على هامش الجدل الذي أثير حول مقالة رضوان السيد:
فوجئت بمقالة للدكتور رضوان السيد، نشرها في جريدة الشرق الأوسط التي تصدر من لندن، بتاريخ 18 أبريل (نيسان) 2014، بعنوان: «الحملة على الإسلام... والحملة على العرب» لما تحمله من دعوة نقدية صريحة؛ لتيار علماني يعرف ب" العقلانيين العرب" وقد سمى الدكتور زعماء هذا التوجه الفكري بالاسم. وقد توالت عليه ردود متنوعة في شكلها وأسلوبها.
ما هو جوهر دعوة الدكتور رضوان في مقالته؟ وما الذي حمله على "جماعة العقلانيين" تحديدا؟ ولماذا في هذه الظروف بالذات؟
يتوجه الدكتور إلى هؤلاء المثقفين المعروفين بوزنهم في الساحة العربية، باعتبارهم من النخب التي يفترض فيها أن تقف إلى جانب الأمة العربية، أمام ما يتهددها من خطر خارجي (إيران) وداخلي ( الانقسامات التي تشهدها البلدان العربية) ويفترض أيضا ان تسخر أقلامها من أجل رأب الصدع، ولم شمل الأمة، وإدانة الاستبداد و الدكتاتورية، والنظام الذي يستعمل الاسلحة الفتاكة والكيمياوية بغية محو شعبه، وحرمانه من العيش الكريم والحرية وحقه في الوجود؛ كبقية بلدان العالم. ويبدو أن الدكتور رضوان قد طالب هذه النخب؛ أو تمنى أن تكون كذلك؛ وهو يعتصر ألما لما آل إليه الوضع في الوطن العربي؛ بالكف عن نقدها الجذري لأصول الإسلام، ونسفها للمنظومة "السنية" تخصيصا؛ على اعتبار أن المنظومة الشيعية لا تطالها سهام نقد هؤلاء؛ لكن "العقلانيين العرب" كانت لهم رؤية أخرى، و وأولوية أخرى، غير الذي يتمناه دكتورنا رضوان، إنها أولوية تفكيك التراث، ونقد ونقض أسسه، وأ صوله أولا، أما السياسات التسلطية فإلى حين تدمير أسس الاجتماع، بعدها يمكن مناقشة قضايا من قبيل الدولة الحديثة والديمقراطية. لقد كان أفق انتظار السيد من جماعة العقلانيين كبيرا، لا سيما وهو يجدهم يكثرون في الكتابة في كل شيء؛ باستثناء النظام السوري، (لاسيما الكتاب أدونيس والعظمة وطرابيشي) رغم ما ارتكب هذا النظام الغاشم من جرائم ومآسي في حق الأبرياء، أمام هذا الصمت فلا يستغرب المتابع، إذا وجد تصريحا لإعلامي "كبير " سيمور هيرش مفاده أن المعارضة السورية وتركيا استعملت السلاح الكيمياوي، وقد صفق له بعض مثقفي الممانعة، ليس غريبا ان يكون العمى الايديولوجي من بواعث إصدار هكذا مواقف.
