1

شهد النصف الثاني من القرن العشرين والسنوات السبع من القرن الحادي والعشرين مواقف مخزية من مجموعات المثقفين العرب، وتجمعاتهم، ونقاباتهم، واتحاداتهم، وكل تنظيم لهم، ينتمي إلى مؤسسات المجتمع المدني، تجاه إخوانهم وأصدقائهم وزملاء لهم في القلم والكلم، الذين يرزحون في سجون الديكتاتورية العربية، وكأن هؤلاء مجرمين، ارتكبوا جرائم قتل، وسرقة، وقطع طرق، وسطو على البنوك.. الخ. وكأن حال المثقفين يقول: quot;وأنا ماليquot;. وكان ذلك خيانة من المثقفين لرسالتهم في الحياة وفي الثقافة، خاصة أولئك المثقفين الذين يعيشون في الداخل، وفي أحضان الأنظمة الديكتاتورية المارقة، ويمارسون مسح الأحذية، واللحى لها.

2

لقد تمادت أنظمة الحكم الديكتاتورية في العالم العربي في التنكيل بالمثقفين وسجنهم وتعذيبهم وربما موتهم، بدون محاكمات عادلة. وذهبت صيحات منظمات حقوق الإنسان المختلفة في العالم أدراج الرياح. ولم تنفع بهذه الدول الديكتاتورية المارقة تحذيرات الأمم المتحدة، وتهديدات الاتحاد الأوروبي. كما لم تخشَ هذه الدول الديكتاتورية المارقة الرأي العام الغربي، ولا الإعلام الغربي. في حين صمت الإعلام العربي - وهو المرتهن والمملوك في معظمه لأنظمة الحكم - عن هذه الجرائم، وتجنب دعوة المثقفين للحديث وإثارة مثل هذه الجرائم. واعتُبر أي اعتراض على مثل هذه الجرائم من قبل الغرب أو الشرق تدخلاً غير مشروع في الشؤون الداخلية للدول الديكتاتورية المارقة. بل إن الحديث، وإثارة مواضيع سجن وتعذيب المعارضة من المثقفين والسياسيين عموماً دون محاكمات عادلة، أصبح من الموبقات والكبائر الوطنية المُحرّمة، التي يتهم مرتكبوها بالعمالة للاستعمار والدول الأجنبية، ودعوة السلطات الأجنبية للتدخل في الشؤون الداخلية الوطنية. وذلك كله في غياب العدالة العربية، حيث لا عدل في هذا الشرق، وأصبح شعار: quot;القتل أساس المُلكquot; بديلاً للشعار الكاذب والمزيف: quot;العدل أساس المُلكquot;.

3

لا نريد هنا أن نستعرض عدد الجرائم التي ارتكبتها الدول الديكتاتورية المارقة بحق المثقفين والسياسيين المعارضين، فهي معروفة ومشهودة، ولا تحتاج إلى تكرار. والجديد فيها هو ما جاء في quot;إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطيquot; الأخير عن الممارسات القمعية للنظام السوري والأوضاع العامة في سوريا مطالباً بالإفراج عن المعتقلين، وطي صفحة الاعتقال السياسي الذي سمم الحياة الوطنية، ودمر حياة آلاف الأسر السورية. فنظام الحكم في سوريا لم يكتف بمواصلة اعتقال عشرات الناشطين السياسيين الديمقراطيين والحقوقيين وعلى رأسهم: عارف دليله، بل وقام بحملة اعتقالات طالت مثقفين وناشطين سياسيين ديمقراطيين ونشاطي حقوق إنسان كأنور البني، وميشيل كيلو، ومحمود عيسى، وسليمان الشمر، وخليل حسين، وكمال اللبواني. وهناك ناشطون سياسيون ومثقفون آخرون ينتظرون المحاكمة. بل إن سوريا كلها في سجن كبير. وهؤلاء جميعاً لن يفرج عنهم بعد انتهاء مدة سجنهم، ولكن ستُلفق لهم تهم جديدة ومحاكمات صورية، ويعادوا مرة أخرى إلى السجن، وهكذا دواليك حتى يتلفوا ويتخلوا عن دعواهم، أو يموتوا، أو يصلوا إلى الرمق الأخير من حياتهم كما تم مع المعارض البارز رياض الترك (مانديلا سوريا)، الذي سُجن لمدة عشرين عاماً، ولم يخرج من السجن إلا بعد أن بلغ أكثر 75 عاماً، وبعد أن شارف على الموت، وخشي النظام الحاكم في سوريا من موته أكثر من خشيته من حياته. وكذلك صلاح جديد الذي سُجن 23 عاماً دون محاكمة في عهد الأب القائد، ولم يخرج من السجن إلا بعد شارف على الموت، ومات بعد خروجه من السجن مباشرة. كذلك نور الدين الأتاسي الذي تم سجنه 22 عاماً أيضاً في عهد الأب القائد، ومات بعد خروجه من السجن مباشرة. وغيرهم كثيرون. وهؤلاء هم ضحايا الأب القائد. أما ضحايا الإبن القائد في السجون السورية المشهورة كسجن quot;المزّةquot; وسجن quot;تدمرquot; المخيف والمرعب، الذي يفوق قسوة وبشاعة عن سجن الباستيل المشهور، فسوف يلاقوا المصير نفسه. وسيكون هناك ضحايا آخرون للحفيد القائد، ما لم نقف نحن المثقفين الليبراليين وقفة مسؤولة وجماعية، ونتحرك بقوة، ليصل صوتنا إلى ضمير العالم الحر. أما الضمير العربي المرحوم فقد أصبح رميماً.
السلام عليكم.