الآنسة (و) مشروع مغري جدا لدخول الجنة
استقطبت الآنسة (و) اهتمام أهل الدعوة من المسلمين والمسلمات كمشروع مناسب جدا للظفر بالفردوس عن طريق هدايتها إتباعا للحديث* لئن يهد الله بك رجلا خير لك من الدنيا وما فيها*
ولكن الرياح لا تجري دوما بما تشتهي السفن إذ كانت الآنسة (و) مشروعا مستعصيا، احتار فيه القوم ولم يعثروا على مفتاح مناسب له
فما هو سر الآنسة (و)؟
إنها فتاة من أسرة مسلمة محافظة ، أقرب للالتزام ،وأبعد عن التزمت.
هاجرت الأسرة إلى كندا والفتاة لم تتجاوز الخامسة من عمرها ، فنشأت في ظل الثقافة الغربية ، فتمردت على الحجاب أسوة بشقيقاتها ، ولم تطق صبرا على الصلاة ، أما الشهر فقد صامته على مضض.
وهكذا وعندما بلغت الفتاة سن البلوغ، أصبحت مشروعا خصبا لأهل الدعوة من المسلمين ، إذ فشل والداها في ردها إلى حظيرة الدين والالتزام بتعاليم الإسلام.
كان المتنافسون على هداية الآنسة (و) ينتمون إلى نماذج مختلفة.
أول هذه النماذج كانت المدرسة الإسلامية التي انتسبت إليها الفتاة. وقد شعر والداها بذعر حقيقي أن تضيع الفتاة في خضم المجتمع الكندي فأرسلا ابنتهما إلى المدرسة الإسلامية كي تتخذ الحجاب ، وتحافظ على الصلاة ، وتبقى في منأى عن الاحتكاك بالفتيان شأن المدارس العامة الكندية.
ولكن النتيجة أتت عكسية فالفتاة صدمت بالتناقض بين تعاليم الإسلام وبين بعض الفتيات من زميلاتها.
فرأت أن الحجاب لدى quot;بعضهنquot; ليس رادعا عن الاتصال سرا بأصدقائهن من الفتيان، كما أن الصلاة لم تمنعهن عن النميمة والغيبة.. فازدادت نفورا وإعراضا بل لقد ازدادت إعجابا والتصاقا بالمجتمع الكندي وأعلنت بصراحة : على الأقل إنه مجتمع صادق وصريح وبريء من النفاق،والازدواجية. بل لقد شعرت بالتفوق على زميلاتها بما تحمل من أخلاق نشأت عليها ، بعدم نهش لحوم الآخرين ، وأن الصداقة الحميمة مع الفتيان ليست مسموحة إلا في ظل مشروع للزواج.
تناهى للبعض من النموذج الثاني قصة الآنسة (و) وإعجابها العميق بالمجتمع الكندي واحترامها لقيمه في الصدق والوضوح ، وكانوا بصدد إنشاء رابطة إسلامية تقدمية تقيم طقوسا إسلامية ولكن بحلة قشيبة عصرية ملائمة لروح الغرب، واعتبروا الفتاة صيدا سمينا للدخول في شبكتهم. فدعوها إلى اجتماعاتهم حيث كانت الصلاة تقام بطريقة تجمع بين الذكور والإناث دون فصل فالجميع يصلي جنبا إلى جنب اقتداءا بالغرب الذي تعشقه الفتاة، كما أن ملابس النساء كانت تتفاوت بين السراويل الضيقة وأغطية الرأس الحاسرة أما بعضهن فقد تخلين عنه نهائيا.
شعرت الفتاة أن هنالك تناقضا مضحكا في مظهر الحضور ، وتقليدا سافرا للغرب ، وانسلاخا عن الهوية ، مما دفعها للظن أنها وسط كرنفال حقيقي وخرجت وهي تحدث نفسها مثلهم كمثل *الشاة التي ذهبت تبحث عن قرنين فرجعت بلا أذنين*
عندما أنهت الفتاة تحصيلها الثانوي اضطرت لمغادرة المقاطعة التي تقيم فيها أسرتها حتى تلتحق بالجامعة التي تطمح إليها، وهنا اشترط الأبوان على الفتاة أن تشاركها غرفتها في النزل الجامعي فتاة مسلمة عسى أن تتأثر بها ، وكان الأهل محظوظين فعلا بالآنسة (د) التي قاسمت ابنتهما الغرفة. فقد كانت مسلمة ملتزمة وذات خلق رفيع ولا تشكو من أي تناقض يدع مجالا للآنسة (و) باتهامها بالنفاق كالنموذج الأول أو بتقليد الغرب كالنموذج الثاني كما أن الفتاة كانت تكبرها ببضعة أعوام وهذا ما شجع الأبوان إلى أن يوكلوا إليها أمر مراقبة ابنتهما بل أعطوها بعض الامتيازات بالتحكم في خروجها quot; متى وأين quot;والتزمت الآنسة (د) بوعدها للأبوين وأخذت تعامل زميلتها بصرامة، ووضعتها تحت المراقبة والوعي، ولم تدخر وسعا في إعطائها النصائح والعظات حتى تنقذها مما هي عليه من ضلال ولكن يبدو أن إنقاذ الآنسة (و) لم يكن بتلك السهولة.
