يعتقد علماء النفس وأطباء الأمراض العصبية والسيكولوجيون أن كل واحد من عشرة لا يعرف السعادة من الحزن أعمى عن الغضب والمرح، ويحاول الباحثون النفاذ إلى الدماغ لفهم أولئك العميان (نفسيا) تماما كما في عمى الألوان بيولوجيا. وفي هذه الرحلة تكمنوا من فك معضلات عدة في عالم النفسي الخفي الغريب. كيف يلاحظ الإنسان شعوره المباشر والسريع بالكراهية تجاه إنسان معين؟ ماهو الدور الذي يلعبه الجسم في خلق العواطف؟ ولماذا كان الرجال أقل رومانسية وعاطفة من النساء ولماذا تبكي المرأة وهل البكاء رحمة أو ضعف؟
مرض فقد التعبير (الكسيثيميا A lexi thymia):
هناك مقدار من الناس لا يتمتعون بعواطف معينة باردون كالثلج. ويجب أن نعرف أنهم ليسوا ممن يملك أو يتحكم بعواطفه في موت عزيز وفقدان حبيب، بل لا يملكها، كما لا يفرق مريض عمى الألوان بين الأحمر والأخضر..
ويذكر عام النفس البريطاني (هادفيلد) أنه اجتمع في ظروف الحرب بجنود مصابين بالشلل، بدون قذيفة أو جروح أو رضوض في الرأس، وآخرون مصابون بالعمى، بدون أي سبب واضح من جرح غائر في العينين أو مرض عضال في الشبكية.
كان الفحص العصبي عند كلا النوعين من الأمراض سلبياً، ومع ذلك كان الأول مشلولاً والثاني أعمى .
وقد أطلق على هذا النوع من الإصابات (العاهات بسبب نفسي).
ويقدم عالم النفس هادفيلد تفسيرا عجيباً لآلية حدوث المرض حينما تقع النفس الإنسانية في متحارجة بين أداء الواجب وبين المحافظة على الحياة، فتقوم باختراع حل وسط لا يتدخل فيه الوعي فيربح الحياة ولا يخسر السمعة، يحافظ على الذات والوضع الاجتماعي.
هذا الجدل الإنساني العجيب يولد عندما تصدم النفس على نحو محير، وتعجز النفس عن التعبير إلا بهذه الطريقة.
ويعرف اليوم أن هذا المرض أي فقد التعبير أو العجز عن التعبير آفة منتشرة تصيب الكثيرين فيكونون أقرب إلى الروبوت بمشاعر باردة في صلابة الحديد.. في برودة الحديد.. وهم لا يشعرون.
والمرضى من هذا النوع الذين يفقدون التعبير يدخلون تحت مصطلح كلمة (الكسي ثيميا A lexi thymia) وهي مكونة من ثلاث مقاطع في اللغة اليونانية كما يعرِّفها صاحب كتاب (الذكاء العاطفي) (دانييل جولمان) :
(A) وتعني (النقص) أو فقد، و (Lexi) وتعني (كلمة) أما (thymia) فتعني العاطفة، ويصبح المعنى الإجمالي هكذا (العجز عن التعبير عن العواطف).
وهذا الصنف من الناس لا تنقصه المشاعر فخزان العواطف موجود، ولكنه يشبه جدول الماء المخبأ تحت صخرة صماء.
ومن هنا يصف القرآن القلوب أحياناً أنها كالحجارة أو أشد قسوة.
فبعد أن يتكلم القرآن عن قصة البقرة العجيبة وكيف يتم إحياء الميت بقطعة من لحم البقرة الميتة المذبوحة يعقب على عواطف القوم فيصفهم بطريقة ساحرة:
ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة، وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار، وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء، وإن منها لما يهبط من خشية الله. وما الله بغافل عما تعملون.
وصاحب هذا الانحراف الإنساني لا تعرف الدموع طريقا إلى عينيه سبيلا، ولكنه إذا بكي تدفق منه شلال من الدموع في آلية تعويض.
وهو أمر شاهدته بنفسي من رجل فكر صلب، عقله يشبه القطب الجنوبي أو الشمالي في البرودة كما وصف هيجل الفلسفة، حتى إذا ماتت زوجته رأيت دموعها شلالات نياجارا.
