في البداية لابد من الاقرار لليمن بانها دخلت مرحلة الديموقراطية الحقيقية الجادة وودعت مرحلة الديموقراطية (الوليدة) والتي ظننا يوما انها لن تنتهي او تنتقل لمرحلة الرشد، والفضل في ذلك يعود بلا شك الى الرئيس اليمني وتفاعل مجموع القوى السياسية المختلفة على الساحة اليمنية. وانصافا للقول، قد حقق الرئيس اليمني علي عبدالله صالح في عهده العديد من المنجزات التنموية المختلفة، وسار بالبلاد في احلك مراحلها المظلمة الى بر السلامة والامان، وصنع الوحدة اليمنية المباركة واصر على بقائها في حرب صيف 1994، ونقل اليمن مرحليا الى النهج الديموقراطي السليم كحالة فريدة في المنطقة العربية. وفي المقابل حدث في عهده العديد من الاخفاقات التي لايخفي ذكرها الرئيس نفسه وعلى رأسها استشراء الفساد المالي والاداري، ونأمل ان تأخذ مجموع تلك الاخفاقات على محمل الجد وبمزيد من الاهتمام والمعالجة في برنامج الرئيس السياسي للمرحلة القادمة فيما لو فاز في الانتخابات المقررة في يوم الاربعاء 20 سبتمبر 2006 يوم الحسم الاخير. وقد لمست شخصيا امر الفساد هذا ومدى تأثر سمعة اليمن في الخارج، من خلال بحثنا عن تمويل مالي لمشاريع حيوية تخص مرافق البنية التحتية في مجال الطاقة وغيرها من خلال مناقصات معروضة من قبل الدولة تستثمر في اليمن، والمؤسف، اننا فوجئنا، ان بعض البنوك الاوروبية قد وضعت اليمن في القائمة السوداء محذرة من التعامل مع اليمن بسبب عدم التزام الحكومة بسداد ديونها او ضماناتها لصالح تلك البنوك مما افقد اليمن المصداقية. والى هذا الحد وصل الفسادzwj;.
اتفق جميع المرشحين في برامجهم السياسية على محاربة الفساد المستشري داخل اروقة الدولة، وقد تبادل الجميع الاتهامات في موضوع الفساد، وحمّل كل طرف الطرف الاخر المسؤولية. والحقيقة ان الجميع يتحمل مسؤولية تفاقم الفساد في المجتمع والدولة، والحكومة تتحمل الجزء الاكبر من المسؤولية، بمافي ذلك بعض الاحزاب السياسية التي كانت ائتلافا ثنائيا وثلاثيا في السلطة في مرحلة سياسية سابقة، فالاشتراكي والاصلاح كانا في موقع السلطة والمسؤولية وشريكا للحزب الحاكم ولم يلحظ ان انخفض معدل الفساد وقتها بل استفاد الحزبان من بيئته المزمنة ومارسه الجميع، ولم تهتم الاطراف بمعالجة الفساد حينها، واصبح الفساد اليوم في زمن الانتخابات الحالية ورقة ضغط ومزايدة للاستهلاك الشعبي تمارسها احزاب اللقاء المشترك ضد الحزب الحاكم، في حين ان المسؤولية مشتركة. وقد ادرك الجميع الآن مدى جدية الرئيس للمرحلة القادمة في مكافحة الفساد والمتنفذين، وهذه الجدية نبعت نتيجة الاتهامات القاسية المتبادلة الصريحة العلنية التي افرزتها انتخابات حقيقية صحية كهذه وليس كسابقاتها من الانتخابات الصورية، وان الامر لم يعد مجرد مسرحيات انتخابات سياسية مزعومة. وهذه المرة يبدو ان الرئيس سيقطف رؤوسا كبيرة المح الى ماضيها وثرائها الغير مشروع وقد شكل بعضها امبراطوريات مالية على حساب قوت الشعب والتحايل على المال العام ونهبه، واشار الرئيس بداية الى احدى عشر شخصية هامة في البلد يتوقع محاسبتها مستقبلا اذا ماربح الرئيس كرسي الرئاسة مجددا، وقد تناقلت بعض وكالات الانباء عن بدء بعض هذه الشخصيات بتصفية مصالحها التجارية ومغادرة البلاد احساسا منها بالخسارة الفادحة نتيجة الانتخابات والتي قد يكتسحها الرئيس بفضل رصيده النضالي والشعبي وخوفها على مايبدو من لجان المحاسبة القادمة. قد لايتصور مدى الضرر الذي سيلحق بكاريزما الرئيس