إلى جانب الحرب في غزة وما تشهده هذه الحرب الضروس من تبعات ومشاهد مرعبة وقاسية وقصف عشوائي غير مبرر للمدنيين الأبرياء في القطاع، تشهد الساحة الاسرائيلية تحديات عدة، خارجية وداخلية.

على صعيد الحرب في غزة، لا بد من الإشارة إلى ما ترتكبه إسرائيل من جرائم بحق المدنيين وأيضا إلى ما ارتكبته حماس من حماقة قتل المدنيين في بيوتهم وفي مهرجانات الرقص والموسيقى وكأن إسرائيل ستقف على مكتوفة الايدي، فحماس اثبتت انها حركة جهادية لا تريد تحرير الارض انما قتل غير المسلمين مثل داعش والقاعدة وما يدور في هذا الفلك المظلم.

إلى ذلك، فان التحديات الخارجية لإسرائيل تتمثل في انقطاع الدبلوماسية الاسرائيلية عن التواصل مع العالم وابقاء هذا الاتصال مقتصرا على الولايات المتحدة وبريطانيا والمانيا وبعض دول وجزر لا نعرف اين هي سوى على الخريطة مثل ماكرونزيا.

أضف إلى ذلك وقف كل تواصل مع الأردن التي لديها اتفاقية سلام مع إسرائيل، وتواصل يقتصر على جهود تحرير اسرى ومختطفين مع مصر، وفقدان التواصل مع البحرين والإمارات والسودان والمغرب.

المملكة العربية السعودية كان لها تواصل عبر الأميركيين مع إسرائيل إلا أنها أوقفت كل ما يتعلق بالتطبيع، ويترأس وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان جهود الدول العربية والإسلامية في اعادة طرح وتعويم حل الدولتين السياسي امام العالم ومقابل إسرائيل المتغطرسة بقيادة بنيامين نتانياهو الذي يعتقد انه المسيح المنتظر لإنقاذ دولة اليهود من الزوال بمشاركة بعض المتطرفين من وزراءه المنقطعين عن العالم وعما يحدث في بلادهم هم.

إسرائيل تواجه للمرة الاولى ربما في تاريخها فشلا وهزيمة معنوية مدوية منذ السابع من تشرين الأول/اكتوبر، اذ تمت مباغتتها ومراوغتها لسنوات ثم اقتحام مواقعها بسهولة وسرعة وقتل جنودها ثم الاجهاز على مواطنيها في بيوتهم، من دون ان تستطيع حمايتهم وهذا على ما يبدو سيظل وصمة عار على جبين قادتها الحاليين وربما اللاحقين ايضا.

داخليا، إسرائيل في حالة غليان و"طنجرة" الضغط تكاد تنفجر لولا الحرب الدائرة ودخول المعسكر الرسمي بقيادة بيني غانتس وغادي إيزنكوت لحكومة الحرب، وهناك توقعات بتظاهرات مليونية للإطاحة بنتانياهو وحكومته بعد انتهاء الحرب مباشرة كما تشير اليه استطلاعا الرأي التي تتوقع هزيمة اليمين في اي انتخابات مستقبلية، وهذا مع الاخذ بالحسبان ان هناك اطرافا ربما تود اطالة أمد الحرب وهذه الأطراف قد تكون تقبع في انفاق غزة بالقطاع من جهة وفي شارع غزة بالقدس من ناحية اخرى حيث مقر اقامة نتانياهو.

التحديات العسكرية والامنية التي تواجه الدولة العبرية تتمثل في الحوثي من اليمن وحزب الله في الشمال الاسرائيلي.

الحوثي يطلق صواريخ مجنحة من طراز كروز باتجاه إسرائيل ومدينة ايلات تحديدا التي تحتضن عشرات الالاف من النازحين من بلدات غلاف غزة وشمال إسرائيل، ويختطف السفن ويضرب بالمسيرات ناقلات اسرائيلية ويهدد مسارات الملاحة التجارية الاسرائيلية والعالمية وكل ذلك بغطاء إيراني.

اما حزب الله - الذراع الإيرانية الاقوى - فقد وجد نفسه محرجا بعد ان نسخت حماس خطته لاحتلال الجليل واحتلت لبضع ساعات بلدات غلاف غزة، ويقوم فقط بالهاء الجيش الاسرائيلي الذي افرز ثلث قواته للشمال لمواجهة الحزب والاستعداد لفتح حرب واسعة هناك.

من جهة الحوثي، فان الجانب الاميركي كما تشير المعلومات طلب من إسرائيل ترك الامر لهم، البارجات الاميركية قصفت الحوثي في صنعاء وفي البحر وتواجه كل التحرشات الأخرى وحررت ناقلك اختطفت قرب مضيق باب المندب، وايضاً ارسلت حاملة طائرات للبحر المتوسط وقوات معززة مع بريطانيا وفرنسا لمواجهة حزب الله ان اراد الدخول في حرب واسعة ويقال في اروقة وزارة الدفاع الاسرائيلية ان الولايات المتحدة هددت ايران بحرب عليها إذا سمحت لحزب الله بالدخول في حرب مع إسرائيل.

تهديدات الحوثي لا تقل اهمية عن تهديدات حزب الله بنظر القيادة العسكرية في إسرائيل ويرون انه يتوجب على المجتمع الدولي ان يوقف الحوثي عند حده ويمنعه من تهديد الملاحة العالمية، وان لم يفعلوا فاسرائيل ستقوم بالدفاع عن نفسها بكل الوسائل المتاحة حيث ان اهدافا في صنعاء ومناطق نفوذ الحوثي أضيفت إلى بنك اهداف إسرائيل من جهة، والولايات المتحدة بحثت مع دول خليجية شن عملية عسكرية على الحوثي في اليمن من ميلة اخرى.

في الشمال، يرى الخبراء ان حزب الله فقد كل عناصر المفاجأة تجاه إسرائيل وفشل في اكثر من تسعين بالمائة من خطط الهجوم وتلقى ضربات موجعة اثبتت له ان إسرائيل لا تزال تمسك بخيوط الاستخبارات في الشمال، ومقتل عدد من قياديين ميدانيين في قرى الجنوب هو برهان اسرائيلي لحزب الله على القدرات العسكرية وايضاً احباط غالبية الخطط العملياتية لحزب الله في فترة شهرين إلى جانب كشف اسماء عدد لا بأس به من قادة الرضوان بمن فيهم إبراهيم عقيل قائد قوة الرضوان التابعة لحزب الله.

على حزب الله كما يبدو اعادة النظر في خططه العسكرية وفتح تحقيقات داخلية لكشف الثغرات والعملاء مستغلا بذلك الوقت الكافي في ظل التوافق الحاصل بين الولايات المتحدة وايران على ضرورة ابعاد حزب الله عن الحدود مع إسرائيل نحو نهر الليطاني وابقاء قوات قليلة جدا للرصد والمراقبة في الجنوب بالاتفاق مع إسرائيل لمنع اي احتكاك مستقبلي وضرورة اعادة انتشار الجيش اللبناني على طول الحدود مع إسرائيل.

حرب غزة ستنتهي ويبقى السؤال المطروح: ماذا بعد حماس في غزة، وهل ستظل ايران تحرك خيوط اللعبة الحربية في المنطقة دون ان تقوم الولايات المتحدة او إسرائيل او الاثنان معا بتحرك ما لضرب رأس محور الشر كما يدعون في كل مناسبة؟