بعدها انحبس الدمع ورجعت حليمة لعادتها القديمة..
وهو أمر يذكرني أيضا بالألمان؛ فقد خيل إلي من عشرتي الطويلة معهم أنهم كالروبوت ليس عندهم مشاعر!! في صلابة الحديد.. وفي برودة الحديد.. إذا ضربوا أوجعوا وإذا مشوا أسرعوا وإذا عملوا أتقنوا، وفهمت كيف نجح النازيون في محرقة الهولوكوست، فالألمان شعب جدي رائع التنفيذ مبدع العطاء والإنجاز، قتلا كان أو صناعة، والويل لمن يقع تحت أيديهم أو أيدي اليابانيين... فلا وزر؟
حتى إذا انهار سور برلين رأيت الدموع في المآقي، والعناق بدون شروط، فقلت خالص عواطفهم لهم وليست لك فأنت لا بواكي لك؟؟
واحتار العلماء في هذه الظاهرة (موت العواطف) التي يبدو أن لا علاج لها . وقد يظهر عرض المرض في شكاوي غامضة بسبب اختلاط الأعراض الجسمية مع النفسية، ويعرفها أطباء النفسية تحت (السوماتية Somaticizing) وهي تختلف عن مرض (السايكوسوماتي Psychosomatic) التي هي مشاكل عاطفية تقود إلى أمراض عضوية حقيقية، كما في داء كرون في الأمعاء الدقيقة، أو قرحة المعدة، أو الإصابة بالشلل أو العمى الحقيقيين، عند الجنود الذين يقعون في صراع نفسي بين واجب القتال والتعلق بالحياة؛ فتحل العضوية المشكلة في الإبقاء على الجندي فلا يموت، ولا يغامر بحياته موتا فلا يقاتل، كما في الظاهرة التي نقلناها من عالم النفس (هادفيلد ) في كتابه (تحليل نفسي للخلق).
وفي مؤتمر علمي لأطباء الأعصاب عرض الدكتور (انتونيو داماسيو) أستاذ المخ والأعصاب بجامعة ايوا قصة عجيبة عن المريض (ايليوت) الذي تعرض لعملية على فص المخ الأمامي، حيث ظهر عنده أعراض مرض (اليكسي ثيميا ـ فقد التعبير) بشكل واضح، بسب انفصال المخ العاطفي عن المخ المنطقي في القشرة.
ونحن في الواقع يتكون دماغنا ليس من دماغ واحد بل من ثلاثة: العميق مثل الحشرات والزواحف، فيه مراكز الحياة، مثل التنفس وضربات القلب.
وفوق ذلك يأتي المخ المتوسط وفيه مركز العاطفة، أما القشر في الأعلى فهو مختص بالعمل العقلي البارد، والمشكلة أن إصابة المخ العاطفي يقضي على بعد إنساني لا يعوض، ومريضنا اليوت لم يكن الخلل في الذاكرة عنده أم الحسابات المنطقية، ولكن بكل بساطة انعدام القدرة في اتخاذ أي قرار ولو إعطاء موعد.
وهكذا فقد اليوت وظائفه مع أنه كان محامياً بارعاً ورسا مصيره في النهاية في غرفة معزولة عند أخيه بعد أن فقد عائلته وأمواله ومصيره المهني.
دورة العواطف في المخ؟
نحن تعلمنا من الطب أنه يوجد دورتان في الجسم الدم واللمف.
ووجود الدورات منوع في البيولوجيا أو الطبيعة أو النفس أو التاريخ.
فإذا كان هناك دورة للماء في العين، فإن الماء له نفس الدورة في الطبيعة، بين التبخر والنزول وينابيع تنبجس في كل مكان.
ودورة الماء في العين تحافظ على ضغطه في الحدود التي خلق عند حدودها فوجب أن لا يزيد، وأطباء العينية بلغ حذقهم أن يقيسوا الضغط بون ضغط العين؟
وكل شيء عنده بمقدار عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال.
والدورة الدموية عرف أنها دورتان الكبرى والصغرى، منها ما ينطلق إلى الدوران العام، ومنها إلى الرئتين ليعود نقيا صافياً مشبعاً بالأكسجين وهي ليست مقتصرة على البشر.
