في انتظار الباص الذي يصل أولاً.
وضع وليد جنبلاط صوته في دمشق. بهذا اصبحت دمشق متحكمة عملياً بالوضع الحكومي برمته. معارضة وليد جنبلاط او موالاته اليوم، تستند إلى هذ المعطى المتجدد في ما تراه دمشق وما تقترحه على اللبنانيين حول طبيعة العلاقة بين البلدين.
هذه العلاقة تريدها دمشق على النحو التالي: لم يعد دور اللبنانيين فقط خوض حروب بالواسطة، وفق معادلة اللاحرب واللاسلم التي أرستها القيادة السورية منذ عقود. اي لا حرب شاملة ولا سلام شامل، وبين الحالين تقع مناوشات في الأرض الرخوة التي تفرزها تطورات الاحداث. في فلسطين، في لبنان، في الأردن إن أمكن، في مصر: لم لا؟
لقد تطور المطلب السوري من لبنان إلى تفويضه ايضاً بالدبلوماسية النشطة المدافعة عن سوريا. وليد جنبلاط الذي يتموضع في الوسط بين تيارين لهما امتداداتهما الخارجية، يقول لن أخرج من فريق الموالاة إلى فريق المعارضة. إذ سوف يحدث ان تجد القيادة السورية نفسها ملزمة بالتضييق على مغامرات حربية من الجنوب اللبناني في اتجاه اسرائيل إذا كانت مصلحتها تقضي بذلك. وبالتأكيد سوف يحدث ان تعارض القيادة السورية ايضاً نهج الحكم في المسائل الأخرى، تلك التي تخص الدبلوماسية اللبنانية اولاً وايضاً ومن دون شك تلك التي تخص الاقتصاد اللبناني. شئنا أم أبينا، الاقتصاد السوري متعلق بالاقتصاد اللبناني مثلما ان الاقتصاد اللبناني متعلق بالاقتصاد السوري. من لبنان تستطيع سوريا ان تتحايل على العقوبات الدولية وان تستمر في اعمالها كما لو أن العقوبات لم تكن.
لكن الامر الحاسم يتعلق بالدبلوماسية اللبنانية. جنبلاط اليوم على صورة سوريا نفسها، يقف حائراً بين طريقين، منتظراً الباص الذي يصل اولاً. إذا نجحت دبلوماسية اوباما في اجبار اسرائيل على سلوك خيار تفاوضي منتج مع سوريا سيصوت الفريق الوسطي الذي يتزعمه وليد جنبلاط لمصلحة مفاوضات لبنانية مع اسرائيل حول ما تبقى من إشكالات ومشكلات بينهما. حيث من المرجح ان يعترض حزب الله على مثل هذا السلوك.
وإذا لم تنجح دبلوماسية اوباما في منع انفجار كبير في المنطقة تسعى حكومة بنيامين نتانياهو إليها، وكانت سوريا مستهدفة في هذه الحرب، فسيضغط الفريق الوسطي للمشاركة في أعمال الحرب. في هذه الحال لن تكون الموالاة سعيدة بما يجري. لأن اي حرب مهما كانت محدودة ستدمر ما بناه هذا الفريق في المجال الاقتصادي. يقول الرئيس فؤاد السنيورة: سوس الاقتصاد هو الأمن. إذا لم يكن الامن متوافراً ينهار الاقتصاد.
الفارق بين زيارة سعد الحريري إلى دمشق، وزيارة وليد جنبلاط التي تمت في المضمون بحسب الوزير السابق وئام وهاب، وبقي ان يتم تنفيذها شكلاً، ان سعد الحريري سيزور دمشق ممثلاً للبنان، ورئيساً لحكومته، اما زيارة جنبلاط التي تمت قبل أوانها، فهي زيارة فئوية في كل معانيها. اساساً لا يكف الزعيم الدرزي عن مهاجمة من يسميهم باليمين المتطرف من مسيحيي الموالاة بوصف هذا الهجوم هو جزء من التحضير للزيارة. كما لو ان الهدف من صنع هذه الطبيعة المحددة للزيارة هو فتح خصومة مع خصوم سوريا تزامناً مع انعقاد الزيارة مضموناً وشكلاً. والحديث عن الفارق بين الزيارتين هو حديث يتصل اتصالاً مباشراً بما تراه القيادة السورية الشكل الأنسب لممارسة نفوذها في لبنان. لا تريد لبنان بالجملة معها، وتصر على أخذه بالمفرق، لأنها وحتى إشعار آخر لم تحسم خيارها في اي اتجاه يسير.
في العام 1987 دخل الجيش السوري إلى لبنان واصطدم بمقاومة حزب الله التي اعترضت على الشكل والمضمون. في العام 1991 وبعد ان حط مؤتمر مدريد رحاله على مراوحة مديدة اصبح حزب الله المقاوم اكثر اسلحة سوريا فتكاً في صراعها مع إسرائيل.
ما أشبه جورج بوش الأب بأوباما. ما أشبه بشار الأسد بأبيه.