باديء ذي بدء، لقد أبديت اعتراضي من قبل على تلفيق التهم لأي شخص كان سواء كان حسني مبارك او احمد شفيق او محمد مرسي او محمد بديع او اي من قيادات حكم مبارك او حكم الاخوان، لان تلفيق التهم وتسييس الأحكام القضائية هو هدم للعدالة، وإذا هدمت العدالة تفككت المجتمعات، كما أني اعترض على احكام الإعدام بالجملة وبالمئات في مصر والتي لم يسبق لها نظير في تاريخ الامم الحديثة، والتي جعلت من القضاء المصري أضحوكة ليس في مصر فقط ولكن في العالم كله. كان لا بد من هذه المقدمة لان الحق والحقيقة هي ما أصبو اليه دائماً حتى لو جاءت لصالح خصومي السياسيين وأولهم الاخوان والإسلام السياسي بصفة عامة، وهذه الخصومة تنطلق من منطلق حب مصلحة الوطن& وليس من منطلق كراهيتهم، لأنني كما ذكرت مرارا وتكرارا بان تدخل الدين في السياسة فيه إساءة لكل من الدين والسياسة، وفي النهاية ليس من مصلحة المواطن، فكل المجتمعات المتطورة الحديثة بنيت على فصل الدين عن السياسة، ولكن هذا موضوع يستحق مقالة مستقلة.
..
ولد حسن البنّا عام ١٩٠٦ في مدينة المحمودية بمحافظة البحيرة لوالد متدين شيخ امام مسجد ومدرس دين، وفي عام ١٩٢٧ تخرج من كلية دار العلوم وعين في نفس العام عين مدرسا بمدينة الإسماعيلية على ضفاف قناة السويس ، وفي عام ١٩٢٨ وعمره ٢٢ عاما فقط قام بتاسيس جماعة الاخوان المسلمين كمنظمة سياسية إسلامية مكافحة تهدف إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في الحياة اليومية وإعادة الحكم الإسلامي مستندا إلى آرائه وإطروحاته لفهم الإسلام المعاصر حيث قال:«إن الإسلام عقيدة وعبادة ووطن وجنسية ودين ودولة وروحانية ومصحف وسيف" لذلك كان شعار الاخوان هو المصحف وسيفيين متقاطعين وتحت الشعار الآية :"وأعدوا" لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم ..."
فواضح جليا ان الجماعة كانت منذ تأسيسها تنوي استخدام القوة "لارهاب" عدو الله وعدوهم، وطبعا تعريف عدو الله او عدو جماعة المسلمين هي تهمة فضفاضة يقع تحتها اي شخص لا يؤيد منهج الاخوان والمسلمين سواء كان مسلما او غير مسلم. ولو كانت جماعة الاخوان تنوي حقا تهدف الى اعادة نشر تعاليم الدين الاسلامي، اما كان من الأفضل ان تستخدم شعارا مثل: "وادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة" بدلا من الاٍرهاب؟؟
...
ولكي تطبق مبدأ إعداد القوة لارهاب الأعداء انشا الاخوان ما يسمى باسم "النظام الخاص" وهو ما عرف فيما بعد "بالتنظيم السري للأخوان المسلمين" وكان نشأة هذا التنظيم هو فكر مشترك بين حسن البنّا و أمين الحسيني (مفتي فلسطين ) والذي هرب من فلسطين الى مصر بعد ان قابل هتلر وكان يعتقد (بسذاجة سياسية) شديدة بان تأييده لهتلر اثناء الحرب سيساعد هذا في التخلص من الإنجليز !!
وكان النظام الخاص بمثابة الجناح العسكري لجماعة الاخوان وعن طريق هذا التنظيم السري تمت حرق عدد من المحلات التجارية لليهود في مصر ولأول مرة شعر اليهود المصريون ان مصر لم تصبح بلدهم كما قام التنظيم بعدة اغتيالات كان أهمها اغتيال النقراشي باشا عام ١٩٤٨ مما أدى الى انتقام الحكومة المصرية وقامت باغتيال حسن البنّا نفسه بعد اقل من شهرين من اغتيال النقراشي باشا.
وجماعة الاخوان منذ تأسيسها اصطدمت مع كل الحكومات منذ حكم الملك فاروق (والذي صدر قرار في عهده بحل الجماعة عام ١٩٤٨) ومع عبد الناصر والذي نكل بالاخوان أشد تنكيل بالرغم من انه ومعظم أعضاء ثورة ١٩٥٢ كانوا أعضاء سواء منتسبين او دائمين بالاخوان المسلمين، والسادات فتح لهم أبواب السجون وسمح لهم بتكوين الجماعات الاسلامية في الجامعات في فترة السبعينيات ولكن هذا لم يشفع له فقتلوه عام ١٩٨١ اما مبارك فلعب معهم لعبة القط والفار والعصا والجزرة وسمح لهم بالحصول على ٢٠٪ من مقاعد البرلمان في انتخابات ٢٠٠٥، ولكنه بغباء شديد منعهم من دخول برلمان عام ٢٠١٠ فكان مصيره انتهى بثورة ٢٥ يناير واستولى بعدها الاخوان على الحكم والبرلمان والرئاسة في انتخابات حرة، وبعدها استمروا في تلفيق التهم لحسني مبارك ولم يحترموا سنه وتاريخه وكذلك تلفيق التهم لاحمد شفيق المنافس الرئيسي لمحمد مرسي في انتخابات الرياسة عام ٢٠١٢ وحصل تقريبا على نفس إعداد أصوات الناخبين مثل محمد مرسي بفارق يقل عن ٢٪ فقط، ولم يعامل باحترام رغم انه كان رجلا محترما وقام بتهنئة محمد مرسي بعد فوزه وكان نصيبه مزيد من التهم الملفقة، ولم يطق المصريون حكم الاخوان لأكثر من سنة واحدة وقاموا بمساعدة الجيش والسيسي بالتخلص من حكم الاخوان ووضعهم في السجون، وبدات جولة اخرى من تلفيق التهم لقيادات الاخوان!!
