نقد العقل الديني وتفكيك ايديولوجيا quot;الفكر الأصولويquot;
من أين يبدأ الحوار؟

bull;والأصول التي تتفرع عنها، والنظر في الأمور المستجدّة خصوصاّ بعد القطيعة التاريخية و غلق باب الاجتهاد، فالخطاب quot;الاصولويquot; الراهن ينكر وجود أي مسافة فكريّة، بين ما أصّله الشافعي وما أوصى به ابن تيمية وماأفتى به الغزالي، وبين المُعتقد الديني كما هو سائد في المجتمعات المعاصرة الخاضعة لعوامل العولمة.

الحوار ينبغي ان يطال كافة المواقف المتطرفة بما فيها الحداثية ، لأننا نجد أن الرفض التّام من قبل بعض التيارات الحداثية لمجرد الحوار مع الآخر والحكم عليه بالتحجر و التأخر، مما يؤدي بالمتطرف quot;الاسلاميquot; عادة إلى الدفاع عن هذا الموقف كسلاح قوي لكفاحه ونضاله السياسي، وكلا الموقفين الحداثوي المتطرف والاصولوي المتطرف يجب أن يُحلل ويُفكك، ويجب على النخب الفكرية أينما كانت أن تنزع الغطاء عن الخطابات والكليشيهات التي تمثل في المجتمع بشكل يومي، و أن تضع على المحك النقدي ما يستهلكه المناضلون السياسيون، بدءا من الأصوليين وصولا إلى الليبراليين، وتحليل ما يعتمدون تُعدّ عملية فهم نشأة الحركات الأصولية وبنيتها الأيديولوجية، وبنية عقليتها وطريقة اشتغالها الوظيفية، هي العملية الأولى والأهمّ قبل الدخول في أي عملية حوارية، وقد شهدت العديد من مواقف حوارية متنوعة بين أصوليين وغيرهم، وفي أغلب المرّات كانت العملية أشبه ما تكون بحوار الطرشان.

والسبب الرئيس يعود إلى اختلاف المفاهيم والمنطلقات من جهة، و البنى الأيديولوجية التأسيسية من جهة أخرى، فعملية الخوض في الفروع أو السلوكيات المنبية على المعتقد والأيديولوجية غير مجدية بمفردها، لذلك من المهم التركيز على نقاط أهمها :

bull;أنّ الحوار ينبغي أن يبدأ بتحليل المنظومة الفكرية التي يؤمنون بها وطرح النقاش في كل عنصر من عناصرها؛فنحن الآن نُواجه مشاكل متعلّقة بالتأصيل ازدادت تعقيداً مع انتشار حركات الإسلام السياسي، الدّاعية إلي إعادة تطبيق الشريعة الإسلامية كما وردت وقُيّدت من قبل بعض الأصولويينquot; بفرض رأيهم عن طريق استلام السلطة السياسية، ثم تكييف التعليم مع ما يقتضيه التأصيل الموروث.

bull;عملية الحوار هذه، يجب أن يقودها أناس متخصصون، لا يتقنون فن الحوار وحسب، بل يفهمون النصوص المُؤسسة للأصول والعقائد، أي يمتلكون الوسائل التحليلية والاستنباطية للربط بين الأحكام الشرعية عليه وكأنه حقيقة يقينية مقدسة، فحتى العلمانيين و مواقفهم المتشنجة حيال كل ما هو مسلم ينمّ عن نقص معرفي خصوصاً فيما يتعلق بالعلوم الإنسانية و الاجتماعية والمواقف المتطرفة التي يتخذونها تمنعهم من فهم الحاجة الدينية أو دراستها بشكل صحيح.