السياسية فيما لوخسر الانتخابات الرئاسية القادمة، كون الرئيس قد تراجع عن عدم ترشحه للرئاسة، وكاد التنحي عن السلطة طوعا يدخله التاريخ من اوسع ابوابه كبطل قومي وواحد من اهم صانعي الوحدة اليمنية، ومرسي دعائم الديموقراطية الحقيقية التي نقطف ثمارها اليوم في انتخابات 2006. هناك اعتقاد سائد ان عودة الرئيس عن عدم الترشح كان خشية وادراكا منه ان هناك ضرورة ملحة لانقاذ البلد، لاتقل ضرورتها اهمية من انقاذ اليمن عندما تولى السلطة في العام 1978، ولكن هذه المرة بشكل مختلف وانقاذ في اطار الديموقراطية من سلطة قادمة ديموقراطيا قد تأكل الاخضر واليابس وتستولي على سته مليارت دولار من احتياطي البنك المركزي اليمني ووضع اليد على وزارة النفط والمعادن بحسب رأي الرئيس لتسخيرها لمصالح الفئة الضيقة التي حدد شكلها ومضمونها الرئيس فيما لو ترك كرسي الرئاسة طوعا، ولكن مادام القانون يتيح له الترشح مرة اخيرة فذاك يعد من حقه. وتخللت الخشية ايضا من سلطة قادمة تحدث تراجعا في مستوى الحريات العامة السياسية والاجتماعية وتمارس المزيد من اضطهاد المرأة والتمييز ضدها والتي لايزال يحركها خبراء فتاوى الـ(سياسودينية). وكذلك مماهو سبق ومعلوم عن اهتمام هؤلاء (القادمون للسلطة الجدد) بالسفسطائية والسطحية على حساب اولويات التنمية الجادة للبلاد، وهذا الاستنتاج مستسقى من حصيلة التاريخ المرضي للاحزاب العقائدية التي كانت قد حكمت في بعض مناطق العالم او كانت شاهدة على وجودها والتي مارس فيها اسلاميون او اخوان مسلمون الحكم او كان لهم تكتل في الوجود النيابي لبعض البرلمانات العربية. واخوان اليمن واسلاميهم ليسوا استثناء عن اخوان مجلس الشعب المصري او اسلاميي مجلس الامة الكويتي من حيث الاولويات والاهتمامات السفسطائية والتي تتمثل في مقارعة الاحداث الفنية التي تقام او منع فنانة من الاستعراض الفني كأولوية وحدث هام بحد ذاته مقدما على طرح اولوية مشروع حضاري يمتلكونه يخدم المجتمع والدولة، لانهم ببساطة لايمتلكون مثل هذه المشاريع الحيوية. واسلاميو اليمن ليسو استثناء عن جبهة الانقاذ الاسلامية الحاكمة في السودان المنقلبة على الديموقراطية حيث لايزال يعيش السودان الازمة تلو الازمة واخرها تفاقم الصراع في قضية دارفور مع المجتمع الدولي، ولم يحدث طيلة اكثر من عقد من الزمان ان السودان اصبح جنة الله على ارضه لان حكامه اسلاميون ومطبقون للشريعة الاسلامية. وليسو كذلك استثناء عن ماكانت ماتسمى بحكومة طالبان في افغانستان الملازم اسمها للتخلف المخيف المنبعث من قيم العصور الوسطى. وكذلك ليسو استثناء عن حكومة حماس الفاشلة سياسيا في فلسطين والتي قد تكون براعتها انحصرت في شكل واحد للمقاومة وهو القتال وتوزيع قلادات (الشهادة) لمشاريع الموت باستثناء مشاريع البناء والنماء والتنمية ففهمهم فيها على قدر متواضع جدا كفهم مستوى خطباء المساجد في شؤون الدولة والسياسة، فهل لخطيب جمعة ان يكون وزيرا للتخطيط والتنمية والتعاون الدولي او وزيرا للتجارة!؟ كما قال الرئيس علي عبدالله صالح، الذي خبر في الاسلاميين قلة الكفائة وخرج بهذه النتيجة الصائبة. ولنمد النظر قليلا ونرى اين يحكم الاسلاميون.. ونرى ملالي ايران هواة الصراع مع الغرب وخالقي الازمات الدائمة على حساب المجتمع الايراني وحريته وتنميته. او ناخذ العبرة من مغامرات حزب الله التي دمرت لبنان ولم يتجرأ احد على محاسبة امينه العام ومرافقيه او نزع سلاحه لصالح بسط سلطة الدولة وشرعيتها.
