نحن كبشر معرضين لثلاث انهيارات لا مهرب منها:
المرض والشيخوخة والموت.
فأما المرض فيكافح ضده الأطباء، وقد افلحوا جزئياً، ولم يستطيعوا حذفه من قائمة الوجود، وهذا يعني أن حياتنا مهددة في كل لحظة بالمرض.
وأما الشيخوخة فهناك آمال بمط الحياة من خلال الكشف عن خارطة الجينات بحيث يمتد عمر الإنسان قرونا.
ونحن نعرف أن نوح لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما.
وأما الموت فيبدو أنه نهاية المطاف ولا مهرب منه، وهو أقرب إلينا من حبل الوريد.
استطاع الطب تخفيف الألم بالاسبرين وحقن المورفين، ومقاومة الالتهاب بالصادات الحيوية، كما أن الدخول إلى أخطر العمليات يتم من خلال استعمال الأدوات المعقمة وتحت التخدير؛ فهما السيقان التي مشت عليهما الجراحة الحديثة، وكان القراصنة وجنود معارك القرم من قبل تقطع سيقانهم في المعارك بالساطور، بعد جرعة خمر وضربة في الرأس تدوخ؟
أما مد (متوسط العمر) فقد نجح فيه الطب على نحو واضح، حيث ارتفع متوسط عمر الفرد في مناطق من العالم الى مافوق الستين، وكان قبل قرن عند الأربعين، بسبب ثلاثة أمور:
الغذاء الطيب، والسكن المريح، وتطور النظام الصحي.
وبالمقابل فمازال هناك أناس يموتون في أمريكا في عمر صغير بالمرض، كما قد يعمر أناس إلى المائة، ولكن الناس عموما طالت حياتهم، وزادت أرزاقهم، وتمتعوا بالحياة على نحو أفضل، وخفت وتيرة الحروب، في الشمال دون الجنوب، ولم يعد الطاعون يهجم على حواضر العالم فيمحو محاسن تلك الصور، ويترك المدن خاوية على عروشها، فيأتي رجل على حماره يسأل أنى يحيي هذه الله بعد موتها؟
ولكن الموت هو قدرنا وهو نهاية المطاف...
ولكنه لماذا كان مخيفاً؟
قلت لصاحبي الذي سألني لماذا كان مخيفا؟
إنه مخيف لثلاث اعتبارات:
ـ فعند (ابن مسكويه) يرى أننا نخاف من الموت لتوقعنا حصول الألم وما لا يحمد عقباه؟
ـ كما أن العدميين يقولون إنه كارثة الكوارث، وكل خسارة تهون بجانبها فهو خسارة كل شيء، وفي الإنجيل ماذا ينفعك أن تربح كل الدينا إذا خسرتك حياتك، لأن فوق الحياة يأتي ما عداها، فإذا خسر الإنسان الحياة لم يبق شيء؟
ـ وأما الاعتبار الثالث فهو غياب معنى الحياة.
نحن نحزن إذا مرض ابننا، أو خسرنا مالاً، أو بقينا عاطلين بدون عمل، أما الموت فهو خسارة كل شيء، فالزوجات الحبيبات نفارق، فراق غير وامق، والحياة العائلية المستقرة نودعها بدون أمل في العودة إليها بتاتا.
وأنا شخصيا عرفت أن موت حبيبتي زوجتي، كانت الزلزال الأعظم والقيامة الصغرى في حياتي، وبعد خسارتها فليس من خسارة، وأقول أحيانا لو أن أحدهم قال لي هل تتنازل عن كل شيء مقابل استردادها؟
لقلت بدون تردد خذ كل شيء وأعطنا كل شيء؛ فقد كانت بوصلتنا وخريطتنا ونورنا الذي منه نقتبس، ونارنا التي منها نصطلي، وعمود خيمتنا التي كنا تحتها نأوي؛ فأصبحنا بدون بوصلة في الليل البهيم، وباردين نرعش بدون نار تدفيء في الشتاء الصقيع، وانهدم عمود خيمتنا فوق رؤوسنا فأنا في العراء سقيم.. ..
المرض والشيخوخة والموت.
فأما المرض فيكافح ضده الأطباء، وقد افلحوا جزئياً، ولم يستطيعوا حذفه من قائمة الوجود، وهذا يعني أن حياتنا مهددة في كل لحظة بالمرض.
وأما الشيخوخة فهناك آمال بمط الحياة من خلال الكشف عن خارطة الجينات بحيث يمتد عمر الإنسان قرونا.
ونحن نعرف أن نوح لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما.
وأما الموت فيبدو أنه نهاية المطاف ولا مهرب منه، وهو أقرب إلينا من حبل الوريد.
