مشهد متلبد بالغموض تشهده مجريات انتخابات برلمان كردستان في دورتها السادسة، والمزمع إجراؤها في العاشر من شهر حزيران (يونيو) القادم، وجاء إصرار الحزب الديمقراطي الكردستاني على عدم المشاركة في العملية بآلياتها الحالية وعدم تقديم أسماء مرشحيه إلى المفوضية العليا المستقلة للانتخابات مع انتهاء المهلة الممددة لتقديم المرشحين ليزيد من التأزيم ويترك العملية الديمقراطية لمصير مجهول تكثر حوله التكهنات.

المعطيات الحالية توضح أنَّ أكثر الآراء، بما فيها آراء معظم الأحزاب المشاركة والمفوضية العليا والجهات الإقليمية والدولية، تحبذ إجراء العملية في موعدها المقرر في حزيران (يونيو) القادم، والذي استقرت عليه رئاسة إقليم كردستان بعد مرات من التأجيل، ولا تزال كما يبدو متمسكة به، فيما نجد في الطرف الآخر الحزب الديمقراطي المسيطر على مقاليد الحكم في الإقليم يهدد بعدم المشاركة بذرائع وملاحظات غير واضحة المعالم، وهو أمر لم تعهده الدول وتاريخ هذه العملية الديمقراطية كون التحجج والاتيان بمسوغات التملص منها عادة يأتي من أحزاب خارج دائرة السلطة.

موقف الحزب الديمقراطي يرتكز ظاهرياً على رفض قرار المحكمة الاتحادية العليا الخاص بانتخابات برلمان كردستان، واعتبار المحكمة نفسها غير دستورية وصفها بـ"سلاح وأداة"، إذ يريد من وراء ذلك إعطاء انطباع للشارع الكردي بأنه الوحيد المدافع عن إقليم كردستان ومؤسساتها، وبالتالي تأليب الرأي العام على الأطراف الراغبة في الانتخابات، واتهامها بالتواطؤ مع الجهات الخارجية، والهدف من كل ذلك قد يكون كسب شعبية تغطي على التوقعات بتراجع واضح لأصواته ومقاعده في برلمان كردستان، على غرار نتائجه السيئة في انتخابات مجالس المحافظات الأخيرة.

ولا يقف تحجج الديمقراطي عند ذلك، بل يذهب إلى اتهام "الأطراف الأخرى" بأنها مدعومة خارجياً عن طريق مؤسسة "غير دستورية" عبر "فرض آلية للانتخابات بعيدة عن الأسس القانونية والدستورية". فيما تتلخص الملاحظات الأخرى للحزب الديمقراطي على هذه الانتخابات في مجموعة من التحفظات والملاحظات الفنية على آلية توزيع مقاعد المحافظات وطريقة عمل المفوضية ومقاعد المكونات.

وينكر مسؤولو الحزب الديمقراطي تأويل موقف الحزب بالمقاطعة بل يشددون على أنهم مع الانتخابات، ولكن لن يشاركوا فيها وفق الإجراءات المتخذة والآليات المتبعة من قبل المفوضية المستندة على قرار المحكمة الاتحادية البات.

إقرأ أيضاً: العراق الاتحادي في خطر!

وفي ظل مضي المفوضية في عملها التزاماً بالتوقيتات الزمنية للانتخابات، وعزمها إجراء عملية قرعة أرقام المرشحين في السادس من نيسان (أبريل) الجاري، وتسليم تحالفين و10 أحزاب و54 مرشحاً فرداً قوائمهم إليها، وتأكيد معظم الأطراف استعدادها لخوض العملية، بإمكان موقف الحزب الديمقراطي أن يعرض مجمل العملية للخطر، فمن الصعب إجراؤها بدون أحد أكبر الأحزاب وأكثرها سيطرة على الحكومة والمؤسسات التنفيذية في الإقليم، كما لا يمكن إلغاء العملية برمتها لمجرد أن أحد الأطراف لا يستحسن آلياتها ويسوق الحجج والذرائع للطعن في مصداقيتها، أو تأجيلها نزولاً عند رغبة ذلك الطرف لأنه يخشى من تراجع أصواته ومقاعده إذا شارك فيها.

ومع أنَّ مسؤولي الحزب الديمقراطي يؤكدون أن مقصدهم ليس المقاطعة، إلا أن بيان المكتب السياسي للحزب كان واضحاً جداً ولا لبس فيه فيما يتعلق بقرار عدم المشاركة، وربما اتُخِذ القرار كسباً للتعاطف الشعبي والدولي وخلق أزمة تؤدي في النهاية لتأجيل الانتخابات لفترة من الوقت، ليكتشفوا حجم الخطأ الذي وقعوا فيه بعد توالي ردود الأفعال الداخلية والدولية المؤيدة لإجرائها في الموعد المقرر، فوجدوا أنفسهم بين خيارين أحلاهما مر، وليس من الممكن الخروج من الوضع بسهولة، فالتراجع عن المقاطعة والعودة للمشاركة تضعف موقفهم وتفقدهم ثقة الناس، والاستمرار فيما بدؤوه يؤكد تماماً خشيتهم من النتائج ويضعهم في مواجهة جميع الجهات الداخلية والخارجية المطالبة بالانتخابات، وقد يعرضهم للمساءلة القانونية والدستورية، باعتبار عرقلة عملية ديمقراطية أقرها الدستور وأكدت عليها أعلى سلطة قضائية في العراق (المحكمة الاتحادية العليا) بقرار بات.

إقرأ أيضاً: كردستان تواجه أسوأ مراحلها والآت أصعب

السيناريوهات المحتملة لما يمكن أن تخلقه موقف الحزب الديمقراطي كثيرة وهي سلبية وخطيرة، في أغلبها لا تصب في مصلحة الإقليم وشعبه، وبعد أن اتضحت الصورة فإن الحزب يكاد يكون وحيداً يغرد منفرداً خارج السرب، وسواء أوجد مخرج قانوني أم لا، وسواء أأجريت العملية بدون الحزب الديمقراطي أم معه، وسواء أأجريت الانتخابات في موعدها أم أجلت، فإن المحصلة هي أن البارتي شاء أم أبى لا بدَّ أن يتحمل مسؤولية تداعيات الأزمة وآثارها، ويدفع الثمن من سمعته السياسية أو من مقاعده وأصواته.