(حتى اللصوص بحاجة إلى العدالة في تقسيم الأسلاب)
سقراط
في أشد حالات التشاؤم، يبقى الأمل حاضرا. ما بين التعصب والطائفية، وما يتبعها من تصفيات عرقية وطائفية، تكون صورة العراق في أشد حالاته وهنا وتوزيعا.فيما يبقى السؤال شاخصا وسط كل هذا الخراب والترويع، هل يمكن الوقوف عند تتبع خيط الدم؟ أم أن هناك خيوطا أخرى للتراجيديا العراقية؟ وهل يفقد العراق دما فقط، أم أن نزفه راح يتبدى على المستويات المختلفة، يبزها جميعا (النزيف الأخلاقي). هذا بحساب أن خراب البيوت والمشاريع والمؤسسات والدول، هين، إذا ما قيس بخراب النفوس، هذا الذي يعز على البناء والإصلاح. فقد يمكن أن يتم التطلع نحو إحداث برنامج للنهوض بمشروع دولة، عبر خطة تنموية شاملة، أو الاستناد إلى مشروع تحديثي، أو الاعتماد على خبرات ومساعدات خارجية، لكن الطامة الكبرى تبقى في الخراب الكامن في النفس، تلك الجرثومة التي راحت تتغلغل في صلب النسيج العراقي، لتثير المزيد من الخشية والخواف من القادم الآتي من الأيام!
هاهو العراق اليوم يعيش لحظات التصفية، في لذة بات يتعشقها القتلة، فيما يكون التمفصل عند القتلة الرسميون، باعتبار النظام الدكتاتوري السابق، الذي راح البعض الكثير يحملونه المجمل من خرابهم وفسادهم وأحقادهم وضغائنهم.، وقتلة القطاع الخاص، أولئك المتبرعون بإنشاء دوريات التفتيش، بحثا عن أسماء بعينها. أو الموجهات التي راحت تمثلاتها تتبدى في صورة الفساد والرشوة والمحسوبية والوعود الزائفة، والنهب المنظم لثروات البلاد.
على مدى تجربة السبعة و ثلاثين عاما من عمر النظام الشمولي، كانت تتم مأسسة التعصب والتنكيل والإقصاء والتهميش، فيما ابرز منجز السنوات الخمس اللاحقة من المقرطة الشوهاء، عن خصخصة التنكيل والاضطهاد، بات فيها الجميع سادة أنفسهم، ولكنها سيادة من نوع خاص قوامها (ألعب لو أخرب الملعب) تارة، و(أنا ومن بعدي الطوفان) دائما! إنها ثقافة ردة الفعل والثأرية الطاغية على الوجوه الراعدة المدمدمة، والمتوعدة بالويل، شموليتان بدلا من شمولية واحدة. فإذا كان بإمكان المواطن أن يتحاشى أجهزة القمع السلطوي، باعتبار الشرطة الفعالة، والحزب الواحد والأيديولوجيا الراديكالية، فإن فوضى التدبر والتبصر الراهنة في الحادث العراق، راحت تشير إلى المزيد من المعاقبة والمراقبة، تلك المنفلتة العقال، حيث الجميع يراقب، و الجميع يعاقب، والجميع الجميع يتصدى و يتحدى ويناضل على طريقته الخاصة ووعيه الخاص وتمثلاته الخاصة. إنه زمن الخصخصة العراقي في البتر والقطع وجدع الأنوف وقطع الرقاب ومنع الناس من ممارسة آدميتهم.
بين حدي الدكتاتورية الماضية والمقرطة الراهنة، عاش أو يعيش العراق، لحظات غياب الانتخابات، لكنه تمكن من توفير الحد الأدنى من الرعاية الصحية والتعليمية والاستقرار، وكان يجروء على الحديث عن الخير العام، فيما يتصدر السؤال اليوم في الراهن العراقي، عن الشخصية السياسية القادرة للتصريح عن موضوعة الخير العام؟! هل هي الأزمة النظرية التي تعتصر الواقع، هل هي المدركات الذاتية وشخصنة مشروع السياسة، هل هو البحث عن الزعامة ؟! المدهش في الأمر أن مشروع البحث عن الزعيم، راح يفصح عن أس التناقض في الكوميديا السوداء العراقية، فالجميع لا يسعى إليها، لا زهدا بها معاذ الله!! ولكن عبر تمثل شديد الوعي والتقمص، بتحول مفهوم السلطة، هذا بحساب، إذا كان النظام السابق قد تمثل المنظومة الفكرية لمؤلف الأمير، لصاحبه ميكيافيلي، فإن مدركات سياسيي عراق اليوم باتت تعتاش على منظومة ألفن توفلر،في مشروعه الفكري حول (تحول السلطة)، تلك التي يصنفها في ثلاثية (العنف، الثروة، المعرفة)، وعلى طريقة التمثلات المنقوصة، فإن الجمع منهم بات يتعشق (الثروة) بوصفها الطريق نحو الزعامة القصوى. و إذا كان سقراط قد أشار يوما إلى (حتى اللصوص بحاجة للعدالة، من أجل تقسيم الأسلاب)، فإن شهوة الملك لدى سياسيو الراهن باتت تقوم على منظومة الفرصة السانحة، حيث اللا أبالية في أقصاها، تلك التي راحت تتمثل في التغاضي والتجاوز، لكل هذا السيل من المقولات والطروحات التي يدبجها الكتاب والناقدون والمحللون والناقمون والناصحون والمرشدون.
لقد تمترس طاغية الأمس بأيديولوجية محددة،فيما ضاعت على مقراطيي اليوم الحسبة، هذا بحساب حالة التقاطع الفج مع بديهيات الوعي الديمقراطي المستند إلى (لا ديمقراطية من دون ديمقراطيين)، وغاب المجتمع المدني بالأمس، فيما أضحت مؤسسات المجتمع المدني اليوم مجرد لافتات يتم إلصاقها على بنايات تحتاج إلى الحماية المكثفة وتخشى غضب هذا الطرف وذاك. وعمد دكتاتور الأمس إلى ممارسة حضوره الثقيل على صدور المواطنين، فيما تركهم مقراطيو اليوم لقدرهم يعيشون تحت سطوة المفخخات والأحزمة والعبوات الناسفة وقطاع الطرق واللصوص والحواسم والهاونات. وتطلع النظام السابق إلى تحديد مسار المنافسة وتربصها لنفسه، فيما انفتحت المنافسة حتى وصلت على تأزم المناخ السياسي والاقتصادي و الاجتماعي، وخضعت مؤسسات الدولة السابقة إلى سلطة الرقيب الأيديولوجي، فيما برز بديلها المفجع في المحاصصة الطائفية والانتماءات الحزبية الضيقة، و نشر السابقون ثقافة الوشاية فيما جاء اللاحقون بثقافة الاستئصال والبتر والقتل. و روج السابق لتشويه صورة الحرية، فيما أثبت اللاحق عن قلة الحيلة والتردد والوهن والضعف المريب. و ادعى طغاة القطاع العام بأن البلاد والعباد غير مؤهلين لإدراك واستيعاب الديمقراطية، فيما جاء ديمقراطيو القطاع الخاص بتكييفاتهم الخاصة والتي لم تزد عن رهن البلاد للقدر الأعمى. (وجيب ليل وأخذ عتابة)
أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونية
التعليقات