وبدء الاخوان مرحلة خطيرة من الاٍرهاب في مصر ابتداء من حملات عسكرية منظمة ضد الجيش المصري وقوات الأمن في سيناء وحركة اغتيالات على طول مصر وعرضها، وانفجارات تحدث بشكل يومي في كل مصر ويروح ضحيتها مدنيين وعسكريين على سواء ، وعمليات تخريب من محاولة هدم البنية التحتية في مصر مثل هدم ابراج الكهرباء ومحاولة إيقاف الطرق والقطارات وإشعال الحرائق في منشات اقتصادية، ومحاولة احراق الكنائس ، وهي اكبر حملة تخريب شهدتها مصر في العصر الحديث، وهدفها واضح هو إسقاط الدولة المصرية او اجبار الحكومة المصرية على التفاوض مع الاخوان؟
وبالرغم من تاريخ الاخوان المليء بالعنف، الا انه يجب ان نذكر لهم انها جماعة منضبطة جدا وشديدة التنظيم وتقوم بخدمات اجتماعية كبيرة في كل أنحاء مصر وخاصة في الأماكن الفقيرة، وهم اقرب الجماعات السياسيةً التحاما بالشعب يختلطون به في الشارع والحارة والمسجد والمدرسة والحقل والمصنع والمكتب ولا يكتفون بالإطلالة على الشعب من خلال برامج "التوك شو" مثلما يفعل معظم العلمانيين واليساريين والقومجية!! لذلك يجب الاعتراف انهم لا يزالون اكبر قوة في الشارع المصري بالرغم من ان احداث العنف والارهاب التي حدثت في العامين الماضيين قد أفقدتهم الكثير من شعبيتهم الا انهم موجودون سواء أردنا ام لن نرد!!
...
كان هذا باختصار شديد تاريخ الاخوان منذ نشأتهم من ٨٧ عاما وحتى اليوم، ومعظم المحللون يجمعون على ان كل الجماعات المتطرفة والإرهابية قد خرجت من رحم الاخوان المسلمين، وكلها تؤمن بتحقيق وهم الخلافة الاسلامية بالقوة، وكلها تؤمن بالجهاد باستخدام السلاح لارهاب "عدو الله وعدوهم"، وانا أقول وهم الخلافة الاسلامية لان حكم الخلفاء الراشدون الأربعة بعد وفاة الرسول لم يدم سوى سنوات بسيطة لا تزيد عن ٢٩ عاما (وهي تقل عن فترة حكم حسني مبارك)!! وبعد ذلك انتقلت الخلافة الى حكم دكتاتوري وراثي يرفع راية الدين. لذلك لست ادري عن اي خلافة يتحدثون، هل يتحدثون عن خلافة الامبراطورية العثمانية التي سقطت بنهاية الحرب العالمية الاولى والتي أذاقت البلاد التي حكموها الويل والخراب، ووصل بهم الامر الى التعاون مع الإنجليز والفرنسيين لهزيمة الجيش المصري في موقعة نافارين البحرية وذلك للحد من توسع الجيش المصري اثناء حكم محمد علي باشا.
صحيح ان الامبراطورية الاسلامية قد توسعت وبالذات في عصر الدولة العباسية ولكنها توسعت بالقوة مثلها مثل اي امبراطورية اخرى عبر التاريخ، ولم تتوسع نتيجة رفعها لواء الاسلام ولكنها توسعت لانها كانت ترفع السيف ورباط الخيل!!
...
الان ما العمل مع الاخوان وجماعات الاسلام السياسي؟
هناك عدة وسائل للتعامل معهم:
اولا: الطريقة الأمنية والاعتقالات وتلفيق التهم مثلما يحدث الان، وهي طريقة تودي الى خلق جماعات اكثر تطرفا من ذي قبل مثلما راينا ان تنظيم القاعدة اليوم يعتبر تنظيما ليبراليا بالمقارنة الى داعش!!
ثانيا: الإفراج عنهم واعطائهم الفرصة العمل السياسي ومحاكمة فقط من ثبت ان يديه ملوثة بالدماء، وهناك خطورة ان الديموقراطية الغربية قد تفشل احيانا عندما يكون في استطاعة البعض شراء الإصوات اما بالنقود المباشرة او الزيت والسكر او الترهيب من دخول النار لو انتخبت مرشحا غير اسلامويا!!
ثالثا: سياسية الاحتواء والتي اتبعها حسني مبارك في انتخابات ٢٠٠٥ وهي الاتفاق معهم على الحصول على نسبة لا تزيد عن ١٥-٢٠ ٪ من مقاعد البرلمان.
رابعا: إعلانها علمانية تماما ومنع السماح بإنشاء اي حزب ديني، او اي حزب يتبنى اي شكل من أشكال السياسة بمرجعية دينية وذلك من اجل اللف حول الدستور والذي يمنع انشاء احزاب دينية، وللاسف تلك هي السياسة المثلى المفروض ان تتبع ولكن في هذا مخاطرة بان تلك الأحزاب ستعمل تحت الارض وتقوم بأحداث الفوضى الى ان تستولي على الحكم في ظل الفوضى.
وكما ترون فكلها حلول أحلاها مر، ولكني اكثر ميلا للحل ثالثا!!
التعليقات