المثلث شكل هندسي بسيط مكون من أضلاع ثلاث، تصل بين نقاط ثلاث، وتحدد بدورها زوايا ثلاثا.
ولكن للمثلث قوى تتجاوز الحيز المحدود، الذي يرسمه على الورق..
وعلم المثلثات الذي يعني بتبيين النسب بين أضلاع المثلث وزواياه، هو نسر خرافي القوة، ذو جناحين، يحلق بنا فوق قمم الجبال الشامخة، لنعرف ارتفاعها، وحدودها وسفوحها، و كي نرسم الخرائط، ونحدد المواقع، ونتوقع بخطأ لا يذكر مواقع القذائف والأهداف، وإنه كذلك يجوب بنا الفضاء لنعرف ارتفاع الشمس، وطول السنة، وأوقات الصلاة، واتجاه القبلة.
هذا المثلث يأتي بالعالم بين أيدينا، ونحن لم نبرح مكاننا.
وسر المثلث وقوته ليست محصورة في الآفاق، من علوم الفلك والجغرافيا فحسب؛ بل وفي الأنفس أيضا، من علم الاجتماع والفلسفة والتاريخ والنفس والأديان..
فالجمال مثلا وللغرابة؛ يحدده الفيزيائيون بدقة ضمن حدود المثلث ذو النقاط الثلاث؛ من:
بساطة وتناسق وروعة أو تألق...
ويلخص أينشتاين الجمال فيقول quot; النظرية تكون أدعى إلى إثارة الإعجاب كلما كانت مقدماتها أبسط، والأشياء التي تربط بينها أشد اختلافا، وصلاحيتها للتطبيق أوسع نطاقاquot;
واليوغا وهي علم منبثق من المعرفة الهندية القديمة، يعني الاتحاد بين نقاط ثلاث: هي الجسم والعقل والله، والكلمة أي كلمة اليوغا مشتقة من اللغة السنسكريتية.
وفلسفة اليوغا تقوم على بصيرة نافذة، في جوانب الحياة الروحية والعقلية والجسدية، وتمكن الإنسان من تطوير سيطرته على الجانب المتحرك من قواه، ويستعين بها خبراؤها، لمساعدة بعض الناس للشفاء من ارتفاع ضغط الدم والقلق والكآبة، بدءا من تنظيم التنفس، وحتى السيطرة على آلية التنفس، والعيش بدونه لدقائق طويلة...
وفي علم الاجتماع؛ نرى أن عجلة تطور الأمم لا تتم صناعتها إلا عن طريق مثلث من: الأمن والعدل والحرية....
والناس في جهودهم مثلثات تتصل بمن سبقها، وستعطي من يليها..
والزمن مثلث بعناصره من ماض وحاضر ومستقبل؛ فكل حدث هو نتيجة لما قبله، في نفس الوقت الذي هو سبب فيما سيأتي بعده..
وكثير من الفنانين والمهندسين لدى اطلاعهم على كتاب التصوير بالكلمات الذي كتبته منذ سنوات، قد أضافوا إليه في أبحاثهم بعد أن استفادوا منه وأفادوا.
وقد تكلمت في مقدمة الكتاب عن سر المثلث؛ كحلقة ربط بين جهد الدنيا، وفوز الآخرة، وبهذا المعنى جاءت آيات من سورة آل عمران:
إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب. الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم. ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار...
والآيات ترسم نقاط ثلاث من استقبال واستجابة واتصال...
والاستقبال؛ هو تأمل مشهد السموات والأرض، ومراقبة اختلاف الليل والنهار، وهو معرض مفتوح لكل البشر.
والاستجابة تكون لأولي الألباب الذين ينتقلون من مرحلة المراقبة إلى حال الإبداع والإنتاج والعطاء.
والاتصال هو الإعلان النهائي الذي يأتي نتيجة التأمل ثم التفكر، ويختم العمل بالدعاء quot; ربنا إننا سمعنا مناديا للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا... ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار...
وليست بالضرورة أن تختتم الأعمال بالاتصال، وهنالك البعض من الناس من يعتمد التأمل وهو الاستقبال، ويقف في ذلك الموقع فلا يبرحه، ويكتفي بدور المتفرج في الحياة...
ومنهم من ينتقل من تأمل إلى استجابة؛ فيقدم عملا من علم أو فن، ولا يعتقد أن اتصاله ضروري...
ولكن عندما ينتفي الاتصال، تبقى النقطة الأخيرة مفقودة في المثلث، ويبقى ضلعاه ممتدان إلى ما لانهاية من خواء روحي، وقد ينتهي إلى قلق وضياع، وهذا ما كان من أمر الكثير من الفلاسفة والفنانين، الذين ماتوا إما بجرعات عالية من المخدرات أو بالانتحار!!
إن العيش ضمن حدود المثلث، يعني العيش ضمن حيز من سعادة الاستقبال وفائدة الاستجابة وطمأنينة الاتصال...
أليس العيش في حدود المثلث عيش جميل؟
أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونية
التعليقات