أثارت مقالتي الأخيرة (هل يستحق أحمدي نجادي ما واجهه في جامعة كولومبيا؟) ردود فعل متباينة، سواء في تعليقات القراء على المقالة أو في رسائل من كتبوا لي على بريدي الخاص، وقد فهم الجميع أن المقالة تعبر مباشرة عن رأيي الخاص في إيران وفيما يستحقه رئيسها أحمدي نجادي، رغم أنني عرضت ما واجهه في الجامعة ومفاصل عديدة من السياسة الإيرانية تجاه جيرانها العرب منذ زمن الشاه إلى ثلاثة عقود من عمر الجمهورية الإسلامية في إيران خاصة ما يتعلق باحتلالها للأحواز العربية منذ عام 1925 والجزر العربية الإماراتية منذ عام 1971 وتهديدها المستمر العلني لجوارها العربي كالمطالبة بإعادة احتلال مملكة البحرين وضمها لما يدّعونه أنه الأم الوطن، موردا أراء كتاب عرب معتدلين كالدكتور أحمد الربعي وآخرين حادين للغاية كبسام درويش، قائلا بوضوح صريح في نهاية المقالة: (إزاء ما سبق إيراده موثقا عن ممارسات الجمهورية الإسلامية في العالم وأقطار العربىمن خلال رموزها ومنهم أحمدي نجادي نسأل: هل يستحق أحمدي نجاد ما واجهه في جامعة كولومبيا؟. أترك الإجابة للقراء محكمين عقولهم وليس عواطفهم). وقد كانت المواقف والتعليقات من هذه الدعوة على طرفي نقيض:

الأول: التأييد المطلق لنجادي وإيران

كان أصحاب هذا الرأي هم غالبية القراء الذين علقوا على المقالة، وكان تأييدهم حادا وعنيفا دون مناقشة أية فكرة مما ورد في المقالة، وقد وصل حدّ التأييد المتطرف لإيران أن قرّر بعضهم (أن أبو مطر جاهل بشكل مدهش) و (أنه عميل يتقاضى الدولارات الخضراء على كل ما يكتبه) و (أنني أعمل لصالح أجندة دولة أو دول عربية ذات أجندة معروفة تجاه إيران وقادتها). ورأى هذا الفريق المتعصب لإيران ما معناه أن الخير كل الخير للوطن والشعب العربي بما فيه تحرير فلسطين من النهر إلى البحر لن يأت إلا من إيران بدليل احتفالها بيوم القدس العالمي منذ ثمانية وعشرين عاما أي منذ وصول (سماحة آية الله روح الله الموسوي الخميني قدّس الله سرّه) - هذا اسمه وصفته الرسمية في إيران - للسلطة عام 1979، دون أن يوردوا أي دليل على دعواهم هذه سوى خطابات وأقوال المسؤولين الإيرانيين، متناسين أن هذه الخطابات أشبعتنا منها الأنظمة العربية أكثر من نصف قرن دون نتيجة على الأرض بدليل أن الفلسطينيين لم يحرروا بعد شبرا من فلسطين، وكأن ثلاثين عاما من خطابات و تهريجات النظام الإسلامي في إيران لم تكف، ونحتاج إلى ثلاثة عقود أخرى ليتأكد هذا الفريق المؤيد والمصفق لإيران أنها مجرد كلام ينطبق عليه المثل العربي (أسمع جعجعة ولا أرى طحنا).

الثاني: الإدانة المطلقة لسياسة إيران ومواقفها

وقد عبّر عن هذا الموقف أكثر من قارىء بشكل صريح، إذ قال (سيف العدل): (أعتقد أنه كان من المفروض على السلطات في الولايات المتحدة أن تعتقل هذا المعتوه أحمدي نجادي فور وصوله إلى أمريكا وزجّه في معتقل غوانتانامو حيث ينتمي)، ومنهم من ردّ على اتهامات الفريق الأول الخاصة بالعمالة وقبض الدولارات الخضراء، فقد كتب (ناطق فرج) يقول: (هذه ليست تهمة جديدة يا افندينا، إذ أن خيرة مفكرينا اتهموا بالزندقة وقتلوا وأحرقت نتاجاتهم الفكرية بسبب اختلاف الرأي، واختلاف الرأي عند ملة العربان نقمة)، وفي تعليق آخر قال: (إذ ألقي نظرة سريعة أخرى على بعض التعليقات حضرني بيت للمتنبي يقول فيه: ذو العقل يشقى في النعيم بعقله، واخو الجهالة في الشقاوة ينعم).

