هناك الكثير من النوادر والطرائف التي أبدعها اللسان أو الموقف العربي, وبقدر إضحاكها لنا بقدر ما تتحمّل بالكثير من العبر والفضائل.ونذكر, على سبيل المثال لا الحصر, نوادرraquo;: جحا والناسlaquo; , raquo;أشعب والسمك laquo;, raquo;قلادةُ هَبنّقة. laquo; لكني سأكتفي بالتأمل في النادرة الأخيرة.فمن هو هبنّقة؟ وما حكايته؟ تقول العربraquo;:كان هَبنّقة يُضربُ بهِ المثلُ في الحمق, وقد بَلَغ مِنْ حُمقِهِ أنّه جَعَلَ في عُنقهِ قِلادة مِنْ عِظام ووَدَع ) أي: حَجَر (,وقال: أخشى أنْ أضيعَ, وقد فعلتُ ذلك ؛ لأعرف نفسي. وقد حَدَثَ أنْ حَوّلتْ أمّهُ القِلادةَ إلى عُنْقِ أخيْهِ وهُو نائم, فلمّا أصبحَ وَرَآها في عُنق أخيه, قالَ: يا أخي, أنتَ أنا, فمن أنا؟!laquo;. هذه النادرة العربية تفي, وبكل محمولاتها, بغرض المقالة) التي أكتبها من منطلق أنه يجوز لي, كفلسطيني في غزة, ما لا يجوز لغيري). ولو أفْردنا لكلّ مَحمول, فيها, جانبًا من الوقت الرياضي, لما انتهينا من تسجيل الأهداف في المرمى ؛ نظرًا لحيوية الدلالة وذكاء انعكاسها على الشأن الفلسطيني المَرويّ والملعوب على اللسان العربي بالأصالة, وعبر الإعلام كوسيط, منذ أمد بعيد. وبعملية جرد بسيطة يوجد في النادرة: حماقة, قلادة, عظام ووَدَع, خوف من الضياع, تَحوّل, أخَوَان وأمّ, وقراءة الذات في الآخرraquo; أنتَ أنا laquo; وأسئلة في الهوية وعنهاraquo;فمن أنا؟! laquo;!
ولكي نكفّ عن الوقوع رهينة إغراء كلّ دلالة حيوية من هذه الدلالات المستجيبة والقابلة للدخول في قراءةٍ ماكرة, ذات عمق وخصوصية فلسطينية ؛ سوف نكتفي بأيقنة raquo; هَبنّقةlaquo;الفلسطيني, بعد الاعتذار للسان العربي عن خصخصةraquo;هَبنّقة laquo; وضياعه فلسطينيًا, بعد أن كان عربيّا. إنّ خَصخصة الأيقونة, بالأحرى, يسهّل علينا عملية فرز وتحميل المحمولات على حامل ومحمول, وإبدال علامة كالقلادة أو الوَدَع بالهوية وبالمسئولية الكبيرة والثقيلة في عنق أيقونة تحتك في السؤال عن الهوية, في ظل التحوّل الدراماتيكي الذي أحدثته الأمّ أثناء نوم raquo;هَبنّقة . laquo; إنه سؤال شعري بامتياز:raquo; أنت أنا, فمن أنا؟ . laquo; وقد تنبّه محمود درويش لهذه الشعرية الفائضة في سؤال كهذا. فالآن ندرك لماذا هو يتمسك بهذه السؤال, كلّما نظر إلى صورته الفوتوغرافية في العشرين من عمره, أو صورته في المرآة, في جلّ دواوينه الشعرية. وبإمكان القارئ أن يجد هذا السؤال باشتقاقاته التي تلفّ وتدور حوله دواوينه التي ينطبق عليها أن قراءة عمل أو ثلاثة منها يعطي صورة أقل اغترابًا عما يَود قوله لاحقًا, دون أن يكون لديه الجديد الحقيقي, بعيدًا عن نفخ الصحافة. ومن باب التخفيف على الباحث ليتصفح, وحسب, الأعمال الجديدة التي تَضم خمسة دواوين للأيقونة ؛ التي اتكأت على ماء فانكسرت.. وبمسيس الحاجة, هي الآن, لمعالجة شخصية (لا فلسطينية) معنوية ومَجازية وإعلامية أخرى, في ظل التحولات التي آلت بالقلادة والسلطة من أخ فتحاوي إلى أخ حمساوي؛ حيث أعقب هذا المكر من الأمّ المزيد من الانقسام والفجوات والتصدعات بين الفلسطيني والفلسطيني, في غزة والضفة الغربية؟ وقد سجّل درويش إحدى يوميات التي laquo; أنت منذ الآن غيركraquo;, وجاء ذلك كردّ فعل أولي ( من باب انه يريد أن يكتب أي شيء ) على الانقلاب العسكري والتحول السريع في الموضوع الفلسطيني ميدانيا وسياسيا ودوليّا.
وماذا عن داخل الخط الأخضر؟! هذا هو السؤال الذي يرمي بنفسه, في هذه المقالة, داخل الشرخ الفلسطيني العميق. ويعلو الآن, بالذات, مع قبول محمود درويش دعوة الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة له ـ لأحياء أمسية شعرية في مدينة حيفا . فهل أرادَ حامل القلادة الفلسطينية التي تَحول، للآن, دون تسميته بحامل نوبل؛ هل أراد بهذا القبول, وبهذا الدخول إلى مسقط رأسه في مدينة حيفا إحدى مدن فلسطين التاريخية في أراضي 48 التي لم يدخلها منذ قرابة 40 عامًا ؛ أن يقول أنه مازال مجازًا أخضر موجودًا في حقيقة مرسلة إلى فلسطين الأمّ, برغم ما تشهده اللحظة الفلسطينية من ضياع مستمر للأم نتج عن حماقة الأبناء الأخوة الأعداء, وحماقتها في أراضي 1967؟! ربما أنّ قبول درويش لدعوة إحياء أمسية, في هذه الأوقات العصيبة, داخل الأراضي الفلسطينية التاريخية ؛ يدخل في اقتراح رده الاعتبار لفلسطين بوصفه حاملا للقلادة والحجر والرمزية. ولكنها, في الوقت ذاته, خطوة إجرائية وإعلامية يقبلها كحماية ولحفظ ماء الوجه. فيما الحقيقة والمجاز من منفى إلى مبنى, إلى منفى, ومن معنى إلى فراغ, إلى تكرار لذات المعجم, وترداد للصدى, في اقتراحات المراهقة الشعرية الأخيرة !
إنه لا علاج ولا ترياق لمواجهة سمّ الأم والأولاد, بظني, تملكه, الآن, كل المجازات والمزاجات الشعرية والشخصية والاعتبارية الوطنية. لذا, فالسكوت والانخراس خجلاً مطلوب من رمزية درويش.. فليكمل عمارةَ صمته التي كَمن ولَبد في شرفاتها المطلّة على رام الله ؛ في أوْج تجليات الفساد السياسي والإداري, داخل السلطة الوطنية الفلسطينية!
الوجدان الفلسطيني, غير جاهز لأن يَعود درويش لإصلاح أيقونته بالدقّ والنقّ, في وقتٍ يخيّم فيهِ الوجومُ على الوجوه, أمام القتل العمد لكلّ دلالة تَذهب بنا إلى فلسطين التي لا يستحقها الأولاد ولا تستحقهم الأم سواء بسواء. لم تعد, إذًا, ثمة دلالة كبيرة, لقد انكسرت الكَبارة, مثلما انكسرت سمعة عادل إمام في فيلم raquo; السفارة في العمارة . laquo; وهل ثمة سوريالية شعرية أكثر إضحاكا من إتكاء أيقونه على ماءٍ انكسرت في وَدَع انكسر وضاع؟ دعك من استثمار سلسلة حوادث القتل العمد, يا ابن أمّي.
لا أظنّ أنّ هَزيمةً وضَياعًا متكاملا وموتًا للإرادة الوطنية بسيادة لون على لون وحرد لون من لون, تعوّض بمعالجة صوتية وعودة خاطفة مشبوهة النوايا من شاعر لا يكفّ عن عاداته السيئة في الظهور على منصات الخراب والحادثات التي كَبّدتْ قصائدَه مَزيدًا من العظام والحجارة والقلادات والحمام السياسي.
المطلوب، الآن, أن يندفن الفلسطيني, بصفة عامة, سواء صاحب الرمزية والأهلية, أو صاحب مكنسة البلدية. المطلوب أن يندفن في حيائه وخجله الوَرديّ. وأن يفكّر باستئجار مقبرة جماعية في سيناء القريبة من غزة. ربما يصحو العشب من الجثث, ونأمل أن ينعكسَ اللون الأخضر غزة, جارة سيناء. أقصد لون الأمل, بالتأكيد, لا لون رايات حماس العالية الآن!!