وهناك الدورة الهرمونية عند المرأة بين إفراز البروجسترون والاوستروجين، وهما هورمون الأمهات وهورمون المحبات، فمع الأول تشتد غريزة الأمومة، ومع الثانية يحصل الميل الجنسي للقاح، وهي ليست ببناء حواء، بل بكل المخلوقات حتى لو كانت تماسيح وفيلة وقطط في شباط؟ بفارق أن فترة الميل الجنسي عند الفيلة هي لمدة ثلاث أيام كل أربع سنوات، وهي عند المرأة الشابة كل شهر بدورة لا تعرف الانقطاع أو التوقف، إلا في حالات المرض والشيخوخة.
ويظن البعض أن تدفق الدم في الحيض علامة على قصور عقل المرأة، وهو ليس كذلك بل هو بكاء الرحم دماً، أن لم يحصل لقاح واجتماع بالحبيب. وهناك دورة هورومونات في الدماغ إلى الجسم، ومما عرف أن الغدة النخامية الجالسة في السرج التركي في قاعدة الجمجمة، لا يزيد وزنها عن نصف غرام، إلا أنها تفرز عشرة هورمونات، دورها أن تحرض بقية هورمونات الجسم على تنظيم الوظائف من نمو ونشاط.
فإذا خلصنا من الجسم وما حوى رأينا الدورة التاريخية في المجتمع؛ فكل أمة تحافظ على قيمها بلهيب نار وسيف متقلب، وتكره أي تغيير، وتعيد إنتاج نفسها طبق الأصل، في دورة حديدية محكمة، ومنه عانى الأنبياء والمصلحين الأمرين في التغيير، بسبب وجيه وآخر فاسد، فلا بد من التغيير لأنه تجديد ولا بد من المحافظة من أجل البقاء.
ولكن مجتمع الأفاعي والعقارب والضفادع لا تتغير، خلاف المجتمعات البشرية، وهنا تحصل دورة حزينة مأساوية في التغيير؛ فكل مصلح يحارب بشراسة، من نفس أتباع المذهب الثوري السابق، حتى إذا سادت الفكرة بعد عذاب، ونجحت تحولت إلى سد في وجه أي إصلاح جديد.
وهو قدر يحصل عند جميع المجتمعات وليس خاصا بواحد دون آخر، وحاليا بورما تعاني من استعصاء سياسي حضاري، وتعتقل الرهبان البوذيين بالجملة والمفرق لأنهم قالوا لا للفاسد والفساد؛ فحكموا بالسجن نصف قرن، لأنهم حملوا موبايل جوال يذيع بعض الأخبارـ التي يحاول الجنرالات التكتم عليها حتى يبقى الصراع في ظلمات السرية؛ فلا يعلم العالم ما يجري في الداخل؟!
ولكن هذا الوضع كان سائدا في مجتمعات أخرى مثل ألمانيا الشرقية ورومانيا، حتى جاءها الأجل، وحاليا كوريا وكوبا وسوريا من بقايا الجيوب الستالينية تخوض نفس الوضع من الحمل الثقيل الذي يجب أن تولد فيه الأوضاع من رحم الزمن، فلا يمكن أن ينجو مجتمع من قانون الله، ومن يغفل عن سنن الله فإن سنن الله لا تغفل عنه.
إلا أن أكثر الناس لا ينتبهون إلى هذه الدورة العجيبة.
وابن تيمية ضرب يوما من أجل أفكاره، ولكنها اليوم بلغت مرحلة التقديس فلا مساس، ولو بعث الرجل لحارب نفس أفكاره وحورب.
وفي علم النفس اكتشف عالم الأعصاب (جوزيف دو لو) من نيويورك دورة عاطفية في دماغ كل واحد منا، ومكانها الاميجدالا واسمها اللوزة، وهي في مقدمة الفص الصدغي في رأس كل واحد منا، وهي مركز المشاعر، فعندما نرى الشيء نفهمه عن طريق مركز المهاد، ولكن الرسالة الطويلة للتفسير تنطلق إلى الدماغ العلوي، أما الدورة السريعة فتتم عن طريق اتصال عصبي من منطقة المهاد الهيبوثالاموس إلى اللوزة، ومنه يتصرف الإنسان بانفعال وغضب أحيانا، لأن المشاعر مخزنة هناك، وإدراك الخطر يجعل التصرف فوريا بدون محاكمة عقلية، ومنه فنحن نتحرك في كثير من الأحيان بواسطة المشاعر البدائية من الانفعالات الأعظم، أي الغضب والقلق والاكتئاب.
