يبدو لي أن بعض( سنة ) العراق عندما تعاهدوا مشروع عودة ما ( قبل ) صدام كما هو ليطبع بكامله مرحلة ما بعد صدام، خاصة فيما يتعلق بالسيادة السنية المطلقة إلى حد كبير، إنما كانوا يراهنون على جملة أجندة تبدو في ظاهرها فعالة نشطة، ولكن في ميزان الفكر السياسي الناضج، وعلى ضوء التجارب المريرة التي مرت بها شعوب المنطقة العربية

الحلقة الأولى
والاسلامية كشفت هذه الأجندة عن إمكانات مستهلكة، وغير قادرة على قلب معادلات التاريخ الصعبة، وكان على رأس هذه الأجندة كما صرح بعض زعماء السنة من المقاومين والرافضين هو الشارع العربي، بل الشارع الإسلامي، خاصة وأن الشارع الإسلامي سني بجماهيره العريضة، فضلا عن ( السنية المدنية ) لانكثر الانظمة الإسلامية، ولكن نسى هؤلاء إن الشارع العربي لم يسقط يوما نظاما، ولم يغير معادلة، ولو كنت بدلهم لكان تفكيري بصورة أخرى، نعم، كان بإمكان السنة العراقيين أن يكونوا جسر تواصل بين شيعة العراق الذين هم عرب أ قحاح وبين السنة العرب في كل العالم العربي، بل والسنة بشكل عام، من اجل أن لا يشعر شيعة العراق بأن هناك مشروعا لعزلهم، ولكي يكون هناك شي من التوازن باتجاه النفوذ الإيراني الذي طالما يتحدث عنه بعض سنة العراق، بل سنة العالم الإسلامي بشكل كامل. كانت هذه فرصة ذهبية لسنة العراق للعب دور توفيقي يشعر من خلاله شيعة العراق بأن هناك من يحميهم، ويقف معهم، وإن هناك من يتحمل مسؤولية الدفاع عن حقهم في الوجود، لقد شعر شيعة العراق أن هناك محاولة عالمية لمحاصرتهم، والقضاء عليهم، وما قام به بعض سنة العراق بالشكل الذي أسلفته من أسباب هذه الشعور، وقد ترتب عليه الكثير من المستحقات المعقدة للأسف الشديد بين السنة والشيعة في العراق المسكين.

لقد أخطا بعض سنة العراق عندما أصروا على رمزية ( صدام حسين ) كان ذلك استفزازاً رهيباً للشيعة، ليس شيعة العراق وحدهم، بل شيعة العالم، لما يحمله هؤلاء الشيعة من إرث دام ومزعج ومؤذي بسبب صدام حسين بحقهم وحق تراثهم وحق علمائهم، كانت غلطة العمر، فضلا عن أنّ صدام حسين لا يصلح أن يكون رمزا روحيا لسنة العراق، فهو قتل من علمائهم الكثير، وعلى رأسهم الشيخ عبد العزيز البدري رحمه الله، ولم يكن يحتل قيمة روحية في تراث العراق، وكان قد وصف الفقه الإسلامي مرة وبكل صراحة، بأنه فقه متخلف متحجر !! ترى هل عدم الوسط السني العراقي رجالات يشهد لها التاريخ من الإنجازات الفكرية والروحية والجهادية الرائعة ليكون رمزا لهم فيلجأون إلى رمزية صدام حسين الذي عرفه التاريخ قاسيا، فردانيا، نرجسيا، زج العراق بمذابح ومقاتل وخسائر لم يشهد لها التاريخ العراقي مثيلا ؟ من الطبيعي أن يستنتج بعض شيعة العراق أن هذا الأختيار ليس موضوعيا، وهو جاء تحت ضغوط أسباب طائفية، أو عدوانية كيدية، كان الأحرى بسنة العراق أن يلتفتوا إلى هذه النقطة الحساسة، ويعالجوها بدقة وموضوعية، وفي سياق فكر سياسي نشط، واع، يقدر حركة التا ريخ، ويعي قوانين الإنجاز السياسي الماهر.

