صعقني امس نبأ وفاة الاستاذ محمود عطالله.كنت قد تحدثت اليه عشية ذلك النهار عندما سألني على طريقته:"أيه اخبار الكويت؟ حصل ايه بمشاركة المرأة في المجلس البلدي؟" فأجبته:" ربع ساعة ويكون عندك الخبر". بعده لم نتحدث لكننا تواصلنا عبر "ايلاف" ، كالعادة من وقت الى آخر. لكنني عدت بالذاكرة الى ثلاثة شهور ماضية عندما أتفقت مع الناشر الصديق الاستاذ عثمان العمير على المساهمة في "ايلاف" من الكويت حيث أقيم منذ ست سنوات بعد ان أمضيت اكثر من عشرين سنة في لندن . يومها تحدثت مع الاستاذ محمود بعد غياب طويل، وكعادته غمرني بمحبته وشفافيته وصدقه. قال لي:"تعرف يا وفائي انت غالي علي قوي.انا ما انساش اليوم اللي رحت فيه معايا المسشفى وبقيت جنبي لحد ما خفيت". وعبثا حاولت أن أغير الموضوع الا انه كان يصر عليه بألحاح، وكأنه يريد ان يعطيني اكثر مما استحق.ثم ضحك وقال:" مش مهم رأيك انت، بس انا مش حانسى وقفتك معاي".
عملت مع الاستاذ محمود في "الشرق الاوسط" اكثر من عشر سنوات على ايام الاستاذ عثمان العمير. كان استاذا كبيرا ومهنيا من الطراز الاول. أنيق ومنظم وهاديء طوال الوقت. جدي ومرح في الوقت نفسه، وصاحب نكتة من الطراز الاول. كان اول من يجلس في غرفة اجتماعات التحرير وآخر من يخرج منها بعد ان يكون قد اطمأن الى ان دورة العمل انطلقت فعلا. وألاهم من كل هذه المواصفات، أنه كان يعمل بقلبه الذي قاوم طويلا الى ان سقط متعبا في أحد الايام ، فرافقته في سيارة الاسعاف الى المستشفى وبقيت معه الى ان استقر وضعه وبدأ يتعافى ويسترجع صحته. يومها همس لي داخل سيارة الاسعاف:" ما تقلقش، شوية تعب بس".

لم يشعر يوما انه ضعيف او متعب اوبحاجة الى راحة. وعندما استقبلناه بحفل كبير في الجريدة بعد عودته من اجازته المرضية، غلبته دمعتين او ثلاث، الا انه قاومها بسرعة وابتسم قائلا:"يلا ...عايزين نشتغل". كان محمود عطالله كبيرا في مهنيته. ديموقراطيا في ممارساته. انسانيا في مواقفه. عظيما في محبته لكل الذين عرفهم وعرفوه. رحمك الله يا ابا كريم. يا كريم الروح والاخلاق. وأسكنك روح جناته، وألهم أهلك ومحبيك الصبر والسلوان.