لم أجد في كتب التاريخ وأنا أتصفح تاريخ الأمم والشعوب المختلفة شعباً ظلم أكثر من العرب، وشعباً همش في وطنه أكثر من هذا الشعب العريق والنبيل، ولم أجد إنصافاً للعرب الأصليين أبناء القبائل العربية البدو أكثر من المستشرقين الأجانب، الذين كتبوا عنه العديد من المجلدات والكتب، هؤلاء الرحالة الذين أمضوا سنوات من العيش معهم ودراسة أحوالهم وصفاتهم ونبالة عرقهم وشهامة طبعهم وإقدامهم في الحرب والفروسية، مما حدا بالأجانب الرحالة والمستشرقين إلى أن يكتبوا في خلاصات كتبهم أننا لم نجد في الشعوب المختلفة أنبل من الشعب العربي في صحراء الجزيرة العربية وفي بوادي الشام.

أكتب هذا المقال خلاصة قراءة العديد من الكتب التي تتحدث عن أصل العرب وعن منشئهم وقبائلهم وأعراقهم مما كتبه أبناء جلدتهم الذين انتسبوا إلى العروبة مع الأيام، وبالمقابل سلسلة أخرى من كتب الرحالة والمستشرقين، لذا تجد أنَّ الشعب العربي هو الشعب الوحيد الذي لديه فترتين في حياته، عرب الجاهلية وعرب الإسلام، والشعر الجاهلي والشعر ما بعد الجاهلي، كيف يطلق على شعب عريق بأكلمه أنه جاهل، وأنه يعيش في عصر الجاهلية؟ سيقول لي البعض إنَّ الاسم أطلق على العرب لجهلهم الإسلام، فسمي بالعصر الجاهلي، فأقول وهل أطلق على الرومان قبل المسيحية وعلى شعب روما اسم الجاهل قبل المسيحية، وهل أطلق على اليونان اسم جاهليين وهم قبل المسيحية، وهل نعت بنو اسرائيل بذلك قبل ظهور موسى وسليمان وداوود عليهم السلام، فهل ذنب أي شعب في هذا العالم أنه كان موجوداً قبل بزوغ فجر دين جديد لكي ينعت بأنه جاهل.

من ناحية أخرى، وصف العرب بالاعراب، مع أنَّ كلمة العرب تدل على الجمع، وان جمع الجمع وجمع التكثير أعراب، فصنف الاول بأنه عربي والثاني بأنه سكان الصحراء البدو، فكيف لعب بالمصطلاحات والأسماء وكيف نعت العرب بكل هذه الأوصاف الغريبة التي ليس لها في أرض الواقع من شيء، فعندما يدرس الطالب في الجامعة الأدب الجاهلي ويقصد به الأدب العربي قبل الإسلام، وهو أدب محكم الصنع من معلقات وشعر وثقافة وحكمة، فهل الإلياذة والأوديسة، وهما ملحمتين يونانيتين شعريتين تسجلان حروب ومآثر ومغازي اليونان قبل المسيحية، هما أدب يوناني جاهلي، وهل كان اليونان جهلة في ذلك الوقت، وهل صنفت الجامعات الغربية هذا الأدب كأدب جاهلي قبل المسيحية، لأن اليونان والرومان لم يكونا يعرفان الدين المسيحي، ويعتبران ما جاء بعد ذلك أدب ما بعد الجاهلية اليونانية والرومانية بعد معرفتهم بالدين المسيحي مثلاً؟

تقول كل المصادر التاريخية إنَّ أول إشارات وجدت لكلمة عربي أو عرب كانت في الألواح المسمارية في العراق قبل الميلاد بألفي عام، وبعدها إشارات في المراسلات اليونانية قبل الميلاد بنحو 300 عام، وكان يقصد بالعرب البدو، أي سكان الصحراء، وكل عربي بدوي، وكل الكتابات التي وجدت في علم الانثروبولجيا والآثار دلت على أنَّ العرب هم البدو أبناء القبائل العربية، وبعد الإسلام دخلت الشعوب المختلفة الإسلام مع الفتوحات العربية، وتعربت هذه الشعوب بعد أن أسلمت، وأصبح المستعربون الجدد ينعتون أنفسهم بالعرب، والعرب الأصليين بالاعراب أو البدو، ولم تكن قد ظهرت هذه النزعة في حكم بني أمية في الشام، لأنَّ العنصر العربي كان هو الذي يحكم وهو السائد، وبعد انهيار الأمويين ونقل الخلافة إلى بغداد، حيد العباسيون العرب وأبعدوهم عن مناصب الدولة العليا، واستعانوا ببقايا الفرس والتركمان والشراكسة والأرمن والشعوب الأخرى التي تعربت وانحصر العرب الأقحاح في شبه الجزيرة العربية وبادية الشام لأكثر من 700 عام، وأصبح العربي أقل شأناً من المستعرب، وظهرت الشعوبية التي تعلي شأن العنصر الأجنبي الذي أصبح عربياً وتنقص من شأن العربي الأصل، وصنف العرب على أنهم جهلة لا يصلحون لشيء، واستمر هذا الأمر أيام الفاطميين وعصر المماليك إلى أن جاءت الدولة التركية وأصبح العنصر العربي عنصراً غير مرغوب فيه في دولة الخلافة العثمانية.

إقرأ أيضاً: ابتسامات بوتين في الرياض

هذا المختصر الشديد لأكثر من 1400 عام من تاريخ العرب الذي أدى في نهاية المطاف وبعد الحرب العالمية الثانية إلى ظهور الدول العربية الحديثة المهزوزة والضعيفة والتي تعاني اضطراب الشخصية وعدم قدرتها على إيجاد مكان لها تحت الشمس، فأصبحت دولاً تابعة مرتبكة لا إرث لها، فأيّ شعب في هذا العالم تعرض لما تعرض له العرب على مر التاريخ القديم والحديث إلا شعب واحد وهم الشعوب الأصلية في الأميركيتيين عندما غزاهم الأوروبيون، وأطلق عليهم اسم الهنود الحمر لجهلهم بهم واعتقادهم عند وصولهم إلى الأميركيتين أنهم قد وصلوا إلى الهند، وأنَّ هذه الشعوب هي شعوب هندية، فكما سمي العرب باعراب، سمي أصحاب حضارتي المايا والانكا، وهي حضارات متقدمة وعريقة تشابه في تقدمها وفي أهراماتها حضارة مصر القديمة زمن الفراعنة، بالهنود الحمر، وهذا ما حصل بالضبط مع الحضارة العربية قبل الإسلام التي سميت بالجاهلية، وهي حضارات متقدمة جداً مثل مملكة سبأ وحمير وحضرموت ودادان ومملكة الأنباط ومملكة تدمر، كل هذه الممالك العربية إضافة إلى مملكة الحيرة والغساسنة في غرب العراق وشرق الأردن اليوم، تحولت بنظر المستعربين الجدد من العرب الذين دخلوا الإسلام بعد الفتوحات العربية إلى حضارات جاهلية ومجموعات من الاعراب والبدو.

إقرأ أيضاً: مآلات الواقع العربي بعد ربيعه: تزوير التاريخ

لا بدَّ من قراءة التاريخ وإعادة كتابته بعيون عربية وبعقل عربي منفتح من أبناء العرب الأصليين وليس من خلال المستعربين العرب الذين أساؤوا إلى العروبة وشوهوا الإسلام.

والله من وراء القصد.