quot;حيثُ يقود العقل نحو ساحاتٍ أفسح من الفكر والعمل
تحت سماء الحريّة تلك... يا إلهي... أيقظ وطني quot; طاغور
لا يزال مفهوم المواطنية في الدول العربية مفهومًا quot;هلاميًاquot; تحيط به الضبابية الكثيفة، فالمفاهيم تتكون وتتبلور عبر تراكم التجارب الإنسانية، وهي تخضع لقانون تطور المجتمعات والثقافات، وهي ترتبط بشكل مباشر وعضوي بمنظومة القيم والأعراف السائدة فيها، علاوة على بنية النظام السياسي الخاص بكل دولة ومجتمع.
إن مبدأ المواطنية بما يحمله من مضامين ديموقراطية حديثة، تشكَّل مع ظهور العلمانية وهو يستند اليها بشكل مباشر، وبما أن معظم الدول العربية تتعاطى بحساسية بالغة مع موضوع العلمانية، لا سيما في أوساط المؤسسات الدينية، فإنه بطبيعة الحال يبقى مفهوم المواطنية غير واضح المعالم، لذلك تظهر صور التناقض الصارخة في المجتمعات العربية لا سيما تلك التي تتشكل من تعدديات دينية او عرقية مثل لبنان والعراق وغيرهما، حيث تلعب الطائفية السياسية الدور الأبرز في بنية النظام السياسي فيهما.
وتكمن حقيقة الاشكالية في جدلية العلاقة بين مفهوم السلطة، أو ما يُعرف بالنظام الرسمي الحاكم من جهة، والمواطن والشعب من جهة أخرى.
وعند تحليل الخطاب السياسي الرسمي المنتج حول مفهوم الشعب أو المواطنين في العالم العربي، نجد أنه خطاب في مجمله طائفي عنصري أو فئوي يميّز علنًا أو ضمنًا بين أبناء الشعب الواحد، لأنه يرتكز على مطلق السلطة المتمثلة بquot;الزعيمquot;،أوquot;الرئيسquot;، أوquot;الملكquot;... ويضعه في مقابل quot;المواطنquot; او quot;الشعبquot; او quot;الرعيَّةquot;...
وحين تُحدد العلاقة هذه على انَّها علاقة متقابلة او متعارضة، فإنه يَلزم منها حتمًا خُضُوع أحدهما للآخر، واستسلامه له، والدخول quot;طوعًا أو كرهاquot; الى دائرة النفوذ المطلق للزعيم، ومن ثمَّ يُقدَّم هذا التَصَوّر للشعوب على أنه قدرًا حتميًّا ميتافيزيقيًّا لا يمكن الفكاك منه بحال من الأحوال، لذلك فانّ الطرف المهيمن المتمثل بالسلطة ينتج بشكل دائم خطابًا عنصريًّا تجاه شعبه ومواطنيه ويصبح هذا الخطاب هو المتداول اعلاميًّا....
لذلك فإن علاقة المواطن العربي بالمؤسسات الحكومية ترتكز على الخوف والاضطهاد، لذلك فإنه لا يرى في جهاز الشرطة او جهاز الأمن جهاز حماية له، بل جهاز قمع ليس إلا، وتصبح فعالية الشعب في هذه الأنظمة فاعلية هامشية ولا تكتسب دلالاتها الا من خلال سلطة هذا النظام.