وفيما يلي ندرج بعض الردود على مقالة الدكتور رضوان، من قبل رموز جماعة العقلانيين العرب:
&لكم دينكم ولي ديني
رد الدكتور عزيز العظمة (سوري): مقال «الحملة على الإسلام».. اختلاق وتقوّل غريبان
قال الدكتور العظمة في رده على الدكتور رضوان:
" ...ما سبق لي أن ناقشت رضوان السيّد في نصّ مكتوب ( ...) و ما سبق لي أن ناقشته لأنّني ما كنت مقتنعا بجدوى النقاش معه، وما زلت على هذا الرأي(... ) فإنّه لم يسبق لي أن ناقشت كتاباته التاريخية والسياسية ولم أستشهد بها ..." يتضح من خلال هذه العبارات التي تخللت رده؛ عدم استعداده للدخول مع خصمه في أي نقاش، ونتساءل هنا، إذا كان المثقف العربي قد أوصد باب الحوار- بهذه الطريقة- مع المخالف، الذي ينتمي إلى نفس الدائرة القومية؛ فمن سيحاور؟
كما يلاحظ في متن مقالته، توظيفه ألفاظا تقطر لمزا وهمزا لا يليق بمن ينعتون ضمير هذه الأمة؛ نذكر على سبيل التمثيل لا الحصر:(تسلقه /متسرّع وسطحي/ كثير الاختلاط كالعادة /غير متماسك / ويتعذّر فيه على قارئه تمييز الخيط الأبيض من الخيط الأسود/ عماء التعصّب/ ناعق و تكفيري/ الاستسهال/ الخفّة/ الحمق/ تهتك الكيان الأخلاقي /بهتان/اختلاق/ وتقوّل /الافتراء / الاستهتار/ خطاب غوغائي/ قرضاوي صغير
محمد عبد المطلب الهوني(ليبي): رد الدكتور
إلى السيّد رضوان السّيّد : الخليج لا يحتاج إلى قرضاوي آخر"
هذا الرد يلتقي مع رد العظمة في توظيف بعض الكلمات -التي تليق بمقام سجال ثقافي وفكري،- لا تخلو هي الأخرى من تعريض بالدكتور رضوان، أكثر من مناقشته في صلب الفكرة التي عرضها في ثنايا مقالته، وفيما يلي نعرض بعض العبارات التي لا تعبر عن مستوى مثقفين، يفترض أن يكونوا قدوة للشباب في المحاورة : ( تهمة حتّى لا نقول فرية،(...) جريمة قذف وتشهير،(...) ليّ عنق الحقيقة لمصلحة عاجلة،(...) أتحدّى الكاتب، وعلـى رؤوس الأشهاد،(...) يطلق كلاما على عواهنه بهذه الخفّة المرسلة،(...) فهذه الفقرة من مقاله لا تصلح حتّى أن تكون جزءا من تقرير لمخبر نزق تدفعه الغيرة أو الكراهية إلى الوشاية أملا في أن يرى رأس غريمه يتدحرج من منصة مقصلة (...) فهنيئا لك أنت والقرضاوي بهذه الصحبة الجديدة الّتي تخلط بين الدّين والسياسة، وبين الدولة والطائفة. فربّما اعتملت الغيرة في صدر صاحبنا، فأخذ يخبط خبط عشواء، وطاشت أسهم حنقه غيظا، فأصابت الأحياء والأموات. وإلاّ فبم نفسّر كلّ هذا الهراء؟ هذه بعض عبارات الدكتور الهوني التي وردت بمقالته، وقد لا يهم السيد الهوني التحولات الجارية بالشام، وقضية تغول الأصولية الشيعية بالمنطقة، ولذلك نحى رده منحى هجوميا يتهم رضوان بالطائفية المقيتة.
رد الدكتور جورج طرابيشي (سوري):
&يعتبر – بنظري- رد الدكتور طرابيشي على زميله الدكتور رضوان ردا إيجابيا؛ لأنه حرص أن يتوقف على كل النقط الواردة بتفصيل، ومن الأسئلة التي طرحها للتأمل والتداول؛ قوله مخاطبا السيد: " إذا كان الإسلام هو الدين الذي نزل به القرآن، فهل القرآن سني أو شيعي؟ وإذا كان من أُنزل عليه هذا القرآن هو الرسول محمد، فهل كان هذا الرسول سنياً أو شيعياً؟ وبدوره رد الدكتور رضوان بأسئلة، لتسويغ موقفه ووجهة نظره؛ بقوله: " ماذا نقول للمسلم في هذا الزمان؟ هل نقول له إن الإسلام المعاصر مرفوضٌ لأنه قاتل، والإسلام القديم مرفوضٌ لأنّ المفسِّرين والفقهاء أخطأوا أصلا في فهم النصوص، فضلا عن أن تلك النصوص فيها ما فيها؟ هل هذا هو الفهم الصحيح للمسألة الدينية في التاريخ والحاضر؟
لا ريب أن الاسئلة تساهم في الفهم والاستيعاب، وتقريب وجهات النظر المتباعدة، وكذلك، بتصعيد النقاش إلى مستوى عال، يمكن تفهم أولويات المثقفين المختلفة، وإدراك تقديراتهم واجتهاداتهم لفهم المرحلة، دون الوقوع في التسرع وسوء الفهم، ولابد من الحرص على بقاء ثقافة السؤال في حياتنا الثقافية اليومية قائمة؛ لأن في غياب السؤال وأدبه، والحوار وأخلاقه، ستصبح ردود مثقفينا مليئة بالسب والشتم والعنف اللفظي.