bull;إن عملية مقاومة الحركات الأصولية، وقمعها بالقوة وعبر أجهزة الأمن وغيرها، عملية غير مقبولة على المستوى الإنساني من جهة كما أنها ستؤدي إلي مفعول عكسي وعنف مضاد، وقد أثبتت التجربة ذلك في وقت من الأوقات، لأنها ستزيد من قاعدتها الشعبية وستعزز السلوك العنفي، وستمتد على حساب من يمثلون الإسلام المعتدل، الذين سيضطرون للرضوخ للتطرف مسايرة للضغوط الشعبية وهو ما يحصل حاليًّا في المناطق الساخنة كما العراق؛ فرجالات الإسلام السياسي المعتدل لا يتبنون أطروحات الإسلاميين النضاليين، لكنهم ينزلقون كثيرا إلى العنف تحت وطأة الضغوط العنيفة التي يعانونها من جانب الأنظمة. ففي الوطن العربي حوالي المائتي ألف سجين سياسي أكثرهم من الإسلاميين. وقد سقط منهم عبر العقود الاربعة الأخيرة حوالي المائة ألف قتيل من القتال المتقطع الدائر هنا وهناك.)

bull;ان عدم اتخاذ موقف واضح وصريح من قبل العديد من الحكومات العربية والإسلامية حيال إسرائيل، يدفع بالقاعدة الشعبية إلى الالتفاف حول الجماعات الأصولية التي تتبنى مسألة الجهاد ضد إسرائيل وضد المحتل في العراق... مع التنبه إلى أمر معروف عند الجميع، أنّ فكرة قيام دولة إسرائيل هي فكرة حركة أصولية دينية استخدمت الدين والمطامع الدينية لليهود في العالم لاقامة كيان سياسي في فلسطين... وان تنامي الحركات الأصولية الإسلامية المتطرّفة أحد أهمّ ا سبابه التحدي لإسرائيل الأصولية... فنحن أمام أصولية إسلامية تواجه أصولية يهودية، لذلك لا يمكن حل الأشكال مع الأصوليين المسلمين وفتح باب الحوار معهم والوضع حيال إسرائيل كما هو معروف، وهذا الأمر يجب أن تعيه الحكومات العربية والإسلامية من جهة والإدارة الأمريكية من جهة أخرى، المشكلة مع العالم الإسلامي لا تحلّ لا بشن حرب على الإرهاب ولا بانحياز أو تقديم تنازلات لإسرائيل، ورغم أني لست مغرمة بتسويد صورة أي كان، غير أن محاربة الفكر الأصولي يجب ألا تقتصر على ما هو إسلامي، فدولة إسرائيل قائمة على مشروعية لاهوتية يهودية، وان عملية التفحص النقدي لهذه الأيديولوجية يعني خلع المشروعية اللاهوتية عنها وquot;التجديد اللاهوتي quot; يعني نقد ه وهذا أمر غير ممكن حاليا لأنه يضعف من حماسة اليهود للمشروع السياسي الإسرائيلي.

bull;إن الموجة السائدة عالمياً وبعد 11 سبتمبر هو محاربة المدارس الدينية، و الكليات الشرعية... على أساس أن تنظيم القاعدة معظم أعضاه طلبة العلم الشرعي quot;طالبانquot;، وهذا تحليل سطحي للأمور وردّ فعلي لا يؤدي إلا إلي تكريس العنف فليس الحل بإغلاق هذه الكليات و إدانتها... ولكن يجب تأسيس معاهد حديثة لتدريس الدين الإسلامي بطريقة جادّة ومسؤولة في كافة أنحاء العالم، وفتح كليات متخصصة في أكبر جامعات العالم تهتم بتعليم التاريخ المقارن للاهوت الأديان الثلاث على الأقل، لا أن تُرمى الدراسات الإسلامية في أقسام الكليات الاستشراقية، حيث تُدَرّس اللغات والآداب، ويجب أن تتناول دراسات في العمق ويتحمّل الباحثون مسئوليتها فكريًّا ويعيدون من خلالها فتح باب الاجتهاد، فنحن يجب أن نجدد في الآلية والمنظومة الفكرية لها فالتجديد على المستوى الإيماني متوقف منذ زمن وباب الاجتهاد أُغلق ، الأمر الذي سبب قطيعة تاريخية، فوجود مثل هذه المعاهد سيساعد الأفراد على الخروج من حالة الفقر الثقافي والفكري، كما تُعتبر المكان الأمثل الذي يؤمّن البيئة الخصبة للحوارات المثمرة بين الأديان.

