وفائي .. الوفاء الدافىء

بقلم عادل مالك

ما كنت أحسب أنني سأكون في هذا الموقف، أعزي عائلة وفائي دياب، زملاءه وأصدقاءه، أم أتوقع منهم العزاء؟ وفائي، يا رفيق الدرب الطويل، أخاً وعزيزاً، ورفيقاً وزميلاً، نفتقدك اليوم بحضورك المؤنس، أين هذا الحب المتدفق من قلب كبير ما عرف إلا محبة الآخرين وحب الآخرين له؟ يا رفيقَ قاتلِ الوحدة في الأوطان، وفي المناطق التي اضطررنا للهجرة إليها، عندما توقف الوطن أن يكون الوطن الذي ألفناه وعرفناه وعشنا في كنفه. في زمن هجرة الاضطرار، لا هجرة الاختيار، وفي ليالي لندن الباردة، كنتَ الوفاء الدافئ في عصر عزّ فيه الأوفياء، فكنت الاسم على مسمى.
كنا على تشاور تام في كافة الشؤون والشجون، لكنك هذه المرة خذلتني، إذا غادرت دون إبلاغ.
أعذرك، فقلبك الكبير الذي اتسع لحب كبير، لكأنه ضاق بكثرة الحب فما عاد يحتمل عندما استدعيت إلى عليائه.
أخي ورفيقي وفائي، كنت السباق في اتخاذ العديد من المبادرات، وهذه المرة كنت السباق أيضاً، في الرحيل عنا باكراً جداً. أعدك أن فراقنا لن يطول، انتظرني أيها الوفي، كي نجدد اللقاء في الحياة الجديدة والمتجددة، وهي الأبقى من الحياة الغائبة.
سلام عليك، وعلى محبيك الكثر. في نهاية الأمر، لا بد من تراب الوطن مهما طال السفر، منه أتينا وإليه نحن عائدون. لك كل المحبة على مساحة الوطن، من عين إبل وإليها، ذهاباً وإياباً. وإلى لقاء أراه ليس بعيداً، حاملاً إليك آخر أخبار الوطن.