ان ائمة بيت حميد الدين الذين حكموا اليمن في السابق اغرقوه في الظلمة، وكان حكمهم (اسلاميا) حتى مجئ الثورة اليمنية المباركة في 26 سبتمبر 1962 لتضع حدا لاستغلال الدين السياسي والذي اذا ماختلط الدين بالسياسة افرز ماسبق ذكره من حركات اسلامية وحكومات خارج مفهوم العصر والمدنية يعاني منها المجتمع بكافة فئاته وتنحسر فيه الحريات العامة والعودة بعجلة الزمن الى الوراء. لم نكن لنعترض على اي حزب سياسي او مشترك لديه رؤية ومشروع حضاري ليبرالي متقدم، مشروع يمكنه ان يجسد الاسس والقيم الانسانية الشاملة للدولة الحديثة الراقية والتي تقف الى مصاف دول العالم المتقدم الحر والنهوض بمشروع يمني انساني عالمي يؤهلنا لمشاركة الامم في صنع الحداثة. وانما اعتراضنا كان على مجموعة احزاب سياسية بعيده عن الحداثة اوظلامية تمهرت بالدم والحروب. ما احوجنا اليوم في اليمن الى طريق ثالث ورؤية سياسية مختلفة تفي بالتغيير، فاذا لم يكن هناك مايفي بالتغيير من اجل اليمنيين واليمن فليبقى الحال على ماهو الحال عليه، كونه افضل الموجود على الساحة اليمنية في الوقت الراهن.
في اعتقادنا ان مرشح المشترك فيصل بن شملان لن يتمكن من توزيع الكعكة السياسية ودفع فاتورة الاحزاب السياسية التي تقف خلفه كونه (مستقل) في حال فوزه بالانتخابات الرئاسية وانما الحاكم الفعلي سيكون نائبه حميد الاحمر نائب الرئيس المفترض. ونستغرب لبعض المثقفين اليمنيين المستقلين الذي شكلوا حركة quot;مستقلين من اجل التغييرquot; دعما لخط المرشح بن شملان وهم يعلمون ويرون طيور الظلام التي تقف خلف بن شملان، وقد كشف الرئيس في خطاباته الانتخابية عن مهمة الظلاميين حال وصولهم الى السلطة وفضح مبتغاهم السياسي الضيق ووصمهم بالارهاب علنا على فضائية (الجزيرة) في المقابلة الاخيرة لبرنامج بلا حدود. ترى ماذا حقق الاسلام السياسي في تاريخه zwj;؟. ولكن مايؤخذ على الرئيس تحالفه معهم في مراحل مضت على حساب قوى التنوير في المجتمع والتي يتوجب اعادة الاعتبار لها في المرحلة القادمة وتمكينها من خدمة المجتمع، لانها هي التي تبني وطن برؤية مشروع حضاري راقي قائم وقابل للتطبيق ويحترم الاخر، ويحد من الصراعات وافتعال الازمات.
هناك تلميحات خطيرة تصدر من بعض الكتابات وعن بعض التصريحات الاعلامية مفادها ان فوز الرئيس في الانتخابات القادمة يعتبر سلفا تزويرا للانتخابات، كقصة المليون ونصف مليون بطاقة انتخابية مزورة. ونحذر، ان مثل هذه التعبئة السلبية قد يصدقها مروجوها ويتم تحريك الشارع من قبل احزاب اللقاء المشترك وسط اعتصامات واضرابات تخلق الفوضى في البلد متأسية بالثورة البرتقالية الاكرانية علها تنتزع الفوز بهذه الطريقة، وهذا مالم تتنبه له الحكومة الحالية بمؤسساتها المعنية ومالم تعمل حسابه، اعتقادا منها ان المسيرة الديموقراطية مترسخة فعلا في الشارع اليمني والثقافة الحزبية اصبحت ناضجة!. ولكن مايجعل هذا الامر احتمال وروده قائم، هو ان حلفاء الامس اصبحوا اليوم اعداء في العلن، او على الاقل اسئ الفهم الديموقراطي والعملية الانتخابية.
كان يفضل لو طعمت الحملات الانتخابية للمرشحين بالمناظرات التلفزيونية العلنية اسوة بمناظرة الرئيس الامريكي جورج بوش الابن مع المرشح جيم كيري، اذ مناظرات كهذه تضفي الكثير من المصداقية للعملية الانتخابية، فضلا عن انها تمايز بين المرشحين وتسجل المزيد من النقاط في سجل المرشح المميز كونها تدار وفق طبيعة السؤال والجواب حول البرامج السياسية لكل مرشح وماذا سيقدمه للمجتمع وناخبيه. ففي هذه الانتخابات يتوق المواطن الى سماع المستقبل الواعد والبرامج التنموية الانمائية بدلا من تبادل اتهامات الفساد والشتائم والتمركز حولها والمراهنة عليها، لان الجميع ببساطة غير منزه، ومن هنا تكمن اهمية مسار او طريق ثالث يقود مقاليد الامور في المجتمع والدولة اليمنية بعد افرازات الانتخابات القادمة.
- آخر تحديث :
التعليقات