ابتداءً لاننكر ماجاء بوثيقة التسوية التاريخية "كما يسمونها" للتحالف الوطني (الشيعي)، من أفكار جاذبة كونها تؤكد على فكرة المواطنة والمشاركة والتكامل في وحدة المسؤولية والقرار والتنازل للآخر، وتجاوز اخطاء الماضي وغيرها من الموضوعات، وتلك لعمري طروحات ممتازة في مثل هذا الوقت الذي يشهد ضياعا وانهيارا ًعراقيا على كل مستويات الحياة.
لكن هذا الخطاب تكمن وراءه نوايا أخرى يقرأها من عاش حرائق التجربة السياسية العراقية واكتوى بنارها، ولأن " النوايا كالمرايا" كما يقول الشاعر الكبير سعدي يوسف، ستكون لنا قراءة مغايرة لما يروج لها البعض.
وثيقة التسوية نتاج عقل متسلط وبلا ذاكرة تسجيلية ولايقرأ مايحدث من جرائم وتفكك وتحطيم مستمر للمواطن والوطن، إنما تعبر عن أزمة نظام سياسي وصل مرحلة عدم الصلاحية، وبلوغ الإفلاس التام لأحزاب الإسلام السياسي التي قدمت أبشع وأسوأ تجربة في تاريخ الأنظمة السياسية، ألا وهي إضاعت الدولة والوطن وتقسيمه في أرصدة الأحزاب والشخصيات الحاكمة على طريقة القراصنة أو مافيات السرقة الدولية، فتأتي هذه الوثيقة( التسوية) لتضحك على المواطن المسكين وتكرسه للذبح والمتاجرة، في محاولة إنقاذ هذا "الحطام"أو النظام السياسي وتجديد الدماء الفاسدة في عروقه.
وثيقة التسوية تهدف لتكريس هذا الواقع الفاسد (بإجماع العالم) ومنح البراءة لجريمة عمرها (14) سنة من الخراب والفساد وضياع الثروة والسنين وتمزيق البلاد،وإرساء ثقافة التجزئة والطائفية والجريمة والموت لكل ماهو مشرق وواعد في العراق، إنها إجراء تسوية حقيقة بين " قتلة ولصوص" تشاركوا بالجريمة وصار يطلب بعضهم من الآخرالإتفاق على تغطية الجريمة السابقة، والبدء بمشوار جديد لنهب ماتبقى في هذه الغابة المحطمة..
لنسأل القائمين على هذه المحاولة (وثيقة التسوية التاريخية) سواء بحسن النية أو سوءها؛
* كيف يمكن للفاسدين المتسلطين والمسؤولين عن هذا الخراب التاريخي ان يقيموا إصلاحا.
* لماذا لم تؤكد الوثيقة على محاكمة الأحزاب والشخصيات والأطراف التي تسببت بكل هذا التشرذم والضياع وفقدان الثروة ومجيء "داعش" وسقوط المدن والمؤسسة العسكرية..الخ.؟
* لم تسم هذه الوثيقة (الصفقة) المسؤول الحقيقي عن هذا الدمار الهائل وموت آلاف العراقيين، ومن هم لصوص المال العام.
* ابتعدت الوثيقة عن تشخيص حقيقة المشكلة الناتجة عن أحزاب(ثيوقراطية) ذات طبيعية (أولغارشية) طبقة الأغنياء، هي من تتحكم بالسلطة وقراراتها والمسؤولة مسؤولية مباشرة عن هذا الواقع البائس المنهار.
* فقد القائمون على هذه الوثيقة مقدار الشجاعة والجرأة المطلوبة في مثل هذه الحالات، وذلك بتشخيص الخطوات الصحيحة في المصالحة والقائمة منذ سنة 2003بموجب قرارات الإجتثاث، وهذا مايجعل وثيقتهم عبارة عن إجراء روتيني لجلسات ومؤتمرات مصالحة سابقة لم يقبض منها الشعب سوى الريح الفاسدة.
* كيف تقوم تسوية لكل هذه الكوارث، وتنشأ على قاعدتها برامج عمل مشتركة بين أطراف سياسية فاقدة للثقة فيما بينها طائفيا ً، ولانخطأ إذا قلنا بأن أطراف التحالف الوطني أنفسهم لايتعاطون الأمور بثقة فيما بينهم، كذلك بالنسبة للسّنة والأكراد وغيرهم، والأدلة عديدة.
* تناسى أصحاب " التسوية " أن البلاد تخضع لحكم الميليشيات والشبكات السرية وسلطة العصابات السياسية والإجرامية، وأن اضعف التشكيلات المسلحة هي أكثر تأثيرا ً من سلطة الحكومة في بلاد فاقدة لدور القانون والقضاء العادل، ولاأدري كيف تستطيع وثيقة "التسوية" أن تضبط آليات تطبيقها وتفرضها وسط مراكز القوة المتعددة، وغياب سلطة القرار الواحد
التعليقات