في رحيل وفائي دياب

بقلم عادل العلم

في رحيل الكبار يبقى الصمت أقوى من الكلام، في سكوت الكبار تتكلم أعمالهم، ويتكلم ماضيهم. في سقوط الكبار تسقط الكلمات، تتبعثر.
أحبائي أهل وفائي، أصدقاءه، أحباءه: يجمعنا الألم، يجمعنا الأمل. يجمعنا الحزن، يجمعنا الفرح. يجمعنا الوجع، يجمعنا العزاء. يجمعنا الموت، تجمعنا الحياة. يجمعنا رحيله، يجمعنا حضوره. أحبائي ... يجمعنا وفائي .
لست بحاجة الى من يتكلم عنك، وفائي. ربما الكلمات تخوننا، أو انها لا تمنحنا المعاني اللازمة للتعبير عنك يا وفائي. لم ألتقيك يوما، لم أتحدث اليك مرة، لم يكن لي الحظ أن اصافحك، لكني أعرفك، وأعرفك جيدا. بالأحرى لقد عرفتك وكأني التقيتك مرارا. عرفتك من مقالات صادقة كثيرة كتبت عنك، بأقلام محبين، صادقين، عبروا عن عمق احترامهم ومحبتهم لك. كلهم أجمعوا عن مدى امتنانهم لك، أبا، محبا، مسالما، معلما، أستاذا، صحافيا، محاورا، وتطول الصفات ... ولكن ما استوقفني أكثر اجماعهم وحزنهم لفقدان تلك الابتسامة، الرفيقة الدائمة لطلتك الحلوة.
تأملت صورك كثيرا، بنهم عشقتها عيوني. في تكاوين وجهك حملتني الى حيث أحب أن أكون، أعدتني من غربتي اللندنية الى الأرض التي أحبها، الى ارض عين ابل، ورميش الجارة، مسقط رأسي.
في بساطة وجهك عكست طيبة أرض الجنوب أرض عين ابل، عكست صور شجر الزيتون المنتشر في روابيها وخلاليها، وصفاء زيتها وطيبه، اليها عدت لترقد تحت أفياء أشجارها، يحتضنك ترابها، تستريح في حياة أبدية هانئة، تعود الى حضن الوالدة الى دفء حنانها وعطفها.
يا أصدقاء وفائي الاعلاميين:
الاعلام رسالة، كونوا انتم الرسالة كما كان.
الاعلام حقيقة تنقل، كونوا أنتم الحقيقة كما كان.
الاعلام يبني، كونوا انتم بناءين كما كان.
يا أحباء وفائي وأهله:
ترك لكم رسالة الى كل من يحبه،رسالة محبة كبيرة، ورسالة وداع مؤقت، على أمل اللقاء الدائم. منكم يطلب، من رب السماوات، أطلبوا له الرحمة، وفي صلاتكم لا تنسوه، أذكروه مع ذكر كل حبيب لكم رحل.
يا عائلة وفائي،: غنوة الزوجة، سامر الابن، تمارا الابنة، لحزنكم، لوجعكم، لالمكم مبرر، فأنتم لم تفقدوا شخصا عاديا. كما كل الاحباء، فقدتم من كان للابوة معلما، للعطاء أستاذا، للحنان نبعا وللانسانية عنوانا. انما افتخروا وافرحوا لان حبيبكم في دار الخلود حجز له موقعا خاصا: www . وفائي الى الابد.
في ذاكرة الله باق، مع اجواق الملائكة منشدا، في احتفالات السماء خطيبا. نحن ابناء الرجاء، ابناء القيامة، ابناء المنتصر على الموت، فوفائي لم يمت ، انما انتقل من موت الارض الى حياة السماء، يرعاكم، يسهر عليكم من عليائه، فعلى دربه سيروا ليكون لكم النجاح عنوانا في حياتكم.
وفائي، وفيا عشت، للعائلة وفيا، للوطن وفيا، لقيمك وفيا، وللصحافة وفيا. كنت تتلقى الخبر كل صباح، الى أن تلقينا نحن الخبر، وكنت أنت الموضوع، ويا ليته لم يُكتب. سكت قلبك، ولكنه لم يصمت، ففي أعمالك وحياتك كلمات تنطق للأبد. سقط قلمك، ولكن حبره لم ولن ينضب، سيبقى يخط الامل ويكتب الفرح، بأقلام من سيتابعون مسيرتك، مسيرة الصحافة الناطقة دائما بألم الناس ووجعهم، علها تكتب يوما فرحهم وحريتهم المنشودة.
من عليائك صل لوطنك الذي أحببت وعشقت. صليب وطننا أصبح عمره ثلاثين عاما، فهل للرب أن ينزله عن ذاك الصليب نحو القيامة. أرجوك لا تبخل برسائلك الالكترونية الى من يدعون الزعامة في وطننا والوطن العربي (اللهم اذا كان بريدهم مفتوحا على رسائل الضمير، فهم غالبا ما يكونون quot;أوفلاينquot; عن وجع شعوبهم، وquot;أونلاينquot; لسماع صوت الخارج)، ذكرهم أن الزعيم الحقيقي، والبطل الحقيقي، من يسعى لشعبه بالحرية والعيش الكريم، ليس من يحمل لهم هدايا السلاح والحرب والقتل والتدمير والهجرة والتهجير. ذكرهم أن أضعف الضعفاء من يصنع الحرب وأقوى الأقوياء من يصنع السلام.
فباسم الرسالة اللبنانية، وأبناء رعية سيدة لبنان في لندن، وباسم جميع من يشاركوننا اليوم الصلاة لراحة نفس وفائي، أتقدم من عائلته، زوجته، أولاده، أقاربه، أحبائه، من الجسم الصحافي عموما، وكل الصحافة التي عمل فيها، واسرة quot;ايلافquot; خصوصا، باحر التعازي القلبية، طالبين للراحل الكبير الراحة الابدية والسعادة الدائمة، بالقرب من صاحب الكلمة الجريئة الاولى، شهيد الحق والحقيقة يسوع المسيح.
وفائي: لا تنسى أن تتفقد بريدك الالكتروني كما كل صباح، لأن مع كل نفحة حرية ومحبة وشهامة، مع كل كلمة صادقة وجريئة،مع شروق كل شمس، لك آلاف الرسائل ممن أحبوك واشتاقوا اليك، فهم معك دائما، وبانتظارك، فابق معهم، quot;أونلاينquot;.

* نص كلمة ألقاها المؤلف، رئيس الرسالة اللبنانية في لندن، مساء السابع والعشرين من يناير 2007 في قداس اربعين مدير تحرير quot;ايلافquot; الراحل