حيال هذه العلاقة المأزومة وتجاه هذا الواقع فإننا نطرح إشكالية مفادها: هل أن المواطن في الدول العربية مواطن مستوفي الشروط؟؟؟ هل نحن مواطنون حقًا؟؟؟
وإذا ما استعرضنا الأسس البنيوية للمواطنية فإننا نجدها غير مستوفية الشروط في معظم الأنظمة في الدول العربية ، فالدول العلمانية التي أسسّت لثقافة ديموقراطيات حقيقية، انطلقت من مبدأ الحرية الحقيقية والمساواة الفعلية، ولعل أهم أركان المواطنية تتحدد بالتالي:
bull;المواطن هو مصدر السلطة وهو الذي يمنحها الشرعية، لأنه هو الذي يحدد ممثليه من خلال الانتخابات الفعلية الحقيقية العامة، وحال المواطن العربي مقلوب فالسلطة هي التي تمنح المواطن الشرعية، ولا وجود لانتخابات حقيقية على الاطلاق، فكلها لا تتعدى كونها مهرجانات شكلية.
bull;أن المواطن هو المستند الشرعي للحكومة والقوانين التي تصدر عنها، والمواطن العربي لا مكان له في السلطة التشريعية على الاطلاق لان هذا الامر موكل لأفراد يعملون على تملق الزعيم ووضع القوانين التي تلاءمه وتشرع وجوده وتمنحه الإستمرارية، فالدساتير العربية والقوانين مفصّلة على مقاس quot;المسؤولquot; ...
bull;يتمتع جميع المواطنين بنفس الحقوق كما يتساوون تمامًا بالواجبات، ودون تمييز سواء كان تمييز عشائري ام طبقي ام مذهبي ام ديني، وذلك وفق المعايير التي حددها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ووفق معايير المواثيق الدولية.
أمام العناصر آنفة الذكر نجد ان المواطن في معظم الأنظمة العربية مواطنا غير تامّ سواء على المستوى النظري او في مجال التطبيق والممارسة العملية.
إن عملية إصلاح الخلل، لا تتم الا من خلال قرار سياسي جاد، وارادة اصلاح حقيقية، تبدأ من إصلاح الدساتير الجامدة وإعادة تأويل النصوص، فمَشروعية النصوص الموجودة حاليًّا عليها مئة علامة استفهام، وهي تحتاج الى تفكيك نقدي جاد وعملية إصلاح جذرية؛ والتأسيس الحقيقي لديموقراطية ترتكز على الحرّية،وعلى رأسها حرّية الفكر والتعبير والمعتقد، وتهيئة المناخات الثقافية التي تسمح بالتعددية الفكرية الثقافية وتعايشها..
ومن المفارقات أن القرار الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 81 والمتعلق بتعزيز الديموقراطية وتوطيدها والصادر في الرابع من كانون الأول عام 2000، لاقى موافقة الدول العربية بالاجماع دون أن يُسجل أحد اعتراض عليه (1)، كما أن هناك العديد من الوثائق العربية التي تساهم في الاتجاه نفسه منها وثيقة بيروت وتونس ووثيقة مؤتمر صنعاء وغيرهم.
ويمكن ان نستشف من القرار المذكور نقاط اساسية يمكن الارتكاز عليها للانطلاق في المشاريع الإصلاحية أهمها: أن الديموقراطية ليست نموذج واحد عالمي، ولا بد من تقدير الخصوصيات بين الشعوب ودورها في رفد الفكرة الكونيه للديمقراطية، وأن هناك مشتركات في الحضارة الإنساني تقوم على تفاعل الثقافات وتشارك الفلسفات التي يمكن ان تكون مرتكز للتأسيس فكر كوني عن الديموقراطية.
كما أن للمجتمعات المدنية دورًا تكامليًّا مع الحكومات الإصلاحية من خلال العمل والبيئة التاريخية المحيطة بما يساهم في تطوير المحاسبة ومحاربة الفساد فتعاقب الحكومات الصالحة هو الطريق لتحقيق الديموقراطية.
1- تعزيز الديموقراطية وتوطيدها ndash;القرار: 2000/ 47 ndash;لجنة حقوق الانسان -الدورة السادسة والخمسين ndash; جامعة منيسوتا ndash; مكتبة حقوق الإنسان.
[email protected]
http://marwa-kreidieh.maktoobblog.com
أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونية
التعليقات