واقع الأزمة،هذا ما يمكن أن يختصر أحوال وأوضاع العرب في هذا الراهن القاتم، حيث الشقاق والتمزق والتشظي والخواف الحذر والخشية والإحباط والأمية والتخلف والتوقف للمجمل من الفعاليات.إنه الفقد التراخي والتعطيل الذي يستبد بحال الأمة، ليجعل منها تدور في الحلقة المفرغة من الفقد الدائم، حتى لتتقاطع الأسئلة الحرجة، وتتناسل المشكلات والإعاقات في تورم فريد، ينذر بالشك والويل والثبور، ومن واقع التراخي والذبول، تكون الأحوال وقد توقفت عند تفاقم أحوال واوضاع المشكلات، ليزداد الطغيان حضورا، والتبعية رسوخا والهيمنة الخارجية تأثيرا وتناميا، ومن هذا، يكون الخلود إلى التفسير المجزوء وسيادة المعقل المقطوع الذي لا يلبث أن يفسر كل شيء وفقا لنظرية المؤامرة، تلك التي باتت تعتاش على المجمل من التناقضات التي عشعشت في الواقع العربي، المبتلى بالشحن والغضب والمرارة والأسى والعواطف السخينة.
بين الحاضر وآفاق المستقبل، سفح المزيد من المداد، واجتهدت العقول في وضع اللمسات والسيناريوهات نحو ترسم مدى العلاقة المرغوبة، في علاقة الزمن، بين الحاضر المعاش والمستقبل المجهول، والذي لا يمثل سوى القلق والاضطراب والخوف والقلق.علاقة تنطوي على الخشية والحذر، ويغيب عنها التفاؤل وينقطع فيها الرجاء.فيما يبقى الاستشراف لهذا المستقبل بمثابة التمرينات العقلية، والتي لا تكف عن المحاولات وسط زحمة من المرارات والتراجعات والانكفاءات المزرية.

المكشوف والمخبوء
يبرز الحديث عن المستقبل، لا بوصفه زمنا قادما فيه من المجاهيل والمخبوءات القدر الكثير، بل راح العرب يتحدثون عنه بوصفه علما، هذا بحساب علم المستقبليات الذي بات يتصدر التوجهات في العالم المتقدم، ومن هنا تحديدا تتبدى إشكالية، الشكل البراق الذي يحتويه المستقبل باعتبار التماهي مع التفاعلات التي يبرزها واقع الإرادة والحفز والتغيير الذي تعيش في كنفه المجتمعات المتقدمة، والمضمون البائس الذي يعبر عنه الواقع العربي بالمجمل من التراجعات والإكراهات والتخبطات التي ما انفكت تحضر في الحاضر العربي، هذا المرتهن لصالح التطلعات المجزوءة والأهداف المنقوصة، والتي لا تتوان من النهل المسف عن الآخر، تحت دعوى البدء من حيث انتهى الآخرون، في تناقض يشي بالمزيد من سوء التقدير والعوز في التقدير السليم لطبيعة العلاقات التي ينجزها الواقع.

زخم الشعارات
لا مستقبل من دون ماضي، عبارة من كثر ما ترددت في الواقع العربي، بات مردودها يعاني من الوهن ويحيل مباشرة إلى التردد والتخاذل.هذا بحساب انقطاع المردود منها وانخفاض العائد لديها، فالواقع على لا يقوم على الترداد للمفردات والتنطع بالشعارات، بقدر ما تبرز أهمية التماهي الفاعل والعميق مع التفاصيل التي يفرزها الواقع.ومن هنا تبرز أهمية البحث الجاد والعميق في الدلالة التي يقوم عليها معنى التاريخ بوصفه الوعاء العقلي الذي يحدد وينظم مجال الفعل الانساني داخل المجال الاجتماعي.حيث النقد والتبصر والتأمل والتحليل والتدقيق، والتأسيس للمنطق الخاص، الذي يتم من خلاله ترسيم معالم الخصوصيات والأسس التي ينبني عليها مجال التوجيه والحفز نحو التغيير.
نعود هنا إلى مدى العلاقة الرابطة بين المستقبل والماضي، حيث السؤال الجاهز والحاضر أبدا، حول الأسبقيات والأهمية، وكأن المدار هنا يقوم على لعبة سباق ورهانات بين فرسي رهان، فيما حقيقة العلاقات المنطقية تبقى تشير إلى أهمية تضافر العوامل الرئيسة من أجل الاستنهاض وبلورة الاتجاهات العميقة داخل المجال الاجتماعي.فالتغيير والتحرر والبناء والخلاص من أعباء الماضي والحاضر، لا يمكن أن يتبدى شاخصا من خلال التمسك بأهداب المستقبل، إن تمسكا من هذا النوع لا بد أن يفرز حالة من الاعتماد على خيوط عنكبوتية سرعان ما يتمزق نسيجها في أول تجربة واقعية، فالمستقبل لا يعني أنه ملاذ هروب أو مجال ترحيل للمشكلات والأزمات، أن عملية كهذه لا بد أن تفرز عواقب لا يمكن تخطي نتائجها القاتمة على الواقع. بالمقابل تبرز أهمية فلسفة التاريخ في فسح المجال للربط بين الماضي والمستقبل، من خلال توسيع مجال الوعي بالحاضر، هذا الذي يمثل حالة من الربط بين المجالين، ومن هنا تتبدى أهمية الوعي بالحاضر، بوصفه الأداة والوسيلة الناجعة نحو التأسيس للمنطق المتوازن مع الذات أولا، بغية فسح المجال للتفكير والتبصر والانفتاح على مجال التغيير والتفكير الجاد والعميق برصد الملابسات والإشكالات والتداخلات، وبالتالي القدرة على أخذ زمام المبادرة نحو البدء بالمباشرة نحو، المج والتعزيز للمجمل من التفاعلات الزمانية والمكانية، من دون الوقوع في دوامة الفصل بين، ماضويين ومعاصرين ومستقبليين، أو السقوط في تقسيم المكان انطلاقا من موجهات الانتماء الفرعي والسعي نحو الفصل بين العقل الجماعي، الكون الانخراط في موجهات آنية لا قوام فيها سوى المواجهة والتصادم والتنكيل وتعزيز مجال الفقد والخسران.
يبرز محتوى السؤال عن طبيعة العلاقة القائمة بين العرب ومفهوم الزمان، بتوزيعاته الأساسية الماضي والحاضر والمستقبل، ومدى الترابط والحميمية التي يمكن ترصدها في العقل العربي، حول الأهمية التي يحوزها أحد العناصر الزمانية، لا سيما وأن الحنين إلى الماضي، باعتبار التجربة التاريخية العربية وحيازة الأوج الحضاري وبروز العصر الذهبي والتمكن من قياد العالم، إنطلاقا من تجربة دولة المدينة بقيادة الرسول الكريم (( صلى الله عليه وسلم))، وتنامي التجربة خلال العصر الراشدي، والتوسع الهائل والكبير الذي شهدته في العصرين الأموي والعباسي.تحعل من طريقة النظر إلى الحاضر تعاني من ثقل وزن المقارنة بين الماضي التليد والحاضر الواهن المتعثر، ليبرز التطلع إلى الشغف بهذا الماضي الموصوف بالأبهى والأهم من تفاعيل التفضيل.