الاحتمالات كثيرة ومتنوعة بشأن المواجهات بين إسرائيل وبين حزب الله، وهو ذراع إيرانية تعتبر الأقوى والأكبر والأفضل لدى نظام خامنئي وحرسه الثوري، وكل استخدام لهذه الذراع له أهداف أيرانية معينة ومحسوبة ضمن استراتيجية مدروسة لجهة إبقاء اللهب في منطقتنا بعلو معين لا يمكن التلاعب به.

في إسرائيل هناك حكومة يمين خالصة، ومع دخول بيني غانتس وغادي إيزنكوت الوسطيين أصبحت أكثر عقلانية نسبة لتصريحات الشركاء من اليمين المتطرف بضرورة البقاء في غزة مثلاً والعودة للاستيطان هناك وحرق بيروت وإعادة لبنان إلى العصر الحجري.

التهديدات من الجانب الآخر لا تقل دماراً وعنترية؛ نعيم قاسم، نائب حسن نصر الله، يقول: "نستطيع تدمير إسرائيل بأسلحتنا لكننا لن نفعل ذلك".

مهما يكن من أمر، ومهما تشتعل التصريحات، تبقى هناك ضوابط وخطط ودروب أخرى للتفاوض في ظل استمرار المواجهات واستعراض العضلات والأسلحة والمفاجآت مثل وساطة فرنسا.

إسرائيل بخلاف إيران لا تملك استراتيجية واضحة أو مدروسة، مع أنَّ وظيفة الجيش لديها بالأساس الدفاع والقيام بعمليات أو حروب وقت الحاجة بإيعاز من المستوى السياسي، وذلك لتحسين مواقع التفاوض والخروج من الحلقات المفرغة مع الفلسطينيين أو حزب الله في الشمال، وزد على ذلك تهديدات المليشيات الإيرانية من سوريا.

المعروف أن دخول الحرب يكون مدروساً وله أهداف واضحة وخطوات محسوبة من أجل خلق وضع جديد للمستوى السياسي ليستطيع إحراز مكاسب أو تقدم في مناطق ما، أو إرغام الجانب الآخر على القيام بخطوات تغير الواقع الحالي للأزمة، هذا ينطبق أيضاً على حرب تفرض أو تستدرج إليها الدولة دون تخطيط مسبق، فلا يمكن أن تكون الدولة، أي دولة، دون خطط وسيناريوهات محتملة وبناءً على تجارب سابقة.

على سبيل المثال، في كل جولات إسرائيل العسكرية مع حماس، ومنذ استيلاء الأخيرة على مقاليد الحكم في غزة، كانت لتكريس الوضع القائم ليس أكثر، أي الإبقاء على اللهب في ذات المستوى وإبقاء السياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين في ذات النقطة وعدم التقدم إلى أي أفق سياسي.

ذات الأمر عملت عليه إسرائيل مع حزب الله في الشمال، وحاولت جاهدة إبقاء الوضع الراهن والكر والفر المحسوب دون الدخول في حرب لن تكون لها أي مكاسب، فنهاية حرب تموز (يوليو) تمخضت عن اتفاق 1701 القاضي بإبعاد حزب الله شمال نهر الليطاني، ونشر الجيش اللبناني على الحدود، الأمر الذي لم ينفذ لكن ساد الهدوء لفترة طويلة تخلله بعض المناوشات، وهذا كان مقبولاً بالنسبة إلى إسرائيل.

إسرائيل الحالية لا تملك أي هدف واضح لأي حرب تخوضها، ولا تتدارس حكومتها اليوم الذي سيلي بسبب التفاوت والتناقض بين الأحزاب اليمينية التي تشكل الحكومة، وقد اضطرت الحكومة الأمنية إلى تدارس الوضع بشكل هزيل، ولساعتين أو ثلاث بعد تهديد وزير الدفاع والوزير بيني غانتس بترك الحكومة. أضف إلى ذلك المجتمع الدولي ومتطلباته والضغط الأميركي في شتى المجالات.

اتخاذ قرار الحرب على لبنان ليس سهلاً، ولا نتوقع أن تتخذ هذه الحكومة أي خطوة بهذا الاتجاه، فهي متورطة في حرب غزة وغارقة في أوحالها وواقعة بين مطرقة أهالي المختطفين والأسرى وبين سندان العمليات العسكرية الفاشلة هناك.

هذه الحكومة لا تعمل من العقل أو بتخطيط مدروس بل من الاندفاع والحاجة للانتقام، فحرب غزة حتى اللحظة لا يعرف أحد لا في الحكومة ولا خارجها ما هي الأهداف الحقيقية منها سوى كلمتي "النصر المطلق".

ذات الأمر ينسحب على ما يحدث مع الحدود اللبنانية، فالجيش يقول إنَّه جاهز لأي تطور، لكنه يطلب تحديداً للأهداف التي تريدها الحكومة من حرب واسعة، ولأي نقطة أو مربع تريد القيادة السياسية الوصول بعد الحرب، هذا لم يحدث حتى الآن ولا يبدو أنه سيحدث، ومسألة شن حرب واسعة في لبنان تبقى تصريحات لتملأ الشاشات بالأخبار العاجلة والسريعة وتغذية الاستوديوهات بمواد وتحليلات لا تمت للواقع بصلة.

عندما تريد دولة أن تشن حرباً أو تقوم بعملية عسكرية من أجل أهداف واضحة لها، فهي لا تقدم للجانب الآخر لا موعداً ولا خرائط لمسارات الجيش ولا إحداثيات ولا معلومات عن مفاجآتها القادمة، كما شاهدنا مع إيران عندما قررت الرد على إسرائيل، وكما ضحكنا طويلاً في مسرحية ضيعة تشرين لدريد لحام ونهاد قلعي.

يبدو أنَّ المنطقة بأكملها بما في ذلك الدولة العبرية لا تزال تعيش في مسرحيات ومسلسلات "غوار الطوشة" ومقالبه وعضلات أبو عنتر ومع فلسفات حسني البورظان الذي أراد أن يعرف ماذا في إيطاليا.