quot;الكلام ليس مضرا بالعمل، إنما الضار عدم الاستخبار بواسطة الكلام، قبل الانطلاق في العملquot; (ثيوسيديس)

المشهد الأول
مساء ndash; داخلي؛ مواطن عراقي يجلس بين عائلته يتابع أحد المسلسلات الرمضانية، وفي ذروة الأحداث، ينقطع التيار الكهربائي، بتأفف يوجه أحد أبناءه لتشغيل المولد الكهربائي، وبعد لأيٍ يعود الفتى ليخبر أباه، أن وقود المولد قد نفذ.والخلف بالله.

المشهد الثاني
نهار _ داخلي؛ مواطن عراقي، يتقدم بطلب وظيفة، فيأتيه الجواب، أخي العزيز حصتكم من التعيينات انتهت.

المشهد)؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟)، باعتبار تعطل لغة الكلام.حيث الهذيان في أقصاه. مشاهد، يعوزها الحوار.إنها (سينما أونطه) على حد تعبير الأخوة المصريين، هذا بحساب اعتياد اللسان العراقي، على تكرار مفردة، الأخوة السنة، والأخوة الشيعة، والأخوة الأكراد، فيما يشير الواقع، إلى أخوة وحيدة فريدة، تتخطى كراهية الأخوة كارامازوف بسنوات ضوئية.من أية زاوية يمكن الاستهلال والبدء، في قراءة الحال العراقي، هذا الذي يعز على المقال، حتى ليحار المرء في البحث عن الوسيلة والأدوات والأسلوب، الذي يمكن من خلاله الوقوف على مدخل، يكون مفتاحا للوصف، بعد أن وصف الواصفون، وشرح الشارحون ولطم اللاطمون، وضجوا وبكوا وتنادوا و تصارخوا، ولكن من دون صدى حتى!
من يتفحص في الوضع العراقي الراهن، تجده وقد استحضر المجمل من المفاهيم المرتبطة بالسلطة وحالة الربط الصارم و الوثيق بموضوعة السياسة. إنه السؤال المتطلع نحو الوعي بالعلاقة القائمة بين الحكام والمحكومين وما يتخللها من البحث والسعي نحو الإمساك بخيط الشرعية، سعيا إلى تحقيق الحضور والهيمنة والسطوة، و محاولة تركيز مضمون السلطة في مفهوم السيادة. ومن السلطة إلى السيادة ينفتح السؤال الواسع في الوضع العراقي، حيث التداخلات المقلقة والمربكة، بين الشكل والمضمون، والجوهر والمظهر والممكن والمستحيل، وما يجره من عواقب تتمثل تفاصيلها في القاتل والمقتول، والنابذ والمنبوذ.

النوم في العسل
أيها العراقي الطيب، أيها الفرد، وليس المواطن، بعد أن سلبت منك آدميتك، وأمنك وطمأنينتك وفرحك وغضبك، وصلحك وسلامك، وحبك وأحلامك، وخصوصيتك ومناجاتك. نقولها لك، مرة وساخنة، (بالمناسبة ليست قهوة) ؛ (مش حتقدر تغمض عينيك!!)، لماذا العراقي لا يستطيع أن يغمض له جفن، هل من فرط المتعة والسعادة، كما جعلت تلك الفضائية العربية شعارها في الترفيه. أم من فرط الرعب والخوف من هذا الآتي على حين غرة، وبمفاجأة لا تخطر على بال أعتى مخرجي سينما الرعب. أيها العراقي المبتلى بالأباطيل، يا من وضعت تحت رحمة ملوك الطوائف، سلاما عليك وأنت تعيش لحظات الموت المجاني، وسفك الدماء والقتل على الهوية. سلاما عليك وأنت المضيع بين حد السلطة التي يتشبث بها من تشبث، بعد أن ذاق لذة أموالها، وما رأى من هيبتها شيئا، و حد السيادة الضائعة بين زحمة الأوهام وتزاحم المزايدين، أولئك الذين يتناطحون ويتنطعون ويتقولون ويتبرلمون (من البرلمان).
المعاني تلك الضائعة، في غياب العقل، فيما تتبدى القوى الفرعية جاهزة تتناخى و تتداعي وتهلل، حتى يصدق فيها القول العربي المأثور(أسمع جعجعة و لا أرى طحنا). كيف للمعنى أن يستقيم فيما تغيب الموازنات، تلك التي تستمد معانيها الأصيلة من الإرادة، وأي قيم يمكن إنتاجها في ظل غياب المعايير و تلوث الأهداف، وأي حلول ممكنة تنبئ بها القادمات من الأيام، والجميع (لا يستطيع أن يغمض عينيه)، (حكاما ومحكومين) فرقا ورعبا وخشية وتهديدا.