الثالث: النقاش الموضوعي وتقديم المعلومات

أصحاب هذا التيار على قلتهم فهم ممن يبعثون الأمل أنه ما زال لدينا عقلاء موضوعيون يختلفون معك في الرأي على قاعدة (الخلاف في الرأي لا يفسد المودة بين الناس)، وقد عبّر عن ذلك من كتب بتوقيع (بهاء) وكأن أحيانا للشخص نصيب من صفات اسمه، إذ قال: (أرفض نظام الحكم المرتدي عباءة الدين وبالتالي أقف ضد صيغة الحكم الإيراني الذي لم يكن أسوأ من حكم الشاه، كما أرفض ألعاب نجادي الاستفزازية، لكن الأمانة العلمية يا سيد أبي مطر تقتضي منك أن تقول أن نجادي أتى بانتخابات حرّة مباشرة من الشعب، وأن إيران أعجز اقتصاديا وعسكريا أن تشكل خطرا حقيقيا على المحيط العربي مقارنة بتنفيذ التهديد من قبل أقوى قوتين عسكريتين أمريكا وإسرائيل، أما كلمات رئيس الجامعة فهي كلمات قليلة الأدب ومعيبة بحق الجامعة أولا.......أخيرا د.أحمد تتجه كتاباتك كثيرا نحو المواقف العاطفية الشخصية وهذا خطر على الكاتب إن كان يبغي صفة الحياد والمصداقية). وهناك زميل آخر هو الطبيب العراقي الدكتور (أحمد حسن) المقيم في النرويج، وقد راسلني عبر البريد الشخصي مبديا عدم موافقته على غالبية ما طرحته في المقالة، ومقدما العديد من المقالات لأسماء معروفة تشيد بدور إيران ودعمها للقضية الفلسطينية، ودفعها عشرات الملايين من الدولارات لحركة حماس،مركّزا على إحياء يوم القدس العالمي منذ ثمانية وعشرين عاما وخاصة آخر يوم الاسبوع الماضي حيث كرر أحمدي نجادي نفس أطروحاته حول المحرقة اليهودية متعهدا بأن إيران سوف تحرر فلسطين كاملة دون أن يحدد متى، مقارنا هذا الصديق مواقف إيران الثورية هذه بصمت الأنظمة العربية وخيانتها للقضية كما يرى، وكل ما سبق يرسله في جو من الموضوعية والاحترام والنقاش الهادىء معربا عن استعداده للقاء لمزيد من النقاش يستفيد منه كلانا. وقد كان فعلا مثالا لما ينبغي أن يكون عليه نقاش المختلفين كي يصلوا على الأقل لقواسم مشتركة في بعض القضايا ويبقى الباقي ضمن خلاف الأحبة والأصدقاء.