وكثير من الجرائم تنطلق من هذا المكان فينقلب الإنسان إلى مجنون. وهو ما كتب حوله (دان آريلي Dan Ariely) تحت عنوان كتاب (قوة اللامنطق Might the Nonlogic) استفتح الكتاب بهذه العبارة الذكية: التفكير قد يساعد ولكنه قلما ينفع. وهذا يعني أن الإنسان يتخبطه الشيطان من المس.. أو تلك الإحصائية العجيبة عن انتحار 200 طبيب ألماني في السنة لا ينقصهم يورو وجنس وخمر وفتيات وعربدة وعمل وشوارع بهية ومناظر خلابة وغابات للتمشي وبنية تحتية رائعة وعيادات تلمع وبنات ممرضات تشع فتنة وجمالا ؟؟ فيجد الطبيب مأواه في حفرة تأويه؟؟ فلماذا الشقاء إذن؟؟
جوابه في الثلاثي التالي؟؟
مفاتيح السعادة الثلاث
في الفترة الطويلة التي قضيتها في ألمانيا أثناء رحلة التخصص طالعني دوماً أمران استعصيا على الانسجام والتفسير ولم يحل ذلك اللغز لي إلا آية من سورة النحل ووفرت لي دراسات علم النفس الإنساني أدوات معرفية لتشريح الآية.
كنت ألاحظ المجتمع الألماني يسبح في بحبوحة من رغد العيش والضمانات والأمن الاجتماعي، مع هذا فالإنسان الألماني لا تطل من قسماته مظاهر السعادة تظهر حدتها بشكل خاص يوم الأحد بعد الظهر في منظر كئيب لاستقبال العمل يوم الاثنين في لغز يستعصي على الحل.
هذا الكلام لا يعني أن مجتمعنا يشع بالسعادة والعافية بل هو أقرب إلى استلاب الأمرين فلا ضمانات ولا سعادة ورغد العيش يشكل استثناءً في جزر طافية على بحيرات بترولية لا ترجع رفاهيتها إلى العمل وبذل الجهد وعرق الجبين والإبداع المعرفي بقدر الصدفة الجيولوجية البحتة تدين بوافير عيشها لحضارة نشطة في بعد المشرقين تعمل أجهزتها في الغرب وشاءت الصدف أن يتدفق جزء ليس بالقليل من دمها من منابع الشرق فيما يشبه كائن أسطوري جسمه في مكان ودمه في مكان آخر.
كانت الآية القرآنية تعلمني مثل القرية التي ضرب الله فيها المثل آمنةً مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون.
أردت أن أنزل إلى تشريح الآية بواسطة أدوات معرفية جديدة بتسخير علوم معرفية حديثة من علم النفس والمجتمع.
لا يمكن فتح جمجمة بأدوات فرعونية ولا يمكن الدخول إلى عظيم أسرار الآيات بدون الاستعانة بمجموعة من الأدوات المعرفية الحديثة، وسنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنهم الحق، فيزداد التماع الحق بالتقدم في حقول النفس والطبيعة والتاريخ..
كلا من سيد قطب وابن كثير والقاسمي ثلاث مفسرون ينتسبون لفترات تاريخية مختلفة وهذا ما جعل إضاءة معاني القرآن لكل منهم يأتي حسب إحداثيات العصر ومشاكله؛ فأما ابن كثير فتوسع في قصة هاروت وماروت ومشاكل السحر كحاجات ملحة مسيطرة في عصره، ولو بعث في عصرنا لبحث مشاكل من نوع مختلف.
وتناول قطب ميكانيكا الكم بدون ذكر اسمها في فكرة مفاتيح الغيب من سورة الأنعام كما توقف لصفحات طويلة عند كلمة اجعلني على خزائن الأرض ليوسف لتوسيع مفهوم الحاكمية، ولو رجع قطب ألف سنة إلى الخلف لبحث أمورا تهم ذلك العصر.