الجاهز والتفصيل
الحرية والمساواة، كلمتان سحريتان، ما انفك علماء ومنظرو السياسة من التمسك بهما، بدءا من المواطنة الإغريقية بتمثلاتها الخاصة، وصلا إلى الثورة الفرنسية، فكيف بهما في العراق الراهن؟ وأين يمكن ترصد نظام الأفعال، وكيف بالطريقة التي تحدد وظائفه؟ أين هي المعايير والقيم والمعرف، وأين هي التبادلات الاجتماعية، باعتبار الإمكانية التي تتبعها نحو خلق التوازن والتكامل؟ وما هو الممكن المتاح نحو تعبئة الموارد، وأين هو التكيف الممكن الذي يمكن عبره أن يكون الوقوف على تنظيم طريقة الاستعمال. وإذا كانت النماذج المعرفية تقوم على العلاقة المنطقية، ذات القوام الذي يبدأ من ؛(المعرفة نحو التراكم فالوقوف على النموذج الثقافي)، فإن عراق الراهن راح يبدأ من تكريس النموذج الجاهز والإدراك المسبق، والذي يراد له التطبيق على المجمل من التفاصيل العراقية،حيث الثأر والفزعة والاستئصال والاجتثاث والإلغاء والمحاصصة!!! تلك الحال التي تذكرنا بمن جاء إلى الخياط حاملا (زرا- Button ndash; دكمة بالعراقي) أعجبه، ليطلب من الخياط تفصيل بدلة(أو بالأحرى قبوط!!!!) بناء على الزر ومكوناته اللونية و التكوينية!!!!!

التزامن والتعاقب
الحرية في عراق اليوم، نوعها خاص جدا، الجميع أحرار في الخوف والفوضى والنهب والتجاوز، وحمل السلاح و خرق القوانين، أو (ما تبقى منها). وزرع المفخخات والاعتداء على المرافق العامة والفساد الإداري والرشوة والمحسوبية وانعدام النزاهة، وإطلاق الوعود، والتدجيل والزيف والنفاق، أحرار في استقبال الموت وانعدام الخدمات((لكم داد المجاري والمزابل، فدوة لعينكم سوولها جارة!!!! و عوافي عليكم كل شيء!!!!!!!)) والظلام الدامس وحظر التجول، أحرار في منع الناس من الذهاب إلى الجامعة أو العمل وقطع الطريق على الآمنين، وخطف أطفالهم وقطع أرزاقهم ومحاصرة أحلامهم وامتهان كرامتهم، أحرار في حمل المختلف من بطاقات الهوية، تجنبا للحظة عاثرة قد توقع البعض منهم(وهم كثير) تحت رحمة سيطرة يراد لهذا المسكين أن تتطابق هويته مع هوية المسلح الملثم. الساعي وبحرية يحسد عليها في تطبيق شريعته الخاصة. وتلك لعمري ولاية بطيخ التي أسس لها الفيلسوف ((جواد قنقينة))، أستاذ كرسي دراسة الحريات والمساواتية، في مقهى عباس الأعرج.
المساواة العراقية، خاصة ومميزة بل (ما كو مثلها) فقوم الشكو ماكو أبدعوا في إنتاج مفهوم جديد للمساواتية، عز على سقراط و أفلاطون و أرسطو و دانتي و ميكيافيلي و جون لوك و مونتسكيو و ديفيد هيوم. ولا نعلم أين نحن من هذه المأساة؟ مساواة في غاية الخصوصية، قوامها المساواة في استقبال الخطر للكبير والصغير، الأمير والغفير، لا فرق أبدا، ومن يزعم غير هذا فعليه أن يستغفر ربه.فالهاونات تساقط على الرؤوس جميعا، في زمان تساوي الرؤوس، وما في أحد أحسن من احد،((ولا أم تحن بكاك ولا خالة وياك داد حسن))، و((ربيتك صغيرون حسن))، ويبقى حسن بوصفه الرمز العراقي الخالد،و ما بين حانة ومانه، ولا أدري ما الذي حل وسيحل بلحانه(من اللحية))!!!!!!!!!! ومش حتقدر تغمض عينيك!!!!!! (وضيم لطم روحي)، وألف رحمة على روح موتاك، ياشوقي باشا حين تقول:
وقف الهدهد في باب سليمان بذلة
قال يا مولاي كن لي، عيشتي صارت مملة
ضقت من حبة بر أحدثت في الصدر غلة
لا مياه النيل ترويها ولا أمواه دجلة
فأشار السيد العالي إلى من كان حوله
إن للظالم صدرا يشتكي من دون علة