وصادف ذات يوم أن استضافت إحدى المؤسسات الإسلامية إسلاميا ناشطا له شهرة واسعة وباع عظيم بالدعوة، وفكرت الآنسة (د) أنها ستكون فرصة ذهبية لاصطحاب زميلتها كي تستمع إليه عسى أن يحل لغزها المستعصي. وفعلا ذهبت الفتاتان للاستماع إلى الواعظ ذائع الصيت، ولدى تعليق الآنسة (و) على محاضرته سألت زميلتها ببراءة مصطنعة : ولكن أليس الله لا يحب كل مختال فخور ؟ لماذا كان الواعظ يتشدق بعلمه ويستعرض أفكاره وكأن مستمعيه أقزاما لا يمكن أن يطالوا شامخ معرفته؟؟ وهكذا أخفق النموذج الثالث.
ازدادت الهوة اتساعا بين الفتاتين رغم كل الجهود الصادقة والمخلصة التي بذلتها الآنسة (د) لأجل ذلك ولما أنهت دراستها وتخرجت من الجامعة اعترفت لوالدي الفتاة بفشلها الذريع في إنقاذ ابنتهما. وثبت إخفاق النموذج الرابع.
أسقط بيد الأهل واستجمعوا ما بقي لديهم من شجاعة، ليعترفوا أن ابنتهم ذات فطرة تأبى الإسلام، واحتسبوا أمرهم عند خالقهم بأسى دفين وخيبة مريرة.
وعاد الأهل من جديد إلى دوامة البحث عن بديل عن الآنسة (د) وكان الأمر في غاية الصعوبة فقد كانت الفتاة تجمع من المزايا تكاد تصل بها للكمال في الخلق والدين.
تشاء الصدف أن يلتقي الوالد بصديق له ويخبره هذا الأخير أنه يرغب وأسرته في العودة إلى الوطن ولكنه مضطرا لإبقاء ابنته في كندا حتى تنهي تحصيلها الجامعي ثم تلتحق بأسرتها هناك، وكانت الآنسة (م) هي المرشحة كي تقاسم (و) السنة الدراسية الأخيرة.
لم تصادف الآنسة (م) موقعا حسنا من زميلتها بادئ الأمر فالفتاة كانت تفتقر للوسامة، ولم تكن أنيقة تماما بمعايير زميلتها التي تقدس الجمال وتفتن بالأناقة فعاملتها بشيء من البرود والتحفظ، إضافة إلى أنها قد سئمت وضعها الذي تنافس فيه من حولها كي يدخلوا الجنة عن طريقها.واستعدت لاتخاذ استراتيجية الرفض قبل أن تهاجمها الفتاة بسيل العظات والنصائح، ولكن ومع مرور الوقت اكتشفت (و) أن زميلتها مختلفة تماما فقد كانت تعيش في عالمها الخاص من السعادة والرضا والاطمئنان بحيث أنها لم تتأثر البتة بموقف الآنسة (و) منها وما فيه من برود وجفاء.
وكان جل اهتمامها ينصب على عبادتها وصلاتها ومراجعة دروسها وكانت تغيب أحيانا في المكتبة طويلا لأجل ذلك، ولكن كان هنالك فيها شيء دائم لا يغيب ، ابتسامتها المشرقة التي تفيض بالرضا والشعور بالسعادة.
والحقيقة أن الآنسة(م) كانت لاهية تماما عن زميلتها فلم تجرب مرة أن تلقي إليها بنصيحة أو تقدم لها عظة. لم تزين لها عبادة، ولم تنهاها عن معصية ، إذ كانت مكتفية ومشغولة بعالمها الخاص.
أصبحت الآنسة (و) تفتقد حضور زميلتها عندما كانت تطيل الغياب خارجا، فقد كانت تحن إلى إشعاعات السعادة التي تنشرها الفتاة بحضورها اللطيف.
وهكذا حل اللغز وفك السحر وانجلى السر ،سر الآنسة (و) : الحب
يقول محمد إقبال : اطرح نفسك محبوبا.
والعلاقة بين الإتباع والحب علاقة متلازمة لا تكاد تنفصل الواحدة عن الأخرى.
*فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين*(54-5)كما أن الصلة بين الإيمان والإنسان هي صلة حب *ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم*
والعلاقة بين العباد ورب العباد هي علاقة حب أو لا حب
وإذا كان الله سبحانه لا يحب المعتدين190-2 ولا يحب الكافرين32-3 ولا يحب الظالمين 57-3ولايحب المفسدين 64-5ولا يحب الخائنين58-8 ولايحب المسرفين141-6 ولا يحب المستكبرين 23-16ولا يحب الفرحين76-28
فإنه يحب المحسنين195-2 ويحب التوابين222-2 ويحب المتطهرين 222-2 ويحب المتقين76-3ويحب الصابرين146-3 ويحب المتوكلين159-3 ويحب المقسطين 42-5
قد تكون الآنسة (م) بعضا من أولئك وليست كلهم ولكنها بالحب فحسب حلت سر الآنسة (و).