خلاصة :
باختصار مع شيئ من التكرار، فإن المناضلون السياسيون وجماعات العنف وغير العنف في العالم أجمع من ديانات مختلفة، ومصادرهم الفكرية والأيديولوجية متنوعة، وكل واحدة من هذه الحركات تمتلك منظومة عقائدية وأيديولوجية و quot;لاهوتيةquot; خاصة بها، تبني عليها خطاباتها اللاهوتية و السياسية...

ولحل الإشكاليات المتعلقة بالسلوكيات التي هي إخراج للسيناريو الفكري الذي يُتقن تمثيله الأفراد القادة و رجال الدين والمناضلون.... لا بدّ لنا من تحليل الخطاب الأيديولوجي وquot;اللاهوتيquot; ونقده، فنحن بحاجة إلى quot;تجديد لاهوتيquot;، وهذا التجديد يعني نقد quot;اللاهوت الموروثquot;، وعملية النقد هذا يجب أن يطال كلّ الأديان , ورسالة المثقفين أيّا كانواو في أي وسط يعيشون في هذا العصر.
وللخروج من دوامة العنف بكلّ أشكاله العنف الصريح والعنف المضاد والعنف المُقنّع، والإرهاب بكلّ أنواعه ndash; ولا أقصده بمفهوم بوش فقط ndash; لان العالم بأسره لا سيما العربي و الإسلامي تعرّض لإرهاب مقنّع بعد إعلان الحرب على quot;الإرهابquot;.
وإزالة الاشكالات و الأشكال القمعية الداخلية والخارجية الصريحة منها والمقنّعة فالمثقف العربي الحالي يعاني من مشكلة قد تكون غير مُعلنة، لكنّها موجودة مع السلطات السياسية التي تحاول الضغط على المفكرين لكي يصبحوا الأداة التأصيلية التي تضفي الشرعية على النظام والأمر قد يتطور ليصل المثقف إلى السجن ، وهذا على سبيل المثال، أما على الصعيد الشعبي فالأمثلة أكثر من أن تعد وتحصى.
والمثقف العربي بشكل خاص وأي مثقف آخر يعاني من مشكلة مع رجال الدين واللاهوتيين و العلماء.... الذين يتتبعون الحركات الفكرية والآراء ليسرعوا إلي إطلاق أحكام قيَمية تبدأ quot;بالتفسيق quot; و تصل إلي quot; التكفيرquot; وتنتهي أحيانا ب quot;إهدار الدمquot;.

لا بدّ من السعي الجاد والمتواصل إلي فتح آفاق العقل و اجتهاداته الناقدة وquot;التجديد quot; في الأمور التي يُدّعى عادةً أن لا تجديد فيها، لكي لا يستعبد الإنسان لعنف الإنسان، فعملية الحوار هامة جدا وهي الأداة الفاعلة التي يجب أن تطال كل التيارات الفكرية, ولا تقتصر على الأديان.


1 كنت قد استخدمت مصطلح أصولي للدلالة على بعض الحركات السياسية و لكني أفضل استعمال مصطلح الاصولوي للدلالة على هذا الأمر لكي لا يحصل الالتباس بين هذه الجماعات و الأصوليين بوصفهم المشتغلين بعلم أصول الفقه وقواعده الذين كانوا يشتغلون في التأصيل الذي كان يمثل عملية اجتهادية.
2 رضوان السيد :quot;سياسات الإسلام المعاصر quot; مرجع سابق, ص 221
3
لفهم مسألة التجديد الديني لا بد من العودة إلي كتب محمد أركون والتي تناولت بمعظمها قضايا تأصيل أنواع الخطابات والأحكام و نقده منها : الفكر الإسلامي, الفكر الأصولي و استحالة التأصيل, قضايا في نقد العقل الديني... و آخرها اللامفكر فيه في الفكر الإسلامي

[email protected]
Marwa_kreidieh.maktoobblog.com