ثمانية أشهر تقريباً على تفجر "طوفان الاقصى"؛ أكثر من مئة ألف شهيد وجريح في غزة وجنوب لبنان، ودمار هائل لم تشهده البشرية منذ الحرب العالمية الثانية.

بعد هذه الأشهر الثمانية الأشهر في تاريخ الإجرام البشري، أطلق سيد البيت الأبيض مبادرة لوقف دوامة الدم والتدمير، ترتكز على مراحل ثلاث يمكن إيجازها كالتالي:

المرحلة الأولى ومدتها ستة أسابيع، تتضمن وقف إطلاق النار والإفراج عن النساء وكبار السن الإسرائيليين لدى حركة حماس، مقابل إطلاق إسرائيل مئات المعتقلين. و"انسحاب" إسرائيلي من "المناطق المأهولة" وعودة الفلسطينيين إلى "منازلهم". والأهم في المرحلة الأولى هو إطلاق المفاوضات بين تل أبيب وحماس بهدف الإعداد للمرحلتين التاليتين.

المرحلة الثانية - المفترض أن تطل بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية - تشمل إطلاق حماس كافة الرهائن مقابل انسحاب إسرائيلي كامل من غزة، على أن تضمن مصر وقطر حماس، وواشنطن تل أبيب.

أما المرحلة الثالثة والأخيرة، فتشمل إعادة كل الجثث،.. وإعادة الإعمار! وكان الرئيس جو بايدن واضحاً بأن الدول العربية - بالتاكيد يقصد الخليجية منها - مطالبة بالمشاركة في إعادة الإعمار.

القراءة الأولية للمقترحات تظهر أولاً أن الرئيس الأميركي "محشور" وهو على أعتاب معركة شرسة للبقاء في البيت الأبيض، يبحث عن منصة إنجاز، أي إنجاز، في ضوء سطوة آلة الدمار الإسرائيلية في غزة ولبنان، والغضبة الطلابية في الجامعات الأميركية ستترجم لا محالة في عداد التصويت الرئاسي في تشرين الأول (نوفمبر) المقبل.

الواضح أن مقترحات بايدن التي تُسوّق عربياً ودولياً، لا ترسم خارطة خروج من الحرب أو الدخول في معترك السلام الحقيقي، فهي لن تتطرق إلى قيام الدولة الفلسطينية وهذا ما يعطيها صفة "مقترحات تمرير مرحلة"، لكنها أرضت إسرائيل بإعادة جميع أسراها، وكذلك حققت مطالب حركة حماس بوقف القتال والانسحاب من غزة.

في المقابل، لا بدَّ من التوقف أمام التتائج السياسية لهذه المقترحات إذا ما شقت طريقها نحو التنفيذ. ومن أبرزها أنها نصت على حوار بين إسرائيل وحركة حماس برعاية أميركية، مصرية وقطرية. فهنا بيت القصيد. حماس تترجل عن صهوة "العقيدة" برفضها محاورة العدو، وتركب موجة الحل السياسي للقضية الفلسطينية.

والسؤال هنا هل ضمنت حماس تأييد الفصائل الإسلامية الفلسطينية الأخرى، كالجهاد الإسلامي، قبل الدخول في نفق التفاوض مع إسرائيل؟ أم أن قدر الفلسطينيين أن يدفعوا دماً فاتورة تفكيك "جبهة الرفض الإسلامي"؟

منذ اللحظة الأولى لانطلاق "طوفان الأقصى"، هددت إسرائيل بالقضاء على حركة حماس، ولن تصل إلى كل بندقية يحملها مقاتلو الحركة، لكنها قضت على البيئة الشعبية الحاضنة لها. وعندما تتحدث مقترحات بايدن عن عودة إلى المناطق المأهولة في غزة، فإنَّ عين المنطق تلفظ وعود الوهم في ظل إعلان الأمين العام المساعد للأمم المتحدة ومدير المكتب الإقليمي للدول العربية في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عبدالله الدردري أن 72 بالمئة من مباني غزة دمرت كلياً أو جزئياً، وأن تكلفة إعادة الإعمار تتجاوز 40 مليار دولار، وأن الاعمار ربما يستغرق عقوداً وليس سنوات.

في التقدير، مرحلة غزة التي نعرفها انتهت، بتاريخها، وشعبها، ومبانيها. وعيون القلق تتسمر الآن على الضفة الغربية حيث الفقر، والتناحر... ومخططات الماضي!