استطاع الطب تخفيف الألم بالاسبرين وحقن المورفين، ومقاومة الالتهاب بالصادات الحيوية، كما أن الدخول إلى أخطر العمليات يتم من خلال استعمال الأدوات المعقمة وتحت التخدير؛ فهما السيقان التي مشت عليهما الجراحة الحديثة، وكان القراصنة وجنود معارك القرم من قبل تقطع سيقانهم في المعارك بالساطور، بعد جرعة خمر وضربة في الرأس تدوخ؟
أما مد (متوسط العمر) فقد نجح فيه الطب على نحو واضح، حيث ارتفع متوسط عمر الفرد في مناطق من العالم الى مافوق الستين، وكان قبل قرن عند الأربعين، بسبب ثلاثة أمور:
الغذاء الطيب، والسكن المريح، وتطور النظام الصحي.
وبالمقابل فمازال هناك أناس يموتون في أمريكا في عمر صغير بالمرض، كما قد يعمر أناس إلى المائة، ولكن الناس عموما طالت حياتهم، وزادت أرزاقهم، وتمتعوا بالحياة على نحو أفضل، وخفت وتيرة الحروب، في الشمال دون الجنوب، ولم يعد الطاعون يهجم على حواضر العالم فيمحو محاسن تلك الصور، ويترك المدن خاوية على عروشها، فيأتي رجل على حماره يسأل أنى يحيي هذه الله بعد موتها؟
ولكن الموت هو قدرنا وهو نهاية المطاف...
ولكنه لماذا كان مخيفاً؟
قلت لصاحبي الذي سألني لماذا كان مخيفا؟
إنه مخيف لثلاث اعتبارات:
ـ فعند (ابن مسكويه) يرى أننا نخاف من الموت لتوقعنا حصول الألم وما لا يحمد عقباه؟
ـ كما أن العدميين يقولون إنه كارثة الكوارث، وكل خسارة تهون بجانبها فهو خسارة كل شيء، وفي الإنجيل ماذا ينفعك أن تربح كل الدينا إذا خسرتك حياتك، لأن فوق الحياة يأتي ما عداها، فإذا خسر الإنسان الحياة لم يبق شيء؟
ـ وأما الاعتبار الثالث فهو غياب معنى الحياة.
نحن نحزن إذا مرض ابننا، أو خسرنا مالاً، أو بقينا عاطلين بدون عمل، أما الموت فهو خسارة كل شيء، فالزوجات الحبيبات نفارق، فراق غير وامق، والحياة العائلية المستقرة نودعها بدون أمل في العودة إليها بتاتا.
وأنا شخصيا عرفت أن موت حبيبتي زوجتي، كانت الزلزال الأعظم والقيامة الصغرى في حياتي، وبعد خسارتها فليس من خسارة، وأقول أحيانا لو أن أحدهم قال لي هل تتنازل عن كل شيء مقابل استردادها؟
لقلت بدون تردد خذ كل شيء وأعطنا كل شيء؛ فقد كانت بوصلتنا وخريطتنا ونورنا الذي منه نقتبس، ونارنا التي منها نصطلي، وعمود خيمتنا التي كنا تحتها نأوي؛ فأصبحنا بدون بوصلة في الليل البهيم، وباردين نرعش بدون نار تدفيء في الشتاء الصقيع، وانهدم عمود خيمتنا فوق رؤوسنا فأنا في العراء سقيم.. ..
في الموت فراشنا الدافيء يصبح حفرة باردة. وليالي السمر والأنس مع الحبيب، تتحول إلى وحشة مدمرة، وغربة طاحنة، وسجن انفرادي لافكاك منه؟
نحن ندفن بدون حمل أموالنا فالكفن ليس له جيوب.
كما أن أي عمل أو وظيفة تنتهي، وأي كسب يضيع..
أي أن الموت هو خسارة كل شيء، وهو خسارة أكبر من كل خسارة، حتى أبداننا التي بها نأكل ونشرب ونتمتع نخسرها؛ فتصبح عظاما نخرة تلك إذن كرة خاسرة...
حتى العظام تستحيل في النهاية إلى تراب، يدخل دورة الطبيعة، وتستعار نفس ذرات أجسامنا، لبناء ذرات أجسام أخرى من حيوانات أو نبات أو زهرة وسحلية..
إن كل نفس نستنشقه بعض ذراته هي مما استخدمتها ديناصورات الأحقاب الجيولوجية السابقة، أو كانت قسما من مكونات أجسادها.
إن من يتأمل الحياة يشعر بوجود عقل مطلق لانهائي خلف هذا التعدد من مظاهر الوجود، وأن هناك برنامج أسمى يوجه الكون باتجاهه، وأنه مبني على الحق، وليس على العبثية أو الظلم، على الرغم من بعض مظاهر الظلم غير المفسرة.
وعندما نرى بطش ستالين في أوكرانيا، وفتك هتلر في معسكرات الاعتقال، وطغيان تشاوسسكو، ومذابح جنكيزخان وبول بوت وتيمورلنك، ومجازر تدمر على يد الأسد، يعترينا شعور من الاحباط والأسى وعدم الوضوح في معنى الوجود الإنساني.
