في الثقافة يصعب الفصل بين عنصر اللعب وعنصر الجد، لأن النشاط الفكري لأي عصر من العصور، ينطوي بدرجة تتفاوت زيادة ونقصاناً على سمة من اللعب، ولكنه لعب جاد.
بعض الألعاب الرياضية لم يظهر قبل تشكل فنون معينة، وبعضها الآخر أوحى بهذه الفنون، والفلسفة اليونانية ارتبطت في نشأتها بلعبة المصارعة، التي عبرت عن الصراع والجدل والتناقض، وسائر الثنائيات التي لا تزال الفلسفة ترزح تحتها، ldquo;كلعنةrdquo; منذ افلاطون، كما قال نيتشه.
ونشأة الجامعة في العصور الوسطى تزامنت مع انتشار ldquo;الفروسيةrdquo; وعبرت عنها ايضاً، فمدار حياة الجامعة كان هو المنازعات الدائمة والخصومات الجدلية، شأن منازلات الفروسية، حيث تقاتل العلماء بأسلحة القياس المنطقي، وعكس القياس الارسطي بتركيبه الثلاثي، ثلاثية اخرى هي الرمح والدرع والسيف، وتقلد اصحاب الدرجات العلمية كالدكتوراه اسلحة نبيلة شأن الفارس تماماً.
لكن ظهور quot;فن الروايةquot; كان له شأو خاص - بحسب ميلان كونديرا - فقد اسس سرفانتس الى جانب ديكارت للحداثة الغربية، وفي اللحظة التي تناست الفلسفة والعلوم الوجود البشري، لم يكن للرواية من هدف آخر سوى اكتشاف هذا الوجود المنسي والمكبوت، إذ اتاحت الرواية تعدد الاصوات والحوار وطرح الاسئلة، من خلال مواقف حية وشخوص من دم ولحم.
إن سقراط الشخصية الرئيسة في محاورة quot;الجمهوريةquot; لافلاطون، لم يتوقف البتة عن جعل الحوار مستحيلاً، كما أكد كل من جيل دولوز وفليكس غاتاري في كتابهما quot;ما الفلسفة؟quot;. لقد طرح اسئلة على اصدقائه، لكنه كان يعرف الجواب مسبقاً، أي انه حول الصديق، إلى صديق لمفهوم واحد، ان الحقيقة سابقة على الوجود، وليس هناك من جديد يكتشفه الحوار، على العكس تماماً من الحوار في الرواية.
لذا فقد اصاب دريدا في كتابه ldquo;الصوت والظاهرةrdquo; حين قال: ldquo;إن الفلسفة منذ أفلاطون وحتى هوسرل، محكومة بالمركزية الصوتية. إن صوت الفلسفة هو صوت الوعي لا صوت الحياة اول من فلسف العلاقة بين الرواية ولعبة كرة القدم، ألبير كامو الحائز جائزة نوبل للآداب عام 1957، حين قال: ldquo;تعلمت ان كرة القدم لا تأتي مطلقاًً نحو أحدنا من الجهة التي ينتظرها منهاrdquo;.

كرة قدم
وكرة القدم هي أحد الميادين التي تطرح في شدة مشكلة العلاقة بين اللغة والجسد، بمعنى: كيف يمكـــنك ان تجعل شخصاً ما يفهم، او بالاحرى، ان تجعل جسد شخص ما يفهم؟ كيف يمكنه تصحيح الطريقــة التي يتحرك بها؟
ثمة إذاً طريقة للفهم خاصة تماماً، هي تلك الطريقة التي تتمثل بجسد المرء، وهناك أكوام من الاشياء لا نفهمها الا بأجسادنا، خارج الوعي الواعي، ومن دون ان نستطيع صوغ فهمنا في كلمات، كما يشير بيير بورديو.
لقد تسربت لغة كرة القدم عبر كل مسام حياتنا، من السياسة الى الشارع وحتى فراش الزوجية. قبل شهور قليلة تبادل المفاوضون في ملعب الموفنبيك المطل على البحر الميت في الاردن، كل مصطلحات كرة القدم تقريباً، عبر تفاهمات ldquo;وثيقة جنيفrdquo; بدءاً من ldquo;انت لاعب احتياطيhellip;rdquo; وrdquo;الكرة في ملعبكrdquo; مروراً بـrdquo;الطردrdquo; وrdquo;التعادل السلبيrdquo; وانتهاء بأشهر النكات: ldquo;اسرائيلي يركل ضربة جزاء.. انفجـرت الكرة في وجـههrdquo;.
على أن كرة القدم تكشف ما هو أكثر، فمع التماثل في لعبة موحدة عالمياً، فإن أسلوب اللعب يختلف، وقد صاغ جوليانو كاتب اوروغواي الكبير معادلته الكروية الشهيرة: ldquo;قل لي كيف تلعب اقل لك من انتrdquo;، ذلك أن الثقافة السائدة في هذا المجتمع او ذاك تعكس نفسها على الفريق الذي يمثلها وطريقة لعبه، ليس فقط الطابع الدفاعي او الهجومي او التكتيكي، او حتى الروح الفردية او الجماعية، وإنما وفي الأساس في العلاقة بين الأنا والآخر، فقد هلل العرب في كل مكان حين رفع زين الدين زيدان كأس العالم في مونديال 2002، على رغم أن الفائز هو فرنسا، بينما عبر زعيم اليمين لوبان عن أسفه لأن زيدان غير مكتمل الفرنسيةhellip;.. تري ماذا يخبئ مونديال 2006؟