كان خطا بعض سنة العراق في خطابهم السياسي على صعيد إدانة الإ رهاب والعمليات الإ رهابية، فقد أدانت ـ مثلا ـ هيئة علماء المسلمين تفجير مرقد الإمامين العسكريين، وأدانت حادثة جسر الأئمة، ولكن لم تدن من يفجر نفسه في مراكز تطوع ا لشرطة، ولم تدن من قتل شخصيات شيعية معروفة في الوسط الشيعي، وكانت فتاوي أو خطاب الإدانة غامضا، لايتتيح الفرصة الواضحة لإستناج موقف رافض لعمليات القتل بالقوات العراقية، بل كان يسشتم منها الرضا والراحة، لأن كثيرا ما تذيل تصريحات الهيئة المتعلقة بالعمليات الإرهابية، بأنها لا تدين العمليات التي تستهدف قوات الإحتلال ومن يعمل معها، والمقطع الاخير ملغز، وغير واضح، الامر الذي يستفيد منها الآخرون، المتعاطف والرافض، بأن هناك فتاوي لقتل عراقيين معيني الهوية والإتجاه.

لقد أخطا بعض سنة العراق بمقاطعة العملية السياسية، لو أن كل سنة العراق شاركوا بهذه العملية لكان هناك ميزان اخر اليوم، ميزان مختلف، وكما نرى، أن مشاركة بسيطة لسنة العراق في هذه العملية غيرت الكثير من بنود الدستور التي وجد فيها السنة أجحافا بحقهم، فكيف لو كانت نسبة المشاركة فعالة، كبيرة، تتناسب مع حجم السنة الحقيقي العددي والنوعي ؟
لقد أخطا بعض سنة العراق بالإستماع إلى أنظمة أو بعض رموز أنظمة سياسية تتدعي أنها سنية، فيما هي تعمل لصالحها الأقليمي بالدرجة الاولى، فيما لم يستمعوا إلى حكمة الحكومة الكويتية، ورجالاتها الذين يعرفون العراق اكثر من غيرهم، والذين يدركون جيدا حقيقة صدام حسين، ودوره في تحطيم القوة السنية إقليميا.
هل قرا سنة العراق تا ريخ الشيعة ؟
بل هل قرأ سنة العراق الروحية الشيعية ؟
إن الشيعة وشيعة العراق بشكل خاص عاطفيون، عاطفيون للغاية، أنظروا الى الشيعة في لبنان، يقاتلون نيابة عن حماس وفلسطين، فيما لا ينسى الكثير من شيعة جنوب لينان ما جرى لهم على يد بعض الفلسطنيين قبل الاجتياح الإسرائيلي، وفيما ما زالت عمليات تخوين وتكفير الشيعة قائمة على قدم وساق، حتى في فلسطين المحتلة.
أنظروا إلى شيعة البحرين، كانوا الوحيدين الذين خرجوا بمظاهرات صاخبة قبل ثلاث سنوات احتجاجا على الإرهاب الإسرائيلي بحق حماس، فيما تحاصرهم دعوات التكفير والعزل داخل البحرين نفسها !
أنظروا ألى شيعة العراق، لقد أعلن مقتدى علنا أنه ذراع حماس في العراق، وهاجم علنا فصائل شيعية متهما إياها بالإرهلاب !!!!!! ولكن ترُسل السيارات المخخة إلى معقل زعامته، ويُكفَّر علنا هو وأبوه، ويطالب مستجديا الشيخ الضاري بتكفير الزرقاوي، ولكن الشيخ الضاري يريد من مقتدى أن يقاتل الامريكان والحكومة العراقية فيما يمتدح الزرقاوي وخطه علنا !
أنظروا إلى ( علي عمار ) أحد أقطاب حزب الله في لبنان، لقد وصف الشيخ إسامة بن لادن يوما بانه شيخ المجاهدين ! رغم أن الشيخ إبن لادن قتل من شيعة هرات أكثر من عشرة أ لاف شيعي بين ليلة وضحاها...
أقولها بكل صراحة، أن سنة العراق، بل وسنة العالم الإسلامي كله خسروا الشيعة، وكان بإمكانهم كسب الشيعة في سياق وحدة إسلامية عالمية، تعمل ضد الوجود الأمريكي، وتساهم في بناء مجتمع إسلامي عالمي.
الشيعة عاطفيون، ولكن السنة لم يعرفوا كيف يتعاملون معهم !
وأعود لأقول، إلى حد هذه اللحظة هناك فرصة ذهبية لأن يكون السنة سادة في العراق، إن لم يكونوا هم السادة، فهل يفكر سنة العراق بذلك جليا ؟


كلمة ناصح ومحب، ولست معنيا بالإتهامات السوقية.