والآن.. ما موقفي شخصيا وبصراحة بعيدا عن بريق الدولارات الخضراء؟

في البداية أنا لا أوافق ولا أقبل الألفاظ النابية التي وجهها رئيس جامعة كولومبيا للرئيس أحمدي نجادي، فهي لا تليق بأكاديمي مثل رئيس الجامعة ولا بضيفه مهما كان مستوى الخلاف معه ولا بالمكان الذي هو جامعة عريقة محترمة، وأنا لا موقف عدائي مسبق عندي من النظام الإيراني بدليل أنني عندما كنت مدرسا في جامعة البصرة عامي 1980 و 1981، أي أول عامين من الحرب العراقية الإيرانية، كنت ضد تلك الحرب لأن صدام هو الذي افتعلها بدون مبررات واقعية، ورفضت بحسم الكتابة والتصفيق لما أطلق عليه (قادسية صدام)، لذلك تركت العمل في الجامعة وغادرت إلى بيروت بدون الاستقالة المسبقة من الجامعة كي لا ينكشف أمري وأتعرض لعقوبة صدام التي كانت آنذاك الإعدام فقط بتهمة جاهزة هي العمالة للفرس المجوس. ودليلي على ذلك أنني في عام 1994 كتبت موقفي هذا علانية في جريدة (عرب تايمز) الورقية الصادرة في هيوستون بالولايات المتحدة الأمريكية، ولأنني مقتنع بما كتبت آنذاك فقد وثقت هذا في موقعي على الانترنت الذي افتتحته قبل عامين تقريبا:
www.dr-abumatar.com
ويستطيع من يريد التأكد من كلامي هذا أن يعود للموقع، ويفتح زاوية (المقالات) فتظهر أمامه (مقالات عرب تايمز) وعند استعراض عناوين المقالات سيظهر أمامه مقالة طويلة بعنوان (دراسة في ملف صدام حسين السياسي)، وسيرى من يقرأ هذه المقالة الطويلة أنني استعرضت ملف صدام السياسي منذ أن استولى على السلطة وتوقيعه على اتفاقية الجزائر عام 1975 مع شاه إيران متنازلا له عن نصف شط العرب مقيما معه أفضل العلاقات طوال السنوات التي أعقبت توقيع الاتفاقية، ثم قلت حرفيا: (وفجأة في الشهور الأخيرة من عام 1979 تمكنت القوى الإسلامية الإيرانية بقيادة آية الله الخميني من منفاه في باريس من الإطاحة بنظام شاه إيران وهروبه من عاصمة إلى أخرى إلى أن وافق السادات على إقامته في القاهرة، ووصلت طائرة الخميني إلى طهران معلنا قيام الجمهورية الإسلامية في إيران، وكان أول قرار اتخذه الخميني هو قطع العلاقات مع إسرائيل وتحويل مقر السفارة الإسرائيلية في طهران إلى سفارة لدولة فلسطين في طهران. وكان من المنطقي والطبيعي قيام علاقات أوثق بين نظام صدام ونظام الخميني لأن من استطاع التعايش مع نظام الشاه الرجعي العميل لأمريكا وشرطيها في المنطقة، من الأسهل له وعليه أن يتعايش مع نظام إسلامي أعلن معاداته لإسرائيل وأمريكا....فماذا فعل صدام؟.)، ثم استعرضت تلفيقات مخابرات صدام للعديد من التفجيرات في داخل بغداد ليتخذها ذريعة لشنّ حربه ضد نظام الخميني لمدة ثماني سنوات التي دمرت قدرات البلدين البشرية والمادية.

إذن ماذا استجد على موقفي هذا؟

فقط هو استمرار نظام الخميني في نفس ممارسات الشاه فيما يتعلق بجواره العربي، وتحديدا احتلال الأحواز العربية والجزر العربية الإماراتية، مما جعلني أتساءل: إذن هل قطع العلاقة مع إسرائيل يبرر التغاضي عن استمرار هذا الاحتلال، ومن حين إلى آخر التهديد بإعادة احتلال البحرين التي اعترف الشاه باستقلالها رضوخا لإرادة شعبها في استفتاء عام؟. وهذا ليس موقفي وحدي فهناك العشرات من الكتاب والسياسيين العرب، والعديد من المنظمات السياسية الأحوازية في داخل إيران وخارجها لهم نفس الموقف، بل أن بعض المنظمات الأحوازية تقوم بأعمال عسكرية في الداخل ضد الجيش وقوى الأمن الإيراني، وهناك حملة اعتقالات إيرانية مستمرة ضد النشطاء الأحوازيين، وقد تم تنفيذ أحكام الإعدام في العديد منهم السنوات الثلاثة الأخيرة فهل كل هؤلاء عملاء وخونة يقبضون دولارات خضراء؟ وكذلك الجمعية العامة للأمم المتحدة فقد تبنت قرارا في ديسمبر 2006 يعرب عن القلق البالغ تجاه قائمة طويلة من انتهاكات حقوق الإنسان في إيران، واتهم القرار (السلطات الإيرانية بمضايقة وترويع وقمع ناشطين حقوقيين وصحافيين وأعضاء بالبرلمان وطلبة ورجال دين وأكاديميين ومدونين على شبكة الانترنت) و أن (النظام القضائي الإيراني فشل دوما في الوفاء بالمعايير الدولية وندد بالتنفيذ العلني للعقوبات في إيران واتهم السلطات الإيرانية باللجوء إلى التعذيب والتمييز ضد المرأة والفتيات والأقليات العرقية والطائفيه).