وتعرض لقاسمي لفكرة السياحة عند المرأة والرجل كما أن رشيد رضا توسع في تفسيره المنار في بحث المشاكل الاجتماعية والسياسية.
في ألمانيا لم أر الجوع وينام الإنسان آمناً في سربه عنده قوت أكثر من يومه لا يخشى الأجهزة الأمنية في ضمانات شتى ضد المرض والشيخوخة والبطالة وحوادث العمل وحتى ضمانات ما بعد الموت لعائلته كي تعيش بكرامة ونعمة فلا تتكفف الناس.
مع هذا كانت الوجوه في ألمانيا كالحة قاسية تشتد كآبتها مع ظهر يوم الأحد وتشرق الوجوه مع جرعة الخمر ظهر يوم الجمعة في استقبال عطلة نهاية الأسبوع .
وإذا كان الرزق وفيرا في الغرب مع الأمن على النفس فإن العالم العربي يعيش خارج عالم الضمانات، كما رآه المفكر ملك بن نبي عندما توقف الإشعاع الحضاري في حدود امتداده الجغرافي، فمعظمه لا يتمتع بالضمانات لأي إنسان في أي زمان أو مكان في تدمير كامل ساحق للبنى النفسية والاجتماعية لمجتمع مازال يعس في ليل التاريخ فلم يتنفس الصبح عنده بعد.
وذهب أبراهام ماسلو من مدرسة علم النفس الإنساني إلى شرح المسألة فرسم هرماً جميلاً للحاجيات الإنسانية يقوم على قاعدة عريضة من حاجات فيزيولوجية خمسة من الطعام والشراب والملبس والمسكن والجنس، وتقوم فوقها أربع طوابق تبدأ من الطابق الثاني بالأمن الاجتماعي ليأتي فوقها تقدير الذات والانتماء ويحلق على قمة الهرم أنف صغير من (الحاجة لتحقيق الذات).
وقد أشار القرآن إلى تحقيق الحاجات الفيزيولوجية بقوله: إن لك أن ألا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمأ فيها ولاتضحا (تبقى بدون مسكن) وهو ما فعلته أمريكا في محاولة إيواء أبنائها في مصيبة الرهن العقاري في خريف 2008م، ولكن الجشع والرأسمالية المتوحشة أودت المجتمع إلى المهلكة.
ولكن الحاجات الفسيولوجية لا تهب الإنسان كل السعادة بدون إضافة (آمنهم ) من خوف بعد أن أطعمهم من جوع .
مع هذا فآية سورة النحل أضاءت الموضوع بشكل متفرد عندما وضعت ثلاث صفات لأهل القرية (الأمان والرزق والطمأنينة) والكلمة الأخيرة مفتاحية حلت لي إشكالية فهم مفاتيح السعادة الثلاث فإبراهيم عليه السلام وصل إلى طمأنينة القلب عندما رأى إحياء الموتى وحواريو عيسى عليه السلام أطمأنت قلوبهم بتنزيل المائدة، والمؤمنون تطمئن قلوبهم بذكر الله، ألا بذكر الله تطمئن القلوب.
لابد من الرزق ولكن بدون أمن اجتماعي لن يهنأ لفرد شراب أو يستسيغ طعام أو يتمتع بزواج وعشرة؛ فالاستبداد يستل نور الحياة ويقتل كل بهجة.
وفوق هذه القاعدة العريضة والمتينة من (أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف) ينبت شعور فردي جديد من تحقيق الذات فيشع بالطمأنينة الروحية؛ فتكسي الوجوه فتعلوها نضرة خاصة.
هذا ما ينقص المجتمع الغربي الذي قطع شوطاً واسعاً من تحقيق الرفاهية والديمقراطية ونقل السلطة السلمي وأمن الناس على أموالهم وأرواحهم وأعراضهم.
أما في مجتمعاتنا فنحن خارج إحداثيات التاريخ والجغرافيا إلى إشعار آخر نعيش على أفكار ميتة وأخرى قاتلة نعيش كي لا نعيش.