من مفكرة سفير عربي خليجي باليابان

كتب الدبلوماسي والشاعر العربي نزار قباني قصيدته المشهورة quot;متى يعلنون وفاة العربquot; يقول: quot;أنا منذ خمسين عاما...أحاول رسم بلاد العرب...رسمت بلون الشرايين حينا...وحينا رسمت بلون الغضب...وحين انتهى الرسم، سألت نفسي: إذا أعلنوا ذّات يوم وفاة العرب...ففي أي مقبرة يدفنون؟ ومن سوف يبكي عليهم؟ وليس لديهم بنات..وليس لديهم بنون...وليس هنالك حزن، وليس هنالك من يحزنون!!! رأيت العروبة معروضة في مزاد الأثاث القديم...ولكني ...ما رأيت العرب!! quot; .ولقد عاشت اليابان إرهاصات مماثلة لتاريخنا، فقد حارب البعض وبشراسة لإفناء العرق الياباني، وقد أعلنوا وبنشوة وفاة اليابان بعد إلقاء القنبلتين النوويتين، وبدون إنذار. فلندرس التاريخ الياباني لنكتشف كيف أنقذ شعبها وفاة اليابان، لعلنا نستفيد للوقاية من إعلان وفاة العرب.
في الثالث من شهر يناير 1868 ألغي نظام أمراء الشوجن وقام شباب السموراي ببتعزيز نظام الحكم الإمبراطوري و قووا سيطرتهم على حكومة البلاد. وسمي الإمبراطورالجديد بماتسوهيتو، وكان شابا لم يتجاوز الخامسة عشرة من عمره، وقد عين بعد وفاة والده بطريقة غامضة، واتهمت بعض العناصر المناوئة بتسميمه. وبدأت خلايا المقاومة ضد التغير الجديد. وأصبحت مدينة ايدو مركز المقاومة ضد الإمبراطور، وأستقر أنوموتو تاكاكي في مقاطعة هوكايدو ليقيد المقاومة. وحاول إعلان جمهورية جديدة منفصلة، وحصل الاعتراف من الأمريكيين، ولكن انتهت محاولته بالفشل. وفي عهد الإمبراطور الجديد الذي سمي بعهد ميجي، وتعني عهد التنوير، برزت اليابان كأمة قوية، وأنهي نظام الإقطاع وألغيت طبقة العسكر السموراي، وشكلت حكومة مركزية قوية. وبدأت التطورات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية . وفي عام 1881 أنشاء الحزب الديمقراطي اللبرالي وتلاه بعد عام إنشاء حزب الإصلاح الدستوري. وبدأت المعارضة تتهم الحكومة بإبقاء السلطة المطلقة في يدها، وباسم الأمبراطوز. وأستمر الشعب الياباني العمل بجد واجتهاد، وسجل انتصارات كبيره في الإنتاج، واشتدت المنافسة مع الغرب. وفي عام 1909 كتب المؤلف سورو كارا يقول quot;أنظروا لليابان.....تحاول جاهدة أن تشق طريقها لتكون قوة عالمية.......فهي كضفدعة تحاول أن تنمو لتكون بحجم البقرة.....وطبعا ستنفجر.....هذا الصراع يؤذيني ويؤذيك.....فليس هناك وقت للاسترخاء.quot; والسؤال هل فعلا ستنفجر؟
وفي عام 1912، خلف الإمبراطور يوشيهوتو والده، بعد موته من أختلاطات مرض السكري. ولم يكن الإمبراطور الجديد بصحة جيدة، فقد أصيب بالتهاب السحايا في صغره، وكان دائم المرض، وساءت حالته، فاستلم أبنه هيروهيتو الحكم في عام 1921. ثم توج إمبراطورا بعد وفاة والد ه في عام 1926. وقد سمي عهد الإمبراطور الجديد بعهد السلم المجيد، ولكنة كان في الحقيقة حقبة حروب متتالية. فقد وافقت اليابان أن تكون حليفة بريطانيا في الحرب العالمية الأولى، ولكن لم يكن لها دور يذكر في الحرب. فاستغلت الفرصة بانشغال الحلفاء بالحرب لتغزو الأجزاء المحتلة من قبل ألمانيا من الصين، بالإضافة للجزر المحتلة من قبل الألمان في المحيط الهادي. وقد كان انشغال الحلفاء بالحرب فرصة لنمو الاقتصاد الياباني. وبعد انتهاء الحرب تدهور الاقتصاد الياباني، وزادت النقمة ضد فساد ما سمى بالديمقراطية الغربية، كما دعي العسكر بضرورة التوسع في الدول المجاورة لتوفير الموارد الطبيعية اللازمة. ففي عام 1931 فجر الجيش الياباني حافلة قطار واتهموا الصينيين ليقووا قبضتهم على منطقة منشوريا في الصين. وسيطر العسكر على البلاد وبدون رقيب، مبررين تسلطهم لحماية اليابان من المستشارين الشياطين الذين يحومون حول الإمبراطور، ولإنقاذ البلاد من السيطرة الغربية الفاسدة. وكانوا يؤمنون بأن الإمبراطور يجسد الإله، وهو سليل الإله أماتراسو، وشعبه أبناء الإله، واليابان هي أرض الاهه الالهه. وقد بدأت ظهور أفكار فلسفية لتبرير التوسع لحل مشكلة زيادة السكان. حيث لم يسمح الغرب لليابانيين بالهجرة أو المتاجرة في السوق الدولية. وقد أعتقد البعض بضرورة الحرب لتخليص العالم من السيطرة الغربية وبالأخص الأميركيين. كما تأثر بعض المسئولين من أراء راهب بوذي عاش في القرون المتوسطة، اسمه