ولكن النظر بعمق وبتحليق فوقي، يجعلنا نرى أن هناك خطة علوية لدفع هذا الكون نحو النمو لما فيه خير وأبقى.
ويعزينا سقراط فيرى أنه لابد من حياة أخرى، وإلا كان الموت نوما بدون أحلام. ويعطي الدين عزاء كبيرا عن معنى الحياة، من خلال الإصرار على حياة أخروية، حتى تكتمل صورة الوجود، كي توضع الموازين القسط ليوم القيامة ولو كان مثقال حبة من خردل أتى بها الرب وكفى به حسيبا.
ويرى باسكال أنه حتى من الناحية النفعية البحتة يبقى الاقتناع باليوم الآخر أربح؟
يقول: من يراهن على هذا لن يخسر شيئا، فإن صدق من يقول أنه ليس هناك من شيء بعد الموت؟ ولم يكن هناك شيء فعلا؟ فما الذي سوف نخسر؟ إنه يتساوى معنا؟؟
ولكن لو كان هناك شيء وحساب وعذاب وجنة ونار فالويل لمن يخسر الرهان؛ فعلينا حسب باسكال أن نراهن فهو يستحق ذلك؟؟ حتى من الناحية النفعية البحتة..
والويل لمن خسر في هذا الرهان.
إذاً المغامرة والمقامرة باعتقاد من هذا النوع فيه كل الربح. وقد علمنا ما تنقص الأرض منهم وعندنا كتاب حفيظ.
وفكرة اليوم الأخر هي نبع ثلاثي من الشعور بالعدل ومعنى الحياة وجمال حياة قادمة هي خير وأبقى أفلا تتذكرون.. وما هذه الحياة الدنيا إلا تقريب إلى حياة أعلى..
نحن ندفن بدون حمل أموالنا فالكفن ليس له جيوب.
كما أن أي عمل أو وظيفة تنتهي، وأي كسب يضيع..
أي أن الموت هو خسارة كل شيء، وهو خسارة أكبر من كل خسارة، حتى أبداننا التي بها نأكل ونشرب ونتمتع نخسرها؛ فتصبح عظاما نخرة تلك إذن كرة خاسرة...
حتى العظام تستحيل في النهاية إلى تراب، يدخل دورة الطبيعة، وتستعار نفس ذرات أجسامنا، لبناء ذرات أجسام أخرى من حيوانات أو نبات أو زهرة وسحلية..
إن كل نفس نستنشقه بعض ذراته هي مما استخدمتها ديناصورات الأحقاب الجيولوجية السابقة، أو كانت قسما من مكونات أجسادها.
إن من يتأمل الحياة يشعر بوجود عقل مطلق لانهائي خلف هذا التعدد من مظاهر الوجود، وأن هناك برنامج أسمى يوجه الكون باتجاهه، وأنه مبني على الحق، وليس على العبثية أو الظلم، على الرغم من بعض مظاهر الظلم غير المفسرة.
وعندما نرى بطش ستالين في أوكرانيا، وفتك هتلر في معسكرات الاعتقال، وطغيان تشاوسسكو، ومذابح جنكيزخان وبول بوت وتيمورلنك، ومجازر تدمر على يد الأسد، يعترينا شعور من الاحباط والأسى وعدم الوضوح في معنى الوجود الإنساني.
ولكن النظر بعمق وبتحليق فوقي، يجعلنا نرى أن هناك خطة علوية لدفع هذا الكون نحو النمو لما فيه خير وأبقى.
ويعزينا سقراط فيرى أنه لابد من حياة أخرى، وإلا كان الموت نوما بدون أحلام. ويعطي الدين عزاء كبيرا عن معنى الحياة، من خلال الإصرار على حياة أخروية، حتى تكتمل صورة الوجود، كي توضع الموازين القسط ليوم القيامة ولو كان مثقال حبة من خردل أتى بها الرب وكفى به حسيبا.
ويرى باسكال أنه حتى من الناحية النفعية البحتة يبقى الاقتناع باليوم الآخر أربح؟
يقول: من يراهن على هذا لن يخسر شيئا، فإن صدق من يقول أنه ليس هناك من شيء بعد الموت؟ ولم يكن هناك شيء فعلا؟ فما الذي سوف نخسر؟ إنه يتساوى معنا؟؟
ولكن لو كان هناك شيء وحساب وعذاب وجنة ونار فالويل لمن يخسر الرهان؛ فعلينا حسب باسكال أن نراهن فهو يستحق ذلك؟؟ حتى من الناحية النفعية البحتة..
والويل لمن خسر في هذا الرهان.
إذاً المغامرة والمقامرة باعتقاد من هذا النوع فيه كل الربح. وقد علمنا ما تنقص الأرض منهم وعندنا كتاب حفيظ.
وفكرة اليوم الأخر هي نبع ثلاثي من الشعور بالعدل ومعنى الحياة وجمال حياة قادمة هي خير وأبقى أفلا تتذكرون.. وما هذه الحياة الدنيا إلا تقريب إلى حياة أعلى..
التعليقات