قطفت الشقيقة المملكة العربية السعودية مؤخرا ثمار دبلوماسية برغماتية ذات ابعاد جيوسياسية جديدة من شأنها أن تعيد التوازن للقوى السياسية عالمياً وإقليمياً عبر صياغة علاقات واعدة مع الصين بعد القمة السعودية-الصينية في ديسمبر 2022.

فقد توج التعاون السعودي-الصيني قبل أيام باستئناف العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية نتيجة وساطة صينية وتحرك دبلوماسي سعودي مكثف مع بكين وهو انجاز واضح الأركان لرؤية استراتيجية سعودية تستفيد منها دول الخليج العربي والشرق الأوسط ككل والعالم اجمع.

بلا شك أن الانجاز السعودي-الصيني له دلالات سياسية شتى ولعل أبرزها تقليص الهيمنة الأمريكية على مصالح دول مجلس التعاون الخليجي بصفة خاصة ومستقبل العلاقات بين واشنطن ودول الشرق الأوسط بصفة عامة، ورسالة دبلوماسية سعودية جديدة للمجتمع الدولي أيضاً.

هناك أكثر من دولة مستفيدة من عودة العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران، فإيران ستكون أول المستفيدين إذا ما جرى استثمار التقارب مع السعودية على نحو جديد بعيداً عن سياسة الغطرسة والتدخل في شؤون الغير بحجة "نصرة المستضعفين وتصدير الثورة الخمينية".

لم تعش إيران غيبوبة سياسية منذ الثورة الخمينية وخيال تصديرها إلى المحيط الخليجي والعربي، بل انها أبحرت منذ عقود من الزمن نحو اشعال نيران التوترات إقليمياً تحت راية طائفية قاتلة كما في لبنان عبر ذراع طهران المُسلح، حزب الله.

أمعنت إيران في الإبحار العسكري خلف "الشيعة" في العراق والحوثيين في اليمن ودول أخرى ضد الاستقرار في الخليج العربي والمنطقة العربية ككل بحجج واهية ودبلوماسية متناقضة الأفعال عند النظر إلى حجم الدعم العسكري الإيراني للأحزاب والمليشيات في أراضي عربية مختلفة.

من الممكن طوي صفحات وفصول من التوترات والنزعات المُسلحة التي فتكت في دول عربية مسلمة، ونالت أيضاً من أمن وشعوب ودول خليجية إذا ما توافرت الإرادة والعزيمة الإيرانية نحو إقامة علاقات بثوب جديد بعيداً عن المناخ الثوري وبيئة العمل العسكري.

ولعل عودة العلاقات الدبلوماسية بين الشقيقة المملكة العربية السعودية والجارة المسلمة إيران مؤخراً تنير دروب العلاقات السياسية بدبلوماسية إيرانية واقعية وسلمية وذات ابعاد غير دينية ولا طائفية ولا عسكرية.

ونتمنى أن تخرج دولة الملالي في إيران من غيبوبة "الثورة الخمينية" لتدشن فصل حقيقي من حسن النوايا السياسية بعد استئناف العلاقات الدبلوماسية بين طهران والرياض حتى ينعم الشعب الإيراني بالدرجة الأولى بالاستقرار والرفاهية الاجتماعية والاقتصادية داخلياً ودبلوماسية حسن الجوار خارجياً.

وينبغي على الجارة المسلمة إيران استثمار عودة العلاقات الدبلوماسية مع السعودية في تقديم البراهين العاجلة على دبلوماسية سلمية عبر دعم الحلول الواقعية والفعلية في لبنان وسوريا واليمن والعراق، وهو ما يعني التخلي عن سياسة تسليح الأطراف الشيعية المتطرفة.
ويجب على طهران أيضاً إعادة النظر في فلسفة التعليم والمناهج الدراسية في المدراس الإيرانية الخاصة في المحيط الخليجي العربي ومنها الكويت، فعلاقة السفارات الإيرانية بتلك المدراس يجب أن تكون تعليمية بحتة وليست ثورية المنشأ والمنهج الديني الطائفي المتشدد.
إن التغيير الإيراني المُنتظر يتطلب تغييراً جذرياً في السياسة الداخلية الإيرانية، وهو لا يعني بأي حال من الأحوال التدخل في الشأن الداخلي الإيراني، فمن حق الشعب الإيراني التمتع برفاهية تنموية على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي كبديل استراتيجي عن الترسانة العسكرية.

أما بالنسبة، لمجلس التعاون الخليجي فمن المهم بمكان أن ينهض المجلس من رتابة العمل التقليدي نحو سياسة ديناميكية متناغمة مع الدبلوماسية السعودية البرغماتية من خلال صياغة ميثاق جديد في العلاقات السياسية مع إيران وأمريكا بحسب المصالح الخليجية وليس مصالح الغير.