انصرك أخاك ظالما أو مظلوما
في الطرف الموالي أو المتعاطف مع الدكتور السيد رضوان، نجد مقالة كل من الدكتور سعيد بن سعيد العلوي في الشرق الأوسط " التكفيري والتنويري..." الذي اتفق مع زميله رضوان بأن الحرب على الاسلام والعرب واقع لا يرتفع، والسيد ولد اباه في الاتحاد الاماراتية، مقال بعنوان: "الاسلام السني و اغتيال التراث" ويمكن أن نضيف إليهما الدكتور معتز الخطيب على حائطه الفايسبوكي، حيث كتب مؤيدا ومدافعا عن موقف رضوان.
الملاحظ عن هذه الردود لم تبين فكرة رضوان الاساس وهي أولى الأولويات؛ وهي الخلاص من الأسد وعصابته، وصد الخراب الايراني الموجه للمنطقة العربية، والحفاظ على كيان الأمة من التشظي، بدلا من الخلاص من الموروث الديني بما فيها المذهب السني. بل ركزت هذه المقالات المتضامنة مع رضوان على قضايا معرفية؛ مثل عدم حيادية الأداة المنهجية في نقد النص الديني، وبيان بعض المقاربات التي استخدمها التنويريون في كتاباتهم، التي لا تخلو من جوانب إيديولوجية ( رد ولد باه و بنسعيد)
يمكن أن نسجل بعض الملاحظات حول مقالة الدكتور رضوان، أولها: لم يتحدث عن كوكبة من المثقفين القوميين واليسارين؛ الذين عارضوا النظام السوري وأعوانه، وأيدوا الثورة السورية، وناصروا قضايا الأمة ، وما يزال الكثير منهم صامدا وثابتا على مواقفه القومية. ثانيها لقد خلط -الدكتور-المسائل الفكرية والمنهجية بالمواقف السياسية في مقالته، مما جعل البعض يلتبس عليه الأمر، وينعت رضوان بالتسرع والتحامل، ثالثها إقحامه اسم أركون الذي وافته المنية قبل ربيع الثورات؛ وإن كان الدكتور من أوائل الذين دعوا إلى نقد الفكر الديني في العالم العربي؛ متوسلا بمناهج وأدوات حديثة، لكن أركون ظل بعيدا عن معترك السياسة، وما يمكن أن يسجل عنه هو اهتمامه في أواخر حياته بالإعلام مما جعل بعض أفكاره تزداد التباسا، رابعها استهداف الدكتور رضوان جماعة العقلانيين تحديدا، ينم عن تقدير قاصر كون هذه الجماعة قد تكون ذات تأثير في المشهد الثقافي العربي، وإلا لماذا لم يستهدف بنقده رموز علمانية أخرى أكثر فاعلية و واقعية من سابقتها ؟ وما يحسب لدكتورنا أنه حرك المياه الراكدة، وحاول أن يكسر صمت المثقفين، وجرهم إلى الساحة والعلن للتعبير عن مواقفهم بوضوح حول ما تتعرض له الامة العربية من تحديات إقليمية، غير أن هذه المناقشات و المساجلات لا يجب أن تتحول إلى منافرات بين الأقران، ولا يجب أن تنحرف بالنقاش إلى سفاسف الأمور، والقضايا الشخصية والهامشية للمثقفين، ويجب أن تحترم وجهات النظر وحرية التفكير والتعبير، وتعزيز النقد والنقد الذاتي، إذا أرادت نخبنا أن تدفع بعجلة الحداثة إلى الأمام.

&