أثارت مقالتي الأخيرة ( نعم.. إيران لا تختلف عن إسرائيل ) تفاعلا وجدلا واسعا بين القراء من خلال 48 تعليقا لقراء من مختلف الاتجاهات والمفاهيم، ولقناعتي بأهمية التفاعل مع أفكار القراء الجادين الذي يناقشون الأفكار تأييدا أو معارضة بطرح أفكار معارضة، رأيت من المهم عرض بعض نواحي هذا التفاعل الخاص برؤيتي ( أن إيران التي تحتل أراض عربية منذ عام 1920 وتهدد اليوم باحتلال مملكة البحرين العربية العضو في الجامعة العربية والأمم المتحدة والتي بينها وبين إيران اعتراف وتمثيل دبلوماسي... هكذا إيران لا تختلف عندي عن دولة إسرائيل ). كانت مواقف القراء ضمن محاور ثلاثة:

الأول: التأييد المطلق لخطورة إيران الاحتلالية
هو موقف الغالبية العظمى التي أيدت توجهي هذا مستعيدين العداوات التاريخية بين الحكومات الإيرانية المتعاقبة وجيرانها العرب، وقد كرّر أكثر من قارئ أن الأطماع الإيرانية في جوارها العربي أيضا بسبب النفط، لأن إيران بوضعها الحالي قوة إقليمية لا يستهان بها وستصبح أكثر قوة ونفوذا بسيطرتها على النفط العربي المجاور، لذلك يرفضون حتى تسمية الخليج بالعربي، ومن تجربة لي مع إذاعة طهران الناطقة باللغة العربية، وقد حدث ذلك أكثر من مرة كلما يرد في تعليق لي على الهواء مباشرة كلمة ( الخليج العربي ) يقومون بقطع الاتصال مباشرة وبعد أسبوع عندما يتصلون مرة ثانية يبررون ذلك الانقطاع بسبب سوء الاتصالات، رغم أن الوضع الجغرافي للخليج يدلل على أن الجانب العربي من الخليج ابتداءا مما يسمى بحر عمّان وصولا لآخر نقطة في الحدود العراقية مضافا لها ما تمّ احتلاله في الأحواز العربية، أن الامتداد العربي على الخليج أطول من الامتداد الإيراني على الشاطىء الآخر للخليج، مما يعني أن تعنت إيران في تسميته الخليج الفارسي لا علاقة لها بتاريخ بقدر ما هي نظرة استعلائية احتلالية، وتصريحات شريعتمداري ليست من فراغ بقدر ما هي رؤية إيرانية مستقبلية حتى لو تمّ الاعتذار المؤقت عن هذه التصريحات.
ضمن هذا السياق هناك ألم وحزن عميقين من عرب الأحواز بملايينهم الخمسة، من التجاهل العربي لقضيتهم بما فيه موقف الجامعة العربية و أمينها العام السيد عمرو موسى، حيث يذكّر القارىء ( الطرفي ) أن الأمين العام رفض توجيه كلمة لعرب الأحواز عبر شاشة الفضائية الأحوازية، ويا عرب الأحواز هذا هو قدركم فاعتمدوا على نضالات شعبكم، فمواقف الجامعة العربية من مختلف القضايا هي نتاج مواقف الأنظمة العربية، و ( من يهن يسهل الهوان عليه )، فالأحواز العربية ليست عند هذه الأنظمة أغلى من فلسطين والاسكندرونة وسبتة ومليلة، وحبل ضياع الأوطان على الجرّار!!.