عرب مختلفون على البديهيات... فهل هم أمة عربية واحدة؟

وهي معركة محتدمة بين تيارين عربيين، أحدهم لا يعترف بأن الأحواز عربية أساسا فكيف هي محتلة، والثاني يعتبرها أرضا عربية تمّ احتلالها عام 1925 ولا بد أن يتمّ تحريرها، ومن أوضح من عبّر عن التيار الأول (بلال نعيم) مساعد رئيس المجلس التنفيذي لحزب الله الشيعي اللبناني، فقد كتب مقالا في جريدة الأخبار اللبنانية قبل أيام قليلة:
www.al-akhbar.com/ar/node/8842
أطلق فيه على إقليم الأحواز العربي اسم (خوزستان الإيرانية) وأن هناك مخطط مشبوه لتحويلها إلى دارفور ثانية، ومما قاله حرفيا: (...مع اختلاق الأكاذيب وتضخيم الوقائع والمبالغة في التوصيف مع حشد من العملاء وصناعة بعضهم، مع استخدام كل الوسائل الإعلامية والدعائية على نحو واسع، مع استمالة بعض المثقفين والكتاب والشخصيات للترويج لمشروعهم مما يؤسس لأزمة فعلية في خوزستان ليست واقعية ولا فعلية). وقد ردّ عليه بعنف من التيار العروبي الثاني أكثر من كاتب، هاجموه بعنف خاصة في موقع (المركز الإعلامي للثورة فقد ردّ عليه بعنف شديد (محمود أحمد الأحوازي) تحتwww.alahwaz.org الأحوازية)
عنوان (الأحواز ليست خوزستان الإيرانية و الأحوازيون ليسوا عملاء لأمريكا كفى ارتزاقا)، ومما ورد في رده: (لو كان هذا الموقف خرج من منتمي مشبوه في انتمائه لحزب الله أو من مناصر منزعج من العرب والعروبة أو حتى من عضو بسيط لا يعرف ما يدور من حوله لما أغضب الأحوازيين، لكن عندما يأتي من هرم القيادة في حزب الله يترتب على الأحوازيين أخذ هذا الموقف في الحسبان، وإعادة النظر بما اتخذ الأحوازيون حتى الآن من مواقف تجاه حزب الله، ومن حقنا أن نتساءل: هل حزب الله بهذه المواقف لأحد أهم قيادييه أعلن الطلاق مع كل ما هو عربي؟ هل أعلن حزب الله انتماءه الفارسي والطائفي رسميا؟ كيف يمكن لتنظيم عربي أو حتى يدّعي أنه عربي تحرري ومقاوم، يهاجم شعبا ثائرا ويحاول أن يلوث نضاله ويتدخل رسميا لإعطاء شرعية للقمع القائم هناك بربط القضية الأحوازية بالأمريكان؟).وكاتب أحوازي آخر هو (أبو علي نيسي) كتب في نفس الموقع تحت عنوان (ردا على مقال المرتزق والطائفي نعيم)، وهناك كتاب عرب منهم (يوسف عزيزي) الذي هو متخصص في الشأن الإيراني يكتب حاليا في إيلاف حلقات بعنوان (العرب في عيون الفرس)، فهل كل هؤلاء عملاء خونة يقبضون الدولارات الخضراء؟
لذلك واستنادا لما سبق وكله موثق كما ذكرت فأنا لا موقف عدائي مسبق لي من النظام الإيراني، وخلفيات موقفي الذي ذكرته يشاطرني فيه العديدون من الكتاب والسياسيين العرب، فهل يريد التيار المدافع عن إيران أن نقايض الخطابات البلاغية في يوم القدس وضد المحرقة اليهودية بالتغاضي عن الاحتلال الإيراني لأراض عربية؟ وهل من المنطقي أن تنسينا مظاهرات الإيرانيين في يوم القدس قمع مظاهرات عرب الأحواز المطالبة بحقوقهم المشروعة؟. هذه هي المشكلة أيها الإخوة يا من تدافعون عن إيران، مشكلة مبدأ وليس حقدا شخصيا، فهل من المنطقي أن كل من يخالفكم الرأي عملاء يقبضون بالدولار الأخضر؟ وهل تقبلون أن يقال عنكم أنكم عملاء تقبضون ب (الريال) و (التومان) الإيراني؟. لكم قناعاتكم ولنا قناعاتنا وفي النهاية لا يصحّ إلا الصحيح.
[email protected]

أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونيه