رغم مرور خمسة أعوام على تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر لعام 2001 في الولايات المتحدة الأمريكية، ما زالت تستأثر بالعديد من الاهتمام والدراسات، ويدور أغلبها حول مدى مشروعية هذه العمليات، و تحديدا هل هي إرهاب أم جهاد ومقاومة؟. أنا أرى وأعتقد أن تلك التفجيرات ( إرهاب صريح واضح بتقدير امتياز مع درجة العار والهمجية الأولى )، و (أن الذين قاموا بها إرهابيون قتلة من الصعب إدراجهم ضمن فصيلة البشر، وبالطبع كل من يرتكب مثل هذه الأعمال أيا كانت ديانته وجنسيته ولونه. لماذا أعتبرها وأعتبرهم هكذا؟
أولا: من الناحية الأخلاقية
لا يجوز ترويع وقتل أناس آمنين لا تعرفهم ولم يرتكبوا خطأ أو جريمة بحقك، وهم أيا كانت جنسياتهم غير مسؤولين عن تصرفات وأعمال حكوماتهم مهما كانت تلك الأعمال معادية لكن وبالتالي فإن قتلى تلك الانفجارات ماتوا ظلما، وهذا ما ترفضه كافة الأخلاق والشرائع بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم أدان ذلك من أصوله ومحملا ابن آدم الأول( قابيل الذي قتل أخاه هابيل )، بعض وزر أية عملية قتل لاحقة، فقد ورد عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ليس من نفس تقتل ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل ( نصيب من الإثم والعقاب )من دمها لأنه كان أول من سنّ القتل). فإذا كان أول من سنّ القتل عليه جزء من العقاب، فغالبية العقاب والإثم على المرتكب الفعلي لعملية القتل. وكي يتخيل أي فرد في أي دولة من العالم حجم وحشية هذه العمليات، خاصة ممن أيدوها ورقصوا على أنغام همجيتها في الشوارع، أن يسألوا أنفسهم عن موقفهم ورأيهم فيما لو كانوا في بيوتهم أو مكاتبهم مع نسائهم وأطفالهم آمنين وادعين، وفجأة دخل عليهم شخص ما وبدون سلام وكلام أطلق عليهم الرصاص والمتفجرات ليقتل كل من كانوا في المكان. إنه أيضا إرهاب صريح ووحشية متناهية لا يمكن إلا رفضه وإدانته، أينما وقع و أيا كان من تعرض له ومن قام به. وعلينا أن نتذكر أن من بين ألاف القتلى كان مئات من العرب والمسلمين أيضا، فما ذنب هؤلاء أيضا مثلهم مثل ألاف القتلى من الجنسيات والديانات الأخرى؟.
ثانيا:من الناحية السياسية
يطرح بعض مؤيدي تلك العمليات أنها بسبب مواقف الولايات المتحدة الأمريكية السياسية المتناقضة والمعادية للمواقف العربية والإسلامية، وهي تبريرات ضعيفة لا تصمد أمام النقاش السياسي العقلاني، لأنه إذا افترضنا أن الأجندة السياسية بين العرب والولايات المتحدة من عشرة بنود، وهناك خلاف على خمسة من هذه البنود فهذا يعني أن كل طرف من الطرفين يرى أن الحق معه في مسائل الخلاف هذه، فماذا سنسمي عمل الولايات المتحدة إذا قامت بسبب مسائل الخلاف هذه بضرب دولة عربية بقنابلها النووية وصواريخها عابرة القارات؟. إنه عندئذ أيضا إرهاب صريح وواضح، وإن استعملت كل دول العالم هذا المنطق وهذه التبريرات فهذا يعني تحويل المعمورة إلى غابة يملؤها الموت والقتل والدمار والدماء، وهذا ما ترفضه السياسات الإنسانية في العالم التي تهدف لإشاعة السلم والأمن في المعمورة.ويكفي التذكير بقول المرحوم سيد قطب في كتابه ( معالم في الطريق )، ص 8 و 9 من طبعة دار الشروق في بيروت عام 1993 إذ قال: ( وقد أبدعت العبقرية الأوربية في هذه الفترة رصيدا ضخما من العلم والثقافة والأنظمة والإنتاج المادي..وهو رصيد ضخم تقف البشرية على قمته، ولا تفرط فيه ولا فيمن يمثله بسهولة! وبخاصة أن ما يسمى العالم الإسلامي يكاد يكون عاطلا من كل هذه الزينة ). ومن المهم التأمل في قوله: ( ولا تفرط فيه ولا فيمن يمثله بسهولة ) ونربط ذلك بحجم الجريمة والتفريط والقتل الوحشي الذي حدث في الحادي عشر من سبتمبر، ومن المهم التذكير أيضا أنه رغم الخلاف في الأجندة السياسية فغالبية الدول العربية تحصل على مساعدات اقتصادية أمريكية بدونها لا تستقيم الحياة في تلك البلدان، ويكفي حالة مصر التي يبلغ حجم الدعم الاقتصادي الأمريكي لها أكثر من مليار ونصف دولار سنويا، ورغم ذلك تعيش مصر في ضائقة اقتصادية متواصلة، حذّر منها الرئيس المصري قبل حوالي سنتين قائلا أن مصر تعيش على أبواب المجاعة، فكيف سيكون الحال بدون هذا الدعم الأمريكي؟. ورغم جريمة الحادي عشر من سبتمبر تستمر هذه المساعدات الاقتصادية لكافة الدول العربية من الولايات المتحدة وغالبية الدول الأوربية، ففي السياسة الدولية من المهم أن نبني على نقاط الاتفاق كي لا تتسع نقاط الاختلاف!.
ثالثا: من الناحية الدينية الإسلامية
هناك ما يمكن تسميته أخلاق الحرب في الإسلام التي عبر عنها بكلمتي ( آداب الحرب ) أي التي تحكم الأعمال والأفعال أثناء الحروب، وهناك إجماع يعتمد على القرآن الكريم والسنة النبوية بعدم جواز قتل النساء والأطفال وكل من لم يشترك في القتال، وذلك استنادا إلى الآية الكريمة:
( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين )- البقرة،19 ndash; وروي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه انه قال:( لا تقطعن شجرا ولا تخربن عامرا )، وهناك إجماع بين فقهاء المسلمين على ضرورة الوفاء بالعهود والوعود، ومن بينها أن كل مسلم دخل بأمان أية دار حتى لو كانت دار حرب، فعليه أن يحترم العهد وفي حالة التسعة عشر الذين نفذوا اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر، فقد دخلوا الولايات المتحدة بشكل رسمي عبر تأشيرة دخول مسبقة للدراسة أو العمل، وبالتالي كان عليهم احترام العهد الذي تتضمنه تأشيرة الدخول وهو الحفاظ على أمن البلاد التي أصدرت له التأشيرة وأن لا يغدروا بأهلها ويخونوا العهد معهم. وهو نفس القياس الذي اعتمد عليه الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي عندما أفتي عام 2002 لبعض المسلمين المجندين في الجيش الأمريكي بضرورة تنفيذ الأوامر إن صدرت لهم بالذهاب إلى أفغانستان وقتال حركة طالبان. ولا يجوز الاستناد إلى بعض أفعال الغير من أهل تلك البلاد بحق العرب والمسلمين، فالضحايا الذين قتلوا غدرا في تلك الأعمال ليسوا مسؤولين عن أعمال حكوماتهم ومن المؤكد أن بينهم العشرات الذين لا يوافقون على تلك الأعمال، وكذلك فقد نصّ القرآن الكريم على عدم جواز معاقبة شخص على خطأ أو جريمة ارتكبها غيره ( ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى )- الأنعام ، 164 - و ( كل نفس بما كسبت رهينة )- المدثر،38 -. وفي هذا السياق أستذكر تلك النصيحة التي وردت للتنظيمات الفلسطينية من بعض قوى اليسار الإسرائيلي عام 1982 ونحن في حصار بيروت، تلك النصيحة التي طلبت التوقف عن حرق العلم الإسرائيلي في المظاهرات الفلسطينية والعربية، لأنه ليس علم شارون والعسكر فقط، ولكنه أيضا علم عشرات ألاف الإسرائيليين الذين تظاهروا ضد الحصار، بينما لم تشهد أية عاصمة عربية مظاهرة ضد الحصار، وكذلك فيما يتعلق بالعلم الأمريكي فهو ليس علم جورج بوش والبيت الأبيض فقط، ولكنه أيضا علم ملايين الأمريكان الذين تظاهروا ضد الحرب في العراق، وهم مئات أضعاف الذين تظاهروا في كل العواصم العربية والإسلامية.
ومن الصعب رصد أراء و فتاوي شيوخ الدين الإسلامي الذين نددوا بتلك العمليات واعتبروها إرهابا صريحا واضحا، وأكدوا على أن الإسلام وضع شروطا لأهل الجنة وأخرى لأهل النار، ومن نفذ اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر لا تنطبق عليه شروط أهل الجنة، فقد أكدّ الشيخ عبد المحسن العبيكان عضو مجلس الشورى السعودي أن تلك الأعمال ( عمل محرم وانتحار ولا يجوز شرعا )، وصرّح الداعية الإسلامي الشيخ محمد المنجد ( ليس من الحكمة لضعيف استفزاز القوي ولا يجوز شرعا الإقدام على عمل مفسدته أكثر من مصلحته )، وقال الدكتور أحمد كفارين عضو المكتب التنفيذي لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن: ( لا أستطيع أن أقول عن منفذي هذه العمليات أنهم شهداء. إن عمليات 11 سبتمبر لم تخدم الإسلام بل أضرت بالإسلام وأدت إلى تراجع العمل الإسلامي في الغرب) . وكذلك الشيخ الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر، فقد أكدّ ( أن من قاموا بتنفيذ تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر هم من المخربين الذين يسعون في الأرض فسادا لأنهم هددوا وروعوا وقتلوا الأبرياء بالمخالفة لما قال به الإسلام،وقد أضرت وأساءت للإسلام والمسلمين ولا يمكن أن يكافىء المخرب باعتباره مجاهدا أو شهيدا)، وفي تصريح شيخ الأزهر هذا إدانة ضمنية لمثل هذه الأعمال ومنها ما ارتكبه الإرهابي الزرقاوي في تفجيرات فنادق عمان في التاسع من نوفمبر لعام 2005 ، حيث قتل ما يزيد على ستين مواطنا أردنيا وهم في صالة للأفراح، وكان من ضمن القتلى المخرج العالمي مصطفى العقاد الذي قدم أهمّ الأفلام عن الإسلام ورسالته الإنسانية، ورغم ذلك وصف النائب الأردني محمد أبو فارس القاتل الإرهابي الزرقاوي أنه شهيد وسوف يشفع يوم القيامة لسبعين من أحبائه ومريديه!!. وضمن نفس سياق الادانات كانت إدانة محمد خاتمي رئيس الوزراء الإيراني السابق، حيث اعتبر الذين قاموا بتلك العمليات الإرهابية مجرمين إرهابيين لن يدخلوا الجنة.
ابن لادن والزرقاوي
بعد كل هذه الإدانات من مرجعيات دينية وسياسية عربية وإسلامية، هل يبق هناك شك وجدل حول أن ابن لادن والزرقاوي ومن لف لفهم إرهابيون قتلة، أساءوا للدين الإسلامي وشوهوا صورة المسلمين؟. وتكفي الإساءة الفكرية فكيف سنقدم للغربيين بعد ذلك الإرهاب الآية القرآنية الكريمة التي تقول: ( وادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم )؟. وكيف يمكن أن نثق بأولئك القتلة عندما نتذكر أن المقبور الزرقاوي شنّ هجوما مدمرا يوم الإثنين الموافق التاسع والعشرين من مايو الماضي على حزب الله اللبناني في الشريط الذي بثه له موقع القاعدة على شبكة الإنترنت، واعتبر حزب الله ( الغطاء الواقي لإسرائيل ) وقال تحت عنوان ( هل أتاك حديث الرافضة ): ( إن حزب الله أصبح الغطاء الواقي الذي يستر الجيش الصهيوني من ضربات المجاهدين في لبنان)، فكيف يستقيم عند البعض تمجيد هذا الإرهابي وتقدير نضال حزب الله في نفس الوقت؟. وكذلك الإرهابي ابن لادن الذي يسعى علنا للفتنة في العراق وغيرها، فمن ينسى شريطه الذي تم بثه يوم السبت الأول من يوليو الماضي، الذي هدد فيه الأغلبية الشيعية في العراق بالانتقام ، فهل هذا من سلوك المجاهدين المؤمنين؟. وكذلك لماذا كانت الولايات المتحدة أما حنونة عندما عمل ابن لادن في خدمتها هو وألاف من مجاهديه وحاربوا معها لدحر الوجود السوفييتي في أفغانستان؟. وهذا الثنائي الباقي من أولئك الإرهابيين ابن لادن والظواهري يختبئون في الكهوف ويصدرون تعليماتهم لما يزيد على مليار وربع من المسلمين وهم لا يملكون أية مؤهلات تخولهم ذلك، ويكفي رد حركة حماس على الظواهري الذي انتقد الانتخابات الفلسطينية وتسلم الحركة تشكيل ورئاسة الحكومة الفلسطينية، إذ طالبته الحركة بالتوقف عن التدخل في الشأن الفلسطيني وأهل فلسطين أدرى بمصلحتهم من غيرهم.
كنتيجة، إن أعمال الحادي عشر من سبتمبر إرهاب واضح صريح بتقدير امتياز مع مرتبة العار الأولى، ومنفذوه ومن أعطاهم الأوامر إرهابيون قتلة، أساءوا للإسلام والمسلمين بشكل عجز عنه ملايين من أعداء الإسلام.
[email protected]
- هذه المقالة ترتيب وتفصيل للأفكار التي قدمتها في الحلقة الأخيرة من برنامج ( الاتجاه المعاكس ) في قناة الجزيرة يوم الثلاثاء الموافق الثاني عشر من سبتمبر الحالي.
التعليقات