابن حسني مبارك، حل في واشنطن مؤخراً في زيارة سرية كما تقول إيلاف. الهدف ndash; ربما - من الزيارة أن يعرض على الأمريكيين عرضاً شبيهاً بعرض القذافي الابن، فقد أزعجتهم (كفاية)، و(الأخوان)، وعلاقاتهما بالأمريكيين، وجعلتهم يفكرون بمستقبل (الأسرة المباركية) جيداً، قبل أن يسبق (الموت) العذل، ويتورط (جمال) كما تورط (بشار الأسد) حينما خطف الموت والده حافظ الأسد على حين غرة، والعاقل من احتاط للمستقبل!.. وكأني بالرئيس بوش أمام (عروض) الأبناء الحاتمية يُردد : (بئس الآباء ونِعمَ ما خلفوا) !
بقي أن أقول : من كان يصدق أن العقيد الثائر سيقفز من هذه الضفة إلى الضفة الأخرى من النهر دونما حياء؟.. لكنه التشبث بالبقاء، وسلم لي على العروبة و العروبيين، وباي باي ثورية!