نشيرين، واعتقدوا بضرورة الحرب العظيمة التي ستنهي جميع الحروب في المستقبل، بالإضافة للحاجة الضرورية لليابان للموارد الطبيعية المتوفرة في الدول المجاورة، لتستطيع الاستعداد لهذه الحرب الكبيرة مع الولايات المتحدة. مع أن الكثير من اليابانيون كانوا يعتقدون ضرورة استخدام الطرق السلمية لقيادة الدول الأسيوية نحو مجابهة السيطرة الغربية في المنطقة. وقد برزت اليابان وبنجاح عام 1936 بعد الأزمة الاقتصادية العالمية الخانقة، ولكن تبعتها عدة أزمات أخرى. فقد كان دخل معظم أفراد الشعب محدود جدا، مع أن البعض القليل كانوا يستمتعون بثراء فاحش. ومع ازدياد عدد السكان خلقت مشاكل أضافية معقدة. وادي التقدم الصناعي لتقوية سيطرة الحكومة على المصانع والشركات، فعملت على فرض سيطرتها والمحاولة للتخلص من المنافسة الغربية. كما قوى العسكر سيطرتهم على الحكومة. وفي عام 1936 وقعت اليابان اتفاقية مع ألمانيا وايطاليا لتبادل المعلومات حول تحركات السوفيت. وفي عام 1937 دخلت اليابان حرب ناجحة ضد الصين بعد حادثة جسر ماركوبولو الذي بدأت بإطلاق النار بين الجيش الياباني والصيني. وفي عام 1940 وقعت اليابان معاهدة مع ألمانيا وايطاليا للدفاع عن بعضهم البعض في حال أي اعتداء أمريكي، بالإضافة لتأكيدهم بدعم اليابان لقيادة منطقة شرق أسيا. وقد شجع ذلك اليابان لغزو الجزء المحتل من فرنسا للهند الصينية، مما أدى لفرض الولايات المتحدة الحضر على تصدير النفط والحديد وبعض المواد الضرورية الأخرى لليابان. وفي عام 1941 وبعد الهجوم الألماني على الاتحاد السوفيتي، توغلت اليابان في الهند الصينية. فقامت الولايات المتحدة بتجميد جميع ممتلكات اليابان في أمريكا، ومنعت أية بضاعة أمريكية من دخول اليابان. وقرر الرئيس روزفلت وبصفة غير رسمية بقصف المصانع اليابانية لتدمير إلية الصناعة الحربية. وتحت ضغوط نقص الطاقة في البلاد وعدم توفر الموارد الطبيعية، قررت اليابان الانسحاب من الهند الصينية. و لكن أصرت الولايات المتحدة على ضرورة الانسحاب من الصين أيضا. فلم يجد اليابانيون إمامهم إلا خيار الحرب، وقد توقعت اليابان النصر كما انتصرت من قبل على السوفيت، لتمنع السيطرة والتوسع الأمريكي في المنطقة. وفي السابع من ديسمبر 1941 بدأت اليابان الحرب البلسيفكية بضرب الجيش البريطاني في كتو بورا بمالي. وقد أعقبتها بعد تسعين دقيقة بضرب الأسطول الأمريكي ببيرل هابر، والتي أدت لجرح وقتل مئات الأمريكيين وتحطيم جزء كبير من أسطولهم وطائراتهم الحربية. واستمرت اليابان بالغزو وبالتتالي للفلبين، وتايلاند، وجواهم، وهنكونغ، وبرنو، وسنغافورة، وسو مطرا، وتيمور، وبالي، وباتا فيا، وروجن، وجاوا... وفي السابع من شهر مايو عام 1942 هزمت اليابان ولأول مرة في معركة بحر الكورال، واستمرت الهزائم المتتالية بدءا من معركة الميدوي. وقررت اليابان وقف مخططاتها لغزو كلدونيا الجديدة، فيجي، سامو، استراليا، ونيوزيلندا. كما فقدت اليابان سيطرتها على ساببن في المريانس. وفي الخامس عشر من أكتوبر عام 1944 انهزمت اليابان في معركة ليت في الفلبين، مع خسارة كبيرة في أسطولها الحربي. وقد استعملت الطائرات الانتحارية بالطيارين الكاماكيز quot;رياح الإلهquot;. وفي اليوم العاشر من شهر مارس عام 1945 بداء الأمريكيون الهجوم على المدن اليابانية وعلى رأسها مدينة طوكيو، مما نتج عن ذلك قتل مئات الألوف وفقدان الملايين لسكناهم وتحولت المدن اليابانية إلى أراض محروقة. كما غزى الأمريكيون جزيرة اوكيناوا اليابانية. وفي يوم الخامس من أغسطس عام 1945 ألقت الولايات المتحدة القنبلة الذرية على مدينة هروشيما، وتلتها بقنبلة أخرى على مدينة نكزاكي يوم التاسع من نفس الشهر، مما أدى باليابان للاستسلام وبدون شروط. ويلاحظ القارئ العزيز بأن اليابان حاولت منع التسلط الغربي على منطقة شرق أسيا، كما حاولت توحيد المنطقة تحت قيادتها. وتصورت بأن غزو جيرانها والسيطرة على مواردهم الطبيعية ستؤدي لانتصارها في معركتها مع الغرب. ولكن كما قال رون فون عن سياسات بسمارك في توحيد ألمانيا وانتهائها بدمار الحرب، بأن لا أحد يأكل من شجرة اللاخلاقيات بدون حصانة. فهل سنتعلم من دروس التاريخ؟ ولنا لقاء.

كاتب المقال سفير مملكة البحرين باليابان
[email protected]