الفكر الهندي القديم

تقوم الفكرة الأصل في العقل الهندي ، على أن ( فاسبان) إله الشمس فرض على ( مانو) باعتباره أول مخلوق الـ ( دارما) التشريع أو الذمة.تلك الفكرة التي تم العمل على تكثيفها في الإله الأكبر، الذ مثل بـ ( براهما) ليبرز دور الكهنة في تكييف أوضاع وتفاصيل الحياة الهندية، بما ينسجم والقدسية والهالة التي أسبغت على البراهما ، حتى تم ارتهان

الحلقة الأولى

الثانية

االعلاقات الاجتماعية وتم توظيفها في ما يخص مصالح طبقة الكهنة الذين ادعوا القداسة، باعتبار خدمتهم للبراهما.مستندين في ذلك إلى كتاب الـ ( فيدا) المعارف الذي ضم الأناشيد والدعوات والتعاليم والقراءات الكهنوتية والتفاصيل المتعلقة بتقديم القرابين والتعاويذ السحرية، والواقع أن الفيدا بأقسامه الأربعة، كان قد اهتم بوضع التفاصيل التي تخص العقيدة الدينية الهندية ، . فالجزء الأول يختص بالأناشيد والتعاويذ، والثاني يركز على طقوس العبادة، والثالث يهتم بالسلوك التي يجب أن يؤديه الناسك والمتعبد ، أما الرابع فقد ركز حول الجانب الفلسفي. والفكرة الأصل التي قامت عليها الثقافة الهندية إنما استندت إلى فكرة وحدة الوجود؛ والتي تقول ؛(( إن الإنسان الكامل يستطيع أن يكون صورة حقيقية لما يتجلى في العالم من قوى مادية وروحية، كما يستطيع بالتالي أن يصل إلى وعي مطلق بذاته وبذات الإله براهما في آن)) وهي الفكرة التي ميزت العقل الفلسفي الهندي وهو المزج الصوفي الزهدي، والقدرة على تحمل الألم في سبيل تطهير النفس من الآثام وتحريرها من الفساد. وقد تميزت سلطة الكهنة في المجالات التالية:_
1.محاولة السيطرة على مجمل التفاصيل التي تزخر بها الحياة الهندية، لتشمل عموم الحياة من تعليم وعلاقات اجتماعية وأسرية
2.تحديد معالم السلوك للأتباع والمريدين.وتوجيههم نح ترسيخ مبدأ الطاعة ، وإلغاء دور المبادرة في الحياة الهندية حيث التركيز على الطقوس مقابل التغاضي عن دور المعرفة والخبرة.
3. الحرص على ترسيم معالم النظام الطبقي. والذي جاء متوافقا مع فكرة التناسخ والشعائر السحرية، وربط الموجهات العقلية بالطابع السحري.
4.العمل على وضع الضوابط والسيطرة على سير المعاملات بين الأفراد.والتأكيد على أهمية الخضوع لإرادة( الدارما) وهو قانون مانو.
كان للهيمنة التي فرضها كهنة البراهما على المجمل من تفاصيل الحياة الهندية ، أن عمدوا نحو ترسيخ نظام الطبقات الطائفي الشديد الصرامة، حتى تم تقسيم المجتمع ، إلى طبقة الكهنة ، وهم يمثلون القداسة والشرعية وعلى جميع الطبقات واجب الطاعة والاحترام والتبجيل لهم ، وينحصر وجودهم ، في فئتين؛ ( جاتيس) و ( فادنا) ، وكان الحرص على مطابقة الطبقات بحالة التجسيد للآلهة الهندية ، باعتبار أن الكنهة، يمثلون أس الإله. فيما تدرجت الطبقات الأخرى بناء على الأهمية والدور الاجتماعي المناط بها ، لتحتل طبقة المحاربين( كشاريا) المركز الثاني باعتبارهم ذراع الإله، فيما احتل الفلاحون والتجار وأرباب الحرف( الفيزا) وهم فخذ الإله. المركز الثالث في السلم الاجتماعي. عاشت طبقة المنبوذين( سودرا ) حياة الحرمان والنبذ والامتهان، وهم يمثلون قدم الإله براهما.
على الرغم من طابع الصرامة التي فرضته طبقة الكهنة على مجمل التفاصيل للحياة الهندية، إلا أن هذا النظام كان له أثره في إبراز حالة الوحدة لعموم المجتمع الهندي.لاسيما على صعيد اللغة أو توفير فرص الحياة أو الفئات التي عانت من الطرد نتيجة الحروب والغزوات المتعاقبة التي اجتاحت المنطقة. أو تركيز موجهات التطلع نحو العمل في الفلاحة وإصلاح الأرض.وبالقدر الذي يكون الحديث عن أهمية الدور المناط بالكهنة، فإن الأوضاع السياسية كان لها الأثر المباشر في إبراز دور تلك الطبقة على حساب الأخرى . فعلى سبيل المثال لعبت طبقة المحاربين ( كشاريا) دور الزعامة خلال فترة الحروب التي اجتاحت الهند.وبظهور حالة الاستقرار بادر الكهنة إلى توجيه المجتمع نحو الطقوس والفروض الدينية البراهماتية. ويكمن سر النفوذ الذي تحصلت عليه هذه الطبقة بحالة الارتباط الوثيق بالتعاليم المنسوبة إلى( مانو)، والتي كانت تسير إلى صالح هذه الطبقة ليمنحها المزيد من النفوذ والسيطرة على المجمل من تفاصيل الحياة.

البوذية وتعاليم ساكيو ماني
في ظل الظروف الطبقية الصارمة التي تحققت لصالح كهنة البراهما، كان من الطبيعي أن تبرز الدعوة للخلاص من هذه القيود التي تسير لصالح فئة على حساب أخرى ، وبحلول القرن السادس قبل الميلاد برزت دعوة ساكيو ماني ، والتي مثلت ثورة اجتماعية كان لها أثرها العميق في الحياة الهندية ، حيث ظهور البوذية الداعية إلى المساواة بين أفراد المجتمع ومحاولة القضاء على النظام الطبقي والذي بات يمثل عائقا في وجه مجمل التفاصيل التي تزخر بها الحياة الهندية. وتبرز أهمية هذه الدعوة ، في أنها استمدت أسسها من الديانة البراهماتية ذاتها، ومن هنا يبرز سر نجاحها، حيث اجتهد ( ماني) في توجيه نقده لأسس المكانة التي احتلها كهنة البراهما ، من خلال تفكيك محتوى التعاليم البراهمية، مشيرا إلى أن القدسية التي يحتلها الكهنة ، لا يمكن لها أن تستمد بالولادة أو التوريث، هذا بالإضافة إلى سعيه نحو ردم نظام الامتيازات التي تحصل عليها الكهنة، بالإضافة إلى الأساس الفلسفي والذي أشار فيه إلى أن تعاليم الفيدا ممكنة ومتاحة أمام جميع الأتباع وليست مقتصرة على فئة بعينها.وتكمن أسس البوذية في القواعد التالية:-
1.السعي إلى إلغاء نظام الطبقات والعمل على نشر المساواة بين الأفراد.
2.نشر مفاهيم الزهد والتقشف، وأن الطريق إلى الإله يتم عن طريق التجرد من الشهوات والنزوات.
3.التركيز على سلوك الفرد العابد ، من خلال نشر مفاهيم التصوف.
4.العمل على نشر مفاهيم المساواة، استنادا إلى مفهوم (الكارما)، والذي يرى أن الناس جميعا متساوون في تلقي الألم، مع التركيز على الجانب الأخلاق والاعتدال من دون إسراف ، فطريق الوجود يتم من خلال الألم وهو متاح أمام الجميع من دون تمييز.
5. بقيت دعوة ماني ذات صبغة دينية صوفية ، لا علاقة لها بالجانب السياسي، قوامها الأخلاق وترسيم معالم السلوك للأتباع.
لم يعدم العقل الهندي من إبراز فكر سياسي ndash; اجتماعي، فعلى الرغم من سيادة ثقافة الزهد والتصوف والتقشف، والاستناد إلى فكرة الألم في سبيل إثبات الوجود والطاعة ، إلا أن البعض من المفكرين ، نادوا بأهمية الربط بين الأهمية السياسية للحكومة والمتطلبات الاجتماعية ، حتى كانت دعوة( كوتيلا) التي ركزت على أهمية أن يتوجه الحاكم نحو تبني ما هو ممكن ومتاح في سبيل تحقيق الاستقرار السياسي باعتباره الضمانة الموجبة للسلم الاجتماعي.ولم يغفل هذا المفكر من التطرق لمسألة المشاركة الشعبية، حيث أشار إلى أهمية إيجاد مجالس شورى يتم من خلالها وضع الرقابة على النظام الحاكم.
يمكن إجمال السمات العامة للفكر الهندي القديم بالسمات الرئيسة التالية:
1.سيادة الفكر الصوفي الداعي إلى الزهد والتقشف، وان الطريق إلى الوجود ، يتم عن طريق الألم ، ومن هذا تركزت الرؤية الفلسفية المركزة على الطقوس والشعائر، حتى كان الفقد البارز للرؤية الاجتماعية أو المؤسسة السياسية الفاعلة ، والقادرة على تحقيق مجال الحقوق والواجبات بالنسبة للفرد أو حتى الجماعات.
2.كان الفقد البارز لدور المجتمع في رصد الظواهر الاجتماعية والسياسية.بل أن التركيز كان يتوجه نحو تكريس مجال الزهاد والمتنسكين، والذي أبرز ثقافة الطاعة السلبية ، والتي افتقدت لأسس المبادرة والقدرة على مواجهة الظواهر المختلفة التي يزخر بها الواقع.

يتبع