لا تتوافر المصادر التاريخية التي تؤكد أنَّ الرحلة إلى الحج كانت تتصف بالأمان والراحة. بل على العكس، فلطالما اعتبرها المسلمون رحلة تحفها المخاطر. وفي الآية الكريمة (مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) خير دليل على صعوبة هذا السبيل الذي تشكّل سابقاً في خطر التعرض للجوع والعطش بسبب سفر الحجيج سيراً على الأقدام، وهو ما وفّر فرصاً كبيرة لوفاتهم أثناء الذهاب إليه أو عند العودة منه. وحتى وقت قريب قبيل تشكل الدولة السعودية، عانى الحجيج من مواجهة المخاطر، فعبر التاريخ، كان من الحجيج من يتعرض لأمراض السل والملاريا أثناء التزود بالمياه الشحيحة في الأودية والعيون التي يلجؤون إليها أثناء سيرهم مئات أو آلاف الكيلومترات. وكما أنَّ بعضهم تعرض لقطاع الطريق الذين كانوا يترصّدون جماعات الحجيج الصغيرة التي بدورها تصارع الموت لأجل الوصول إلى مكة، فإن بعضها أيضاً كان يتعرض لهجمات الوحوش والذئاب، وهو ما لخصته الثقافة الشعبية في وصفها لرحلة الحج، ومنها (الذاهب للحج مفقود والخارج منه مولود)، ومنه المثل الشعبي الذي سمعناه عن الأجداد (ما يحج إلا مُطيق أو صاحب حيلة) بمعنى أنَّ الذي يتمكن من النجاة أثناء رحلة الحج ذهاباً وإياباً هو شخص شديد التمرس على المخاطر. كما أنَّ تأدية الحج في ذاته قد تكلف الحاج حياته، نتيجة الزحام أو الإجهاد أو العدوى.

وينطوي هذا العهد من الصورة الشاقة عن الحج مع قدوم الدولة السعودية، فهي الأولى التي جعلت من الحج رحلة آمنة لا ينشغل الحاج فيها بشيء سوى تأدية نسكه بروحانية واطمئنان. وهو الأمر الذي جعل من قيادة المملكة العربية السعودية تتشرف بخدمة الحرمين الشريفين لكن مع اقتدار وثبات، فهي التي تمكنت من تغيير المفهوم التاريخي من حجّ محفوف بالمخاطر إلى حجّ آمن. حيث قامت قيادة المملكة بسياسة الإنفاق المفتوح على كل وسيلة تزيد من أمان وراحة الحجيج وضيوف الحرمين، وقد وصلت نسبة الإنفاق السعودي على الحرمين الشريفين بما يزيد عن مئة مليار دولار، وهو المبلغ الخاص بالبنى التحتية والخدمات العامة، ولا يشمل ذلك الإنفاق على الموارد البشرية من أجور ونقل وخلافه.

لقد تشرفت المملكة بضيافة الحجيج كل عام منذ عهد الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود طيب الله ثراه، وحتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله، وما يطرأ من محاولات واهمة لإدانة هذه الضيافة الكريمة هو في مجاز التعبير عقدة نقص دولية مردّها إلى النجاح الاستثنائي للأجهزة الحكومية السعودية في تنظيم الحج.

وفي ظل أنّ المشاهد الإعلامية للاستعراض الأمني السعودي في تنظيم الحج قد يسوء البعض من المغرضين، فإنَّ هذه المشاهد في حقيقتها واجبة الحدوث والإظهار، إذ كما تستقبل المملكة ملايين الحجاج بباقة من الزهور، فإنَّ هناك من يجب تذكيره أيضاً بأن لاحترام الحجيج وأمنهم نفس القداسة للحرمين الشريفين، ولا يجوز عند العبث بها أو تخريبها سوى استخدام القوة إن لزم الأمر، ربطًا مع معنى الآية الكريمة (وَإِذْ جَعَلْنَا ٱلْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا) فلا معنى للبيت الحرام بدون الحفاظ فيه على سلامة الدماء والأعراض والأموال.

لقد عانت المملكة من محاولات واهنة لتنفيذ الأجندة الخفية في أهم تظاهرة إيمانية لدى المسلمين، إذ وصل ببعض اليائسين إلى محاولة استخدام الحج - وهو شعيرة دينية عظيمة - لتمرير أجندة سياسيَّة كل عام، ومن آخرها الترويج لعدم وجوب التصاريح، حيث تهدف مثل هذه الأجندة لأن تتداخل مع ملايين الحجاج وتبدو كرأي عام إسلامي يخدم أصحاب تلك الأجندة. وهو الأمر الذي تكشفه الجهود الأمنية السعودية وتحسن معالجته في كلّ مرة. ولا شك في أنَّ الإجراءات السعودية المُتخذة لحفظ الحرمين الشريفين والشعائر الإسلامية من التخريب والفوضى يجب أن تهمّ كل مسلم، فهذه الإجراءات التي تشرف عليها قيادة المملكة تضمن لجميع المسلمين قداسة شعيرتهم الإسلامية، ووسطية ممارستها، وأمان ضيوفها، ونفوذ القانون فيها.