الثاني: نظرية أوطان تافهة لا مانع من احتلالها
هذه النظرية السفيانية الجديدة وردت في تعليق لقارىء بتوقيع ( أبو سفيان ) وهو صديقي الكاتب السوري ( ن. ق ) المقيم في فيينا، وربما يستغرب بعض القراء كيف يكون صديقي وأعرفه ولا أذكر اسمه كاملا، وهذا حقه الطبيعي أن يكتب بأي اسم ويعلق بأي اسم، وهو خيار أحترمه خاصة أنني من المقدرين لكتاباته الجادة التي غالبا ما يغوص في أعماق التاريخ لإثبات وجهة نظر معينة. الصديق ( أبو سفيان ) في تعليقه مسألتان طريفتان:
الأولى: تنبيهه إلى تاريخ نشري لمقالتي فهو يقول في تعليقه: ( لا أريد أن أذهب بعيدا في تأويل المقالة وقراءة ما في القلوب والسرائر، ولا أريد أن أقول أن المقالة تتزامن مع وصول حاملة طائرات ثالثة ( يقصد أمريكية ) للخليج ). تنبهوا هو ( لا يريد أن يقول ) ثم ( يقول ) إذن لماذا التنبيه الأول، فاعقلها وتوكل يا أبو سفيان، فقد أعطيتني أكثر مما هو لديّ وعندي يا رجل، فهل تصدق نفسك للحظة أن هناك خطا مباشرا بيني وبين البينتاجون، فما إن غادرت حاملة الطائرات الثالثة متجهة لمياه الخليج العربي عندي والفارسي عند ملالي إيران، حتى أرسلوا الشيفرة الخاصة بنشر هذه المقالة؟!!. ونشكر الله أن حاملة الطائرات لم تهاجم إيران و إلا لصدّق البعض من السذج تكهن صديقي أبو سفيان ولقاضيته حينها أمام القضاء النمساوي، وكنت بحكم الصداقة سأطلب من البينتاجون دفع تكاليف الدعوة، لمعرفتي أنني وأبو سفيان ( في التعتير سوا).
الثانية: هي النظرية السفيانية الجديدة التي لا تنسجم مع غرامه بالتاريخ والانثروبولوجيا، وهي القائلة بأن هناك أراض تافهة لا مانع من احتلالها وهناك أراض لها أهل لا يجوز احتلالها، وبكلماته حرفيا ( إن إيران تختلف كثيرا فهي ليست نظام أبارتهايد عنصري واحتلالها لجزر تافهة في الخليج ليس كاحتلال أوطان وتشريد شعوب ). وخلافا لقوله فليته يستمع لما يعانيه عرب الأحواز وسنّة إيران من تمييز وتفرقة واضطهاد، وحكاية ( الجزر التافهة ) فهذه من وجهة نظره فقط ولا يشاركه فيها المحتلون الإيرانيون لأنها لو كانت ( تافهة ) لما أقدموا على احتلالها ورفضهم الانسحاب منها، فهي مهمة بالنسبة لموقعها الذي يتحكم في الملاحة في الخليج العربي عندي ( والفارسي عند ملالي إيران ) و ( بدون صفة عند أبو سفيان ) فهو يذكره الخليج فقط، وعندئذ من الممكن أن يختلط عند بعض القراء بخليج المكسيك الغني بالنفط أيضا مثل هذه الجزر الإماراتية العربية. ومسألة ( تفاهة ) بعض الأراضي التي لا أسف على احتلالها هل ينطبق هذا على لواء الإسكندرونة العربي الذي احتلته تركيا عام 1936، وهل هذا يعني أن النظام السوري عندما وافق على ترسيم الحدود الحالية مع تركيا في زمن الرئيس حافظ الأسد معترفا بأن لواء الإسكندرونة العربي جزءا لا يتجزأ من تركيا، قام بفعل ذلك لأن لواء الأسكندرونة أراض تافهة حسب النظرية السفيانية الجديدة؟. و كلي أمل أن لا تنطبق هذه النظرية على هضبة الجولان المحتلة منذ عام 1967 وفلسطين المحتلة منذ عام 1948 وسبتة ومليلة التي لا أذكر تاريخ احتلالها من أسبانيا!.

الثالث: ربط الموقف السياسي بالطائفية
هذا الموقف الغريب عبّر عنه قارىء واحد ( أحمد الفراتي ) إذ ربط بين موقفي من إيران المحتلة لأراض عربية بخلفية طائفية لديّ إذ كتب قائلا: ( أحمد أبو مطر يفصح عن وجهه الحقيقي بالتأكيد أن العرب عندما يهاجمون إيران بهذا كل القرف ليس لسبب قومي بل لسبب طائفي بحت، فهذه تركيا تحتل لواء الإسكندرونة السوري واسبانيا تحتل سبتة ومليلة المغربيتين فلم نسمع من يساويهما باسرائيل، ولكن إيران يجب أن تشتم دوما لأنها شيعية ). وأنا أقول لأحمد الفراتي وكل إنسان في هذه المعمورة أن هذا المنطق هو حجة الضعيف الذي لا يستطيع دحض ما ورد في مقالتي عن إيران وسياستها التوسعية الاحتلالية، فأنا أبعد البشر عن الطائفية وقد انتقدني الكثيرون بسبب دفاعي عن الشيعة وقد أوضحت ذلك في مقالتي ( بيان للناس )، ولكن يبدو أن هذه النزعة الطائفية أصبحت مرضا يتسلل لنفوس وعقول بعض العرب، بدليل ما نشهده من ذبح وتفجير على الهوية في العراق.
أكرر القول إن من ميزات ( إيلاف ) إتاحتها هذا الهامش من الحرية للقراء كي يعبروا عن وجهات نظرهم، وفي هذا خدمة للحقيقة وللكاتب كي يستفيد من أراء القراء خاصة أن هناك من القراء من لا ينقصهم أية خبرة لينضموا لقافلة الكتاب. أعاننا الله على قول الحقيقة سواء وصلت حاملة الطائرات الثالثة للمنطقة أم لم تصل، وما أدراك يا أبو سفيان أن هذه الحاملة جاءت لسبب علمي بحت وهو البحث في أعماق مياه الخليج عن وثائق تثبت ( عروبته) أم ( فارسيته )؟!
[email protected]