تعقيبا عاللي جرى في تونس...
نشرت quot;إيلافquot; بتاريخ 21 يناير الحالي مقالا بقلم السيد مجيد حواشي بعنوان quot;عاللي جرى في تونس ... ساعة الحقيقةquot; ، بدا فيه الكاتب متعاطفا على استحياء مع منفذي العملية الإجرامية التي حاولت quot;الجماعة الإسلامية للدعوة و القتالquot; وهي quot;جناح القاعدة في بلاد المغرب الإسلاميquot; من خلالها تفجير سفارات و مراكز تجارية بالتوازي مع منتجعات سياحية بتونس العاصمة، نهاية السنة الماضية. بدا الكاتب مقاله: quot;لحظة انهياره كان يجثم على ركبتيه ويولول بأعلى صوته والدموع تنساب من مقلتيه : عفوك و غفرانك اللهم ما كنت أحسب أني في يوم ما سأقتل فتى في ريعان الشباب ... كان ذلك هو مشهد انهيار أحد أعوان الأمن اثر عودته من إحدى المواجهات التي جدت كما هو معلوم مؤخرا بين قوات الأمن و الجيش من ناحية و quot;العصابة الإجرامية المسلحةquot; على حد تعبير الأوساط الرسمية التونسية من الناحية الأخرى. المشهد جاء على لسان أحد الرواة في محطة حافلات في العاصمة تونس و العهدة على الراويquot;.
لاحظوا عبارة quot;العصابة الإجرامية المسلحة على حد تعبير الأوساط الرسمية التونسيةquot; . إذا لم يكن كوماندوس quot;القاعدةquot; الذي يستهدف تفجير منتجعات سياحية و قتل أبرياء و القضاء على مصدر أساسي لرزق التونسيين و التونسيات إرهابا فماذا سيكون؟ و الجواب لم يتأخر إذ سارع الكاتب بإعلامنا بان الأمر لا يعدوا أن يكون إلا quot;مجموعة من الشبان الغاضبين من منع ارتداء الحجاب في المعاهد و الجامعاتquot; ، تماما - و حرفيا - كما جاء في بيان المجموعة الإجرامية المنشور على الإنترنت. و الأخطر أن الرواية الدرامية التي استهل بها الكاتب مقالته
quot;و العهدة على الراويquot; يبدوا انه اختلقها هو - و من ألفها إلى يائها - بدليل أن الصحافة الفرنسية ذات الحضور الكبير على الساحة التونسية لم تذكرها. و هذا ما أكده لنا الأصدقاء التونسيون المتواجدون على عين المكان، الذين هم على علم أكيد بأخبار quot;الرصيف التونسيquot;. و ربما اختطف الكاتب هذه الرواية المثيرة من المقال الموضوعي الذي نشرته مؤخرا الأسبوعية quot; جون افريك quot; ، الذي ورد فيه أن quot;ربيعquot; وهو نائب رئيس المجموعة الإرهابية ( 22 سنة ، الذي تحول في رواية السيد مجيد حواشي إلى quot;فتى في ريعان الشباب ذي 18 ربيعاquot; ) ، كان يطلق النار على قوات الأمن من سطح المنزل عندما أصيب في جمجمته ، و سبق أن حكى لرفاقه مفتخرا بإطلاق النار quot;على الكفارquot;، و أن quot; أبو مصعب الزرقاوي quot;شهيد الإسلامquot; الشهير قد نزل إليه من السماء مرتديا ثيابا بيضاء و اركبه معه على جواده الأبيض ليصعدا معا إلى السماء !!!
أما قصة عون الأمن الذي قام بالواجب الذي تحتمه عليه المهنة، حتى في اكثر الديمقراطيات ليبرالية، بالتصدي لــquot; نائب المجموعة الإرهابيةquot; ، و الذي لم يسمع أحد بترقيته إلى رتبة ضابط، فهي على ما يبدو رواية أخرى اختلقها الكاتب quot; على عهدة الراويquot; ، ليقفز من بعدها إلى الاستنتاج الخاطئ : quot; الناس (التوانسة) ... ألفوا العيش في مناخ يخلو من سفك الدماء ولا يتمثلون الاقتتال إلا من خلال مشاهد الحروب الدائرة في محيطهم ولا سيما الحرب الأهلية العراقية فان الصدمة كانت شديدةquot; ، أي أن المواطنين - حسب هذه الرواية المختلقة - قد استعظموا قتل رجل أمن لنائب رئيس اخطر عصابة إرهابية عرفتها البلاد في تاريخها الحديث. و الحقيقة لو عكس السيد مجيد حواشي في هذا الشان لاصاب ، إذ أجمعت مصادر الإعلام العالمية على الارتياح الشعبي التونسي الكبير بعد الإعلان عن القضاء على المجموعة، خصوصا و أن الأمر يتعلق باستهداف سياح أجانب في ضيافة البلاد ، و جريمة قتلهم لو حصلت لأدت بالتأكيد إلى القضاء على مصدر رزق شريحة واسعة من الشعب.
و لا يفوتنا التذكير بهذه المناسبة بما صرح به راشد الغنوشي ، شيخ quot;النهضةquot; الأصولية التونسية مدى الحياة للتلفزيون الفرنسي عام 1992 : quot; السياحة هي سبب ازدهار الاقتصاد التونسي، وهو ازدهار هش رهن إطلاق رصاصة واحدة، ليضيف quot;لكنني لن أطلق هذه الرصاصةquot; ... و لسؤال وجهته أسبوعية quot;تونس هيبدوquot; إلى الناطق الرسمي للنهضة quot;علي العريضquot; عام 1991 quot;هل أنت مع إغلاق النزل (الفنادق) السياحية ؟quot; كان جوابه غلقها تدريجيا quot;مع التحول إلى الزراعة و الصناعةquot;. كما واصل الرجل الثاني في القاعدة، ايمن الظواهري، على نفس النهج، معلنا أن توحيد جناح المنظمة في المغرب العربي كان هدفه الأساسي و الطبيعي ضرب السياحة باعتبارها quot;مفسدة عظيمةquot;. و هذا ما أكدته quot; الوطن العربي quot; في عددها 1558 عندما أوردت : quot; القاعدة قررت ضرب المنشات السياحيةquot; ،مما يؤكد عداء كافة الحركات الإسلامية للسياحة باعتبارها نشاطا اقتصاديا انفتاحيا على الشعوب و الحضارات الأخرى.
من قراءتي للمقال استشف أيضا محاولة من الكاتب لتجريم النظام التونسي بدعوى منعه لــ quot;الحجاب الشرعيquot; في المعاهد و الجامعات: quot;إن النظرة المتبصرة للواقع لا يمكنها أن تهمل العلاقة العضوية بين ما جد بالأمس في تونس حول مسألة الحجاب و الأحداث الدامية لموفى سنة 2006quot; . و سؤالنا للكاتب هنا إذا كان منع الحجاب هو سبب وجود quot;الجماعات التكفيرية المسلحةquot; ، فكيف يفسر لنا وجودها في الجزائر و المغرب و السعودية، و الحال أن الحجاب بألف خير في هذه الربوع، بل قل أن نجد امرأة غير متحجبة في السعودية، على سبيل المثال ؟؟؟ كما أن القاعدة بقيادة quot; الشهيد الزرقاوي صاحب الجواد الأبيضquot; تقتل العراقيين يوميا بالرغم من الانتشار الواسع للحجاب هناك !!!
تقديري أيضا أن الحظ لم يسعف الكاتب في تبريره لــ quot;غزوة تونسquot; بدعوى quot;ملء الفراغ الروحيquot; ، أي عدم الاعتراف الرسمي بحركة النهضة quot;الطالبانيةquot; على ذمة المفكر الإسلامي و أستاذ التاريخ بالجامعة التونسية محمد الطالبي. و سؤالي هنا للكاتب ماذا استفادت الجزائر من اعترافها بجبهة quot; الإنقاذ quot; في أواخر الثمانينات من القرن الماضي ؟ ألم يكن رد زعامات هذه الحركة إعلان يوم الانتخابات الحرة في 1991 quot;يوم عرس الديمقراطية و يوم مأتمهاquot; كما صرح بذلك الرجل الثاني في الحركة -علي بن حاج- حليف راشد الغنوشي الذي لا يشق له غبار!!!
و أما إدانة الدولة التونسية لعدم توريطها الدين في السياسة على اعتبار ذلك quot;علمانيةquot; و quot;إلحاداquot; ، وهو ما أوحى إليه الكاتب عندما تساءل : quot; فمنذ متى كانت الثقافة الدينية مفصولة عن الثقافة السياسية ؟ و كيف تكون كذلك بالنسبة للإسلام وهو سياسي أو لا يكونquot; ، فهي مجرد إعادة و تكرار للاسطوانة المشروخة التي ما فتئ يرددها راشد الغنوشي منذ العام 1972 و القائلة بان الدولة البورقيبية علمانية، وإنها على هذا الأساس تقف على طرفي نقيض مع إرادة الشعب التونسي الذي quot;لن يرضى بديلا عن الدولة الإسلاميةquot; ، حسب الخيار الذي قرره راشد الغنوشي لباقي أفراد الشعب و بالنيابة عنه.
في الخاتمة، حسبي أن اقف مع الصديق د. خالد شوكات ترحما و إجلالا على أرواح كل من سقط من رجال الأمن في تونس قياما بالواجب و استشهادا في سبيل إفشال quot;غزوة القاعدةquot; لبلدي الحبيب. و أما قتل الإرهابيين الذين تم القضاء عليهم بالمناسبة، فلا أرى في ذلك شخصيا إلا عذاب الدنيا، و إن عذاب الآخرة لاشد و أقسى.
كاتب المقال منسق اللجنة الدولية للدفاع عن العفيف الأخضر، و رئيس سابق لفرع تونس لمنظمة العفو الدولية.
[email protected]
التعليقات