في ظل حالة إختلاط الرؤى و تصادم التيارات و تصاعد الأزمات و الحروب الطائفية و حالات التصدع الإجتماعي التي تحيق بالعراق و أحالته اليوم لسعير مستعر و لجحيم لا يطاق لشعبه، يتحمل حزب البعث العربي الإشتراكي الذي حكم العراق لأطول فترة في تاريخه المعاصر و هي فترة زمنية مقاربة تقريبا لفترة الحكم الملكي، مسؤولية تاريخية كبرى عن تدهور الوضع العراقي و العربي بشكل عام أيضا، فهذا الحزب القومي الذي تهشم بعد أن تحول لمؤسسة سلطوية وعائلية سواءا في العراق أو في سوريا لم يبق من آثاره اليوم سوى الذكريات المرة و المأساوية و ثقافة الموت التي بشر بها وزرعها في المجتمع العراقي و هو حزب تحلل حتى قبل الإحتلال بعد أن تهشم لجزر طائفية معزولة و بعد أن تمكن الخطاب القدري و الديني منه ليتحول من بقي من البعثيين لعناوين أخرى سلفية في معظمها و متطرفة في إطارها العام، فهذا الحزب طيلة تاريخه لم يفرز مثقفا بعثيا حقيقيا واحدا بإستثناء بعض الأسماء العابرة و التي كانت ماركسية الثقافة أصلا و لاعلاقة عملية لها بالفكر البعثي الخاوي السطحي و المترهل، و رغم قومية فكر هذا الحزب و توجهاته السياسية العامة إلا أنه فشل فشلا ذريعا على المستوى القومي و لم ينتشر في أقطار العروبة و حتى العرب الذين دخلوه إنتسبوا إليه لإسباب إرتزاقية واضحة و معلومة معتمدة على هبات و منح و أعطيات الدولة العراقية، فالطلبة العرب من أردنيين و فلسطينيين و أرتيريين تنتهي علاقتهم بالحزب بعد إنتهاء دراستهم المجانية في الجامعات العراقية!! إنه حزب المرتزقة و الوصوليين، فلم تفتح فروع لهذا الحزب في غالبية العالم العربي رغم كل الإمكانيات المادية و الرشوات القومية ماعدا في بعض المناطق الرخوة و الهشة مثل فلسطين و لبنان و اليمن و قد كان الفشل كارثيا في الخليج العربي و في المغرب و شمال أفريقيا عموما و كانت هناك فروع فردية بسيطة في السودان و موريتانيا، لذلك فإن حزب البعث كان في حالة إنحسار حتى قبل فنائه النهائي في العراق، و اليوم و في إطار ذكريات الماضي خرجت للرأي العام بعض الأصوات الديناصورية للبقايا مما كان يسمى بالقيادة القومية للحزب و التي كانت قيادة مهلهلة و خائفة و إرتزاقية لم تنجح في التبشير القومي و أستهلكت نفسها في صراع السياسة الداخلية البعثية في العراق، فقبل فترة وجيزة إطلعت على جانب من ذكريات المدعو (ناصيف عواد) و هو فلسطيني و العضو الإحتياط في القيادة القومية و مسؤول ما كان يسمى بمكتب الإعلام القومي في الحزب و الذي شفط مبالغ هائلة على نشرات هزيلة كانت تصدر في باريس ومنها مجلة (الطليعة العربية)!! هذا غير سلسلة المجلات العربية الإرتزاقية المعروفة و التي حول بعضها البندقية للكتف الأخرى بعد غزو الكويت!! و لذلك حكايات أخرى؟ المهم أن ذلك الرفيق (ناصيف عواد) و بعد أن بلغ من العمر عتيا عاد ليتذكر أيامه في العراق و قد هالني حجم ودرجة الجهل المعلوماتي المرعب لما كان يحدث في العراق من تصفيات وقتها و تفسيراته السطحية المفجعة للعديد من المصائب التي تسبب بها البعثيون في العراق؟ فهو مثلا لا يعرف من إغتال القيادي البعثي السابق (عبد الكريم الشيخلي) في بغداد في الشارع عام 1980؟؟ و هو لا يدري شيئا عن مؤامرة الرفاق القياديين المفبركة عام 1979 و التي صعد فيها صدام المشنوق للسلطة الأولى على جثث رفاقه البعثيين؟ و لكن الموضوع الخطير هو أنه قد أورد روايات تؤكد إرتباط العديد من القياديين الفلسطينيين بالنظام العراقي البائد؟ فهو مثلا يذكر أن سفير منظمة التحرير في طهران عام 1980 السيد هاني الحسن قد نقل لصدام حسين خبرا مؤداه أن إيران تعد العدة للحرب ضد العراق بعد إنتهاء موضوع رهائن السفارة الأميركية؟؟؟ و هو خبر لا أعتقد أن له مصداقية حقيقية في ظل حالة الإختلاط المعلوماتي للرفيق عواد و الطريف أنه قد فسر إعدام القيادي البعثي المعروف (عبد الخالق السامرائي) بعد ستة أعوام من إعتقاله بكونه كان متآمرا!! ومن الواضح أن السيد عواد كان يهرف بما لا يعرف؟
أحلام الرفيق قاسم سلام الإنقلابية؟
و لعل أطرف الروايات و الحكايات لبقايا السلف الطالح من قيادات البعث القومية هي الروايات العجيبة التي أطلقها الرفيق قاسم سلام الشرجبي من اليمن السعيد!! و الذي على ما يبدو ووفقا للشواهد المعلوماتية من أنه أطلقها تحت تأثير نبتة (القات) التي تناولها في (مقيله)!! فكل رواياته متناقضة و مخربطة بالكامل بل أنها خرافية فمثلا يؤكد السيد قاسم من أنه قد حلم بإنقلاب ناظم كزار مدير الأمن العام في حزيران/ يونيو 1973 و بلغ رفاقه بذلك إلا أنهم لم يصدقوه رغم أنه لم يكن في العراق وقتها بل كان في روما يدرس الدكتوراه على حساب الشعب العراقي!!!، كما انه قد أكد أيضا بأن الرفاق الذين تآمروا على زعيمه صدام في عام 1979 قد حلم بمؤامرتهم أيضا و حذر القيادة القومية!! لذلك فهو يستحق لقب الرفيق (كاشف الغيب) أو (الرفيق الحالم)!!، و لكن الكارثة الكبرى كانت في كذبته التاريخية بكون المرحوم القيادي عبد الخالق السامرائي قد وضع في عام 1973 و قبل المؤتمر القطري الثامن للحزب تحت الإقامة الجبرية!! وذلك ليس بصحيح بالمرة حيث إدعى قاسم سلام من أن السامرائي كان يستطيع مقابلة من يشاء في حجزه!!! وهي كذبة وضيعة لكون السيد المرحوم عبد الخالق السامرائي (أبو دحام) كان في زنزانة إنفرادية في سجن المخابرات و في ظروف بشعة ولم يتسن حتى لوالدته العجوز رؤيته و أخرج من سجنه الإنفرادي مباشرة نحو ساحة الإعدام في حديقة القصر الجمهوري في صيف 1979 و هو لا يعلم بمؤامرة أو أي شيء و لم يكن متآمرا كما قال قاسم سلام!! بل ذهب ضحية حقد صدام الشخصي عليه و خشيته منه و من تحركه الحزبي داخل إطار القيادة القطرية!! و لعلاقاته الوثيقة مع الأحزاب و القوى الوطنية العراقية و العربية الأخرى، لذلك فإن روايات الرفيق اليمني قاسم سلام لا تعدو أن تكون سوى تزوير فاضح للتاريخ القريب و المعاش و المكشوف؟ أما بقية الرفاق البعثيين فقد إندرست آثارهم فالرفيق (علي غنام) و هو سعودي لا نعرف أين حل به الزمان؟ أما الرفيق شبلي العيسمي الأمين العام المساعد فهو اليوم ينتقد بمرارة كل التجربة البعثية الدموية الفاشلة؟ و كما أسلفنا فلا وجود قومي حقيقي لحزب البعث القومي لذلك ظهرت نفايات التاريخ لكي ترسم أكاذيب سطرت تحت تأثيرات (القات)!!، فالبعث لم يكن سوى كذبة تاريخية موجعة لم تزل سياطها تلسع ظهور العراقيين و العرب.
[email protected]