عذراً ... للمرة الثانية يا صديقي


عندما نعاك إليّ الأخ والزميل والصديق المشترك بكر عويضة، بصوت متهدج يكاد يخنقه التأثر، صُدمت .. ووجدت صعوبة في تصديق رحيك المفاجئ.
فأمثالك يا وفائي لا يرحلون هكذا ..
أمثال وفائي، يحبّون الحياة وتحبّهم الحياة .. فلا يهجرونها ولا تهجرهم.
أمثال وفائي، تليق لهم وبهم الحياة ... بل هي لا تحلو إلا معهم وبهم.
لا تحلو إلا عندما يكون فيها وفائي وأمثاله ...
صدعني النعي، وعقد لساني ..
وحالات كهذه تحصل، وحصلت حتى لأمير الشعراء شوقي الذي خذلته قريحته بعد صدمة رحيل الزعيم الوطني الشاب مصطفى كامل فلم يتمكن من رثائه إلا بعد حين، ولما انقشعت الغمامة، قال فيه:

مـاذا دهـــاني يـوم بـِِنتَ فعـقـّّني فيك القريضُ وخانني إمكاني
وأنا الذي أرثي النجوم إذا هوت فأعيـد سيـرتها إلى الـدورانِ

لكنني بعد استيعاب خسارتي، وهي خسارة أليمة لكل عارفيك وقادريك ومحبيك، بادرت مع نفر منهم إلى ترتيب ملتقى تكريمي - ولا أقول تأبيني - في ديار غربتنا، حيث التقينا لأول مرة خريف عام 1978 في ساحة غف سكوير اللندنية الوقورة العتيقة.
وجرت اتصالات، وتبودلت الأفكار حول ما يجب عمله. وعلمت في ما بعد بترتيبات القداس التذكاري على راحة نفسك في ذكرى أربعين الرحيل الممضّ.
ولكن، مجدداً، أخلفت وعدي معك لعجزي عن الحضور في الموعد المحدد، .. فعذراً للمرة الثانية.
عذراً، يا وفائي، لتقصيري مع سامر الذي كان يتوقع مني أن اكون والأصدقاءَ والزملاء الكثر إلى جانبه في يومك اللندني الكبير.
عذراً، ولكن لهذا السبب وغيره أجدني اليوم مدفوعاً بحبي لك، وتقديراً لكل ما وجدته فيك من خصال ومزايا لكتابة هذه الأسطر العاجزة، علها تريحني وتخفف عني.
يا أخي، لن أنسى حواراتنا خلال الأشهر القليلة السابقة لغيابك إبان زياراتك القصيرة للندن.
كنتَ يا وفائي مهتماً كثيراً بدخول سامر إلى الجامعة. وأكرمتني بأخذ رأيي حول خياراته غير مرة، وظللنا على اتصال إلى أن طمأنتني إلى أنه حقق مبتغاه، وحصل على خياره الأول.
كذلك، كنتُ أنا قد كلّفتك بأمر يهمني ووعدتني بأن تتابعه من الكويت .. وفعلت.
عرفت دوماًَ صديقاً وفياً، وخبرتك إنساناً مترفعاً عن كل ما يباعد بين الناس، وعايشتك روحاً مرحة خفيفة الظل، طيبة المعشر، كريمة مع الجميع.

رحمات الله عليك، يا صديقي الصدوق ...