وحدك ملكت الروح يا ابن العشيرة!!!!!
علتنا سادتي الكرام، بالسياسيين الذين لم يعرفوا من السياسة، سوى عرض الأزياء، والتسابق على تنويع أربطة العنق، فيما ضربوا صفحا عن تنويع الاتجاهات والخيارات، أبدعوا في انتقاء خيرة وأرفع الماركات للبدلات الأوربية، فيما تغاضوا عن الخبرات والكفاءات. وتسابقوا في التقرب من الانتماءات الفرعية، وتناسوا أهمية الوحدة الوطنية، تلك التي غابت وماعت و ضاعت. تلاهثوا وراء الحصول على ألقاب الدكتور والأستاذ والـ.......، وكأن العالم يسير بالألقاب، فيما الكفاءة والخبرة كانت الغائب الأهم وسط الضجيج.
أصبحنا أصحاب القدر المعلى في هدر الطاقات، وترويعها وطردها وتهجيرها ونبذها وتهميشها وقتلها، والاستهتار بها. صارت بطولاتنا تتمظهر على التكنوقراط، أولئك الذين قتلوا وذبحوا، وهجروا، لا ذنب لهم سوى امتلاكهم الكفاءة والقدرة على التغيير، فيما يروم (الذين نعرفهم جيدا) أن يعود العراق القهقرى، وهاهو ذا يعود متقهقرا، حيث المليارات التي راحت تطيش في الهواء، وسط الاتهامات بالفساد والتهريب والسرقة العلنية واتهام هيئة النزاهة باللانزاهة، و هذا العراق الذي لا شعار فيه سوى (إلى الوراء در!!!!). قالها الأنثربولوجي العراقي الرائد شاكر مصطفى سليم في عموده الصحفي أيام الخمسينات من القرن الماضي، ولمح إليها داخل حسن، حين صدح قائلا؛ (لأهلنا مشينه بويه مشينه)، وأكدها مطرب المربعات فاضل رشيد حين قال(للفوال نوبه رحت بالجمعة)، ويبدو أن حل المعضلة العراقية، لم يعد ممكنا، سوى باللجوء إلى الفوال، وليس اللجوء إلى دول الجوار. هذا بحساب إن (الماء ماء والهواء هواء!!!!!)، إنها التراجيديا العراقية التي تدمي القلوب، تلك التي ضاعت فيها المعايير، ولم يعد يستبان فيها شيئا، و آه كم آه!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!، ولك أيها الطباع أن تزيد من علامات التعجب، تلك التي